فرنسا تفتح الباب على مصراعيه لاعتراف أوروبي كامل بمغربية الصحراء

أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الثلاثاء أن بلاده ترى أن مخطط المغرب بخصوص الحكم الذاتي لأقاليم الصحراء في إطار السيادة المغربية هو الأساس الوحيد للتوصل إلى حل سياسي للنزاع القائم منذ فترة طويلة، ووصف المغرب الإعلان الفرنسي بأنه يشكل “تطورا هاما وبالغ الدلالة في دعم السيادة المغربية على الصحراء”.

وتفتح الخطوة الفرنسية الباب على مصراعيه لاعتراف أوروبي كامل بمغربية الصحراء بعد اعتراف الولايات المتحدة ودول أخرى في أوروبا وأفريقيا وآسيا بواقعية مبادرة الحكم الذاتي التي تطرحها الرباط واعتبارها أساسا للحل.

ولم يكن التغيير في موقف فرنسا ومواقف الدول الأخرى سوى نجاح سياسي ودبلوماسي للمغرب برمته وتتويجا لجهود إدارات مختلفة في الدولة ممن تمارس العمل بهدوء وتكتم لتغيير الرأي العام الخارجي ومواقف الدبلوماسيين الأجانب بهدف دعم وحدة أراضي المغرب وعدم القبول بأي تنازل في ذلك ولو كان صغيرا وغير ذي قيمة.

 

عبداللطيف الغلبزوري: اعتراف فرنسا بمغربية الصحراء تحول نوعي

ولم تقف الدبلوماسية المغربية عند إطلاق الشعارات وإصدار البيانات لدعم الموقف المغربي وشرح مبادرة الحكم الذاتي ومزاياها وفرص نجاحها في وقف النزاع بما يراعي مصالح سكان الأقاليم الجنوبية وأمن المنطقة واستقرارها.

فقد تحركت المؤسسات المغربية على عدة واجهات، دبلوماسية وسياسية واقتصادية وثقافية، لتوسيع دائرة الأصدقاء على قاعدة تبادل المصالح والمنافع والندية الكاملة، ما جعل المقاربة المغربية تجد صدى كبيرا خاصة في أفريقيا وتوجه ضربة كبيرة للعمل الدبلوماسي الجزائري والخطاب السياسي الذي يتردد بشكل مستمر على لسان المسؤولين الجزائريين وفي مقدمتهم الرئيس عبدالمجيد تبون.

ومثّل النجاح المغربي في تأمين اعتراف دول كبرى، مثل فرنسا والولايات المتحدة وإسبانيا، نكسة لبوليساريو التي تعمل الآن كعداد خسائر على جميع المستويات، وتكتفي ببيانات لا جدوى منها.

ولم تغادر الجزائر مربع الحرب الباردة، ومازالت تتمسك بورقة جبهة بوليساريو لمناكفة المغرب متغافلة عن التطورات الكبيرة التي يعيشها الجار الغربي اقتصاديا ودبلوماسيا، فهو بوابة أوروبا نحو أفريقيا وشريك اقتصادي ذو وزن مع الاتحاد الأوروبي.

ولا يقف نجاح المغرب الإقليمي والدولي عند وحدة الأراضي أو مبادرة الحكم الذاتي، بل تحول إلى شريك اقتصادي فعال يحرص الشركاء على احترام مصالحه والاعتراف بقضاياه، على عكس الجزائر التي لا تمتلك أوراق تأثير أو ضغط تجلب الدعم لمواقفها السياسية في القضايا المختلفة، وخاصة في موضوع الصحراء.

وشهدت الدبلوماسية الجزائرية في السنوات الأخيرة فشلا ذريعا في ملفات إقليمية. وخسرت دورها في مالي كوسيط بين الفرقاء، وتوترت علاقتها مع النيجر، ومع الكونغو الديمقراطية بعد موقف غير محسوب بتوقيع اتفاق دفاعي مع رواندا.

 

رشيد حموني: مكسب بارز للمملكة في مسار دفاعها عن وحدتها الترابية

ومن الصعب تخيل أن الجيش الجزائري، الذي راهن على بوابة بوليساريو رهانا كاملا في صراعه مع المغرب، يمكن أن يتقبل أيّ مبرر لسلسلة الإخفاقات السياسية والدبلوماسية الرسمية. ومن الوارد أن يضغط على الرئيس عبدالمجيد تبون للبحث عن كبش فداء -أو أكثر- في الطاقم السياسي والدبلوماسي للجزائر يدفع ثمن الانتكاسات.

وبعد بيان استباقي صدر قبل أسبوع للهجوم على الموقف الفرنسي قبل الإعلان عنه بصفة رسمية، قررت الجزائر الثلاثاء سحب سفيرها من فرنسا وتخفيض تمثيلها الدبلوماسي لديها إلى مستوى القائم بالأعمال.

وجاء في البيان أن “الجزائر تؤكد أنها ستستخلص كافة النتائج والعواقب التي تنجر عن هذا القرار وتحمل الحكومة الفرنسية وحدها المسؤولية الكاملة والتامة عن ذلك”.

وتكمن مشكلة البيانات التصعيدية المتسرعة في أنها تزيد من تأزيم العلاقات بين الجزائر ودول أوروبية رئيسية مثلما جرى خلال التصعيد ضد إسبانيا بعد اعترافها بمغربية الصحراء؛ حيث وجد الجزائريون أنفسهم مضطرين إلى التراجع لأن معاداة مدريد كانت تعني آليا معاداة الاتحاد الأوروبي، والأمر نفسه يتكرر مع فرنسا.

وما يربك الجزائريين أن فرنسا ستتحرك وطنيا ودوليا في انسجام مع موقفها الجديد الداعم لمغربية الصحراء، وأنه لن يكون موقفا عابرا يمكن تلافي تأثيره على العلاقات بين باريس والجزائر التي تعيش حالة من الإرباك المستمرة بسبب مزاجية المسؤولين الجزائريين واستدعاء قضايا التاريخ لتعكير صفو علاقات الحاضر.

وما يمنح الموقف الفرنسي قيمة أنه جاء في صيغة إعلان جمهوري رسمي، وليس تصريحا معزولا لأحد العاملين بوزارة الخارجية، كما أن اختيار الذكرى الخامسة والعشرين لجلوس العاهل المغربي الملك محمد السادس على العرش لإصدار هذا الموقف يظهر رغبة قوية من باريس في كسب ثقة المغرب والتعامل معه كشريك إستراتيجي ذي أهمية في المنطقة.

محمد الطيار: توقيت رسالة الاعتراف الفرنسية له دلالات رمزية مهمة

ويعتقد عبداللطيف الغلبزوري، الأمين الجهوي لحزب الأصالة والمعاصرة بجهة طنجة تطوان الحسيمة، في تصريح لـه أن “اعتراف فرنسا بمغربية الصحراء يعكس تحولا نوعيا في التعاطي مع هذا النزاع، ونصرا مهما للدبلوماسية المغربية، على اعتبار مكانة فرنسا في الساحة الدولية وفي المنطقة، وهي العضو الدائم في مجلس الأمن الدولي”.

وأكد رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب المغربي، في تصريح لـه أن “إعلان فرنسا رسميا اعترافها بسيادة المغرب على صحرائه يُشكِّلُ تقدُّما كبيرا ومكسبا بارزا للمملكة في مسار دفاعها عن توطيد وحدتها الترابية”.

وأضاف حموني أن “الموقف الفرنسي يشكل تحولا جوهريا بالنسبة إلى الصحراء المغربية، لما لفرنسا من معرفة جيدة بتفاصيل وتطورات هذا الملف منذ نشأته، ولما لها من مكانة أساسية على الساحة الدولية وعضوية دائمة في مجلس الأمن”، مؤكدا أن “هذا التقدم البارز يعزز مواقف المغرب الثابتة بشأن وحدته الترابية، ويُوَطِّدُ أكثر موقعه في مسار الطيِّ النهائي والسريع لهذا النزاع المفتعل”.

وقال الرئيس الفرنسي في رسالة إلى العاهل المغربي إن “حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية” وإن بلاده “تعتزم التحرك في انسجام مع هذا الموقف على المستويين الوطني والدولي”.

واعتبر محمد الطيار، الباحث المغربي في الدراسات الأمنية والإستراتيجية، أن توقيت رسالة الاعتراف له دلالات خاصة بحكم أنها تأتي في الذكرى الخامسة والعشرين لجلوس الملك محمد السادس على العرش، وهي رسالة تؤكد رغبة فرنسا في طي صفحة ماضية اتسمت بالغموض.

وأكد الطيار في تصريح لـه أن “المغرب استطاع حسم النزاع المفتعل لمصلحته لأن الظروف اليوم في صالح المغرب وحلفائه أكثر مما سبق؛ سواء تعلق الأمر بالتوازنات السياسية الجديدة داخل فرنسا وصعود اليسار الفرنسي بزعامة جان جاك ميلنشون، المعروف بموقفه الإيجابي من الصحراء المغربية، أو اتصل بالتطورات السياسية الحاصلة عالميا. وهو ما جعل فرنسا تعي اليوم أكثر من وعيها سابقا بأن المغرب دولة ذات مصداقية كبيرة وعليها التعامل معها بمنطق جديد”.

ضربة كبيرة للعمل الدبلوماسي الجزائري والخطاب السياسي الذي يتردد بشكل مستمر على لسان تبون

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: