فرنسا تعترف رسميا بمخطط المغرب للحكم الذاتي على صحرائه
أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في رسالة اليوم الثلاثاء أن فرنسا تعترف بمخطط المغرب بخصوص الحكم الذاتي لمنطقة الصحراء المغربية في إطار السيادة المغربية كأساس وحيد لحل دائم للقضية، في تطور بالغ الدلالة والرمزية يتزامن مع احتفالات المملكة بالذكرى الخامسة والعشرين لعيد العرش.
ويسيطر المغرب على 80 بالمئة من الصحراء المغربية، وهي مستعمرة إسبانية سابقة، ويقترح منحها حكما ذاتيا تحت سيادته، لكن جبهة بوليساريو المدعومة من الجزائر تسعى لإقامة دولة مستقلة عليها.
ويعتبر النزاع حول الصحراء المغربية من أقدم النزاعات في أفريقيا إذ استرجع المغرب أراضي الصحراء المغربية من الاستعمار الإسباني في 1975 لتتأسس جبهة بوليساريو بعد ذلك بعام وتحمل السلاح في وجه المغرب من أجل الانفصال.
واستمر النزاع المسلح بين الجانبين إلى أن تدخلت الأمم المتحدة في 1991 لوقف إطلاق النار. وتصنف الأمم المتحدة الصحراء المغربية ضمن “الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي”.
وسارت فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة في المنطقة، على حبل دبلوماسي مشدود بشأن هذه القضية بين الرباط والجزائر التي تدعم جبهة البوليساريو. وأيَد معظم حلفاء فرنسا الغربيين بالفعل خطة المغرب.
وقال ماكرون في رسالة إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس في الذكرى الخامسة والعشرين لتوليه العرش إنه “يعتبر أن حاضر ومستقبل الصحراء المغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية”. وفق بيان للديوان الملكي المغربي.
وأكد الرئيس الفرنسي في ذات الرسالة “ثبات الموقف الفرنسي حول هذه القضية المرتبطة بالأمن القومي للمملكة”، وأن بلاده “تعتزم التحرك في انسجام مع هذا الموقف على المستويين الوطني والدولي”.
وتحقيقا لهذه الغاية، شدد الرئيس ماكرون على أنه “بالنسبة لفرنسا، فإن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يعد الإطار الذي يجب من خلاله حل هذه القضية”.
وقال إن “دعمنا لمخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب في 2007 واضح وثابت”، مضيفا أن هذا المخطط “يشكل، من الآن فصاعدا، الأساس الوحيد للتوصل إلى حل سياسي، عادل، مستدام، ومتفاوض بشأنه، طبقا لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة”.
وبخصوص مخطط الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، سجل رئيس الفرنسي أن “توافقا دوليا يتبلور اليوم ويتسع نطاقه أكثر فأكثر”، مؤكدا أن “فرنسا تضطلع بدورها كاملا في جميع الهيئات المعنية”، وخاصة من خلال دعم بلاده لجهود الأمين العام للأمم المتحدة ولمبعوثه الشخصي.
وشدد الرئيس ماكرون، في رسالته، قائلا “حان الوقت للمضي قدما. وأشجع، إذن، جميع الأطراف على الاجتماع من أجل تسوية سياسية، التي هي في المتناول”.
ومن جهة أخرى، وبعدما نوه بجهود المغرب من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الصحراء المغربية، أعرب الرئيس الفرنسي عن التزامه بأن “تواكب فرنسا المغرب في هذه الخطوات لفائدة الساكنة المحلية”.
ورحب الديوان الملكي المغربي في بيان بالإعلان الفرنسي قائلا إنه يشكل “تطورا هاما وبالغ الدلالة في دعم السيادة المغربية على الصحراء”.
ويندرج في إطار الدينامية التي يقودها الملك محمد السادس، وتنخرط فيها العديد من البلدان في مختلف مناطق العالم، لفائدة الوحدة الترابية للمغرب ولمخطط الحكم الذاتي كإطار حصري لتسوية هذا النزاع الإقليمي.
ويأتي الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء بعد التغيير الجذري والتحول التاريخي لموقف إسبانيا، المستعمر السابق للصحراء، بعدما أعلن رئيس حكومتها بيدرو سانشيز، في 19 مارس 2022، دعم الموقف المغربي علناً وللمرة الأولى، من خلال اعتباره مقترح الحكم الذاتي “الأساس الأكثر جدية وواقعية وصدقية لحل النزاع”.
وقبل التحول التاريخي في موقف مدريد، كان لافتا الموقف الذي أعلنه رئيس جمهورية ألمانيا الاتحادية، فرانك فالتر شتاينماير، في رسالة وجهها إلى العاهل المغربي في يناير 2022، حينما قال إن ألمانيا “تعتبر أن مخطط الحكم الذاتي الذي قدم في سنة 2007 بمثابة جهود جادة وذات صدقية من قبل المغرب، وأساس جيد للتوصل إلى اتفاق” لهذا النزاع الإقليمي.
وكذلك شكّل اعتبار هولندا في 11 مايو 2022 أن مبادرة الحكم الذاتي “مساهمة جادة وذات صدقية” في العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة لإيجاد حل لقضية الصحراء، وإعلان بلجيكا في 21 أكتوبر من السنة نفسها، دعمها لمخطط الحكم الذاتي، خطوات أوروبية أخرى عززت الموقف المغربي وأكسبته زخماً.
وفضلاً عن الدعم الأوروبي، كان الاعتراف الأميركي بسيادة الرباط على الصحراء في نهاية 2020 حافزاً لإعلان دول أفريقية عدة ودول مجلس التعاون الخليجي والأردن اعترافها بمغربية الصحراء وفتح تمثيليات دبلوماسية بمدينتي العيون والداخلية.
وطيلة الأسابيع الماضية، بدا لافتاً توالي إشارات حدوث تحول في موقف فرنسا وانتقاله من التأييد المستمر منذ 2007 لمقترح الحكم الذاتي إلى الاعتراف بمغربية الصحراء، خاصة بعد إحراز تقدم في طي صفحة أزمة عميقة شهدتها العلاقات بين البلدين منذ عام 2021، كان من أبرز مظاهرها حالة فراغ دبلوماسي بعد تجميد زيارات مسؤولي البلدين المتبادَلة وأي اتصال بين قادتهما.
وكان وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه قد أكد في فبراير الماضي أنه “يمكن للمغرب أن يعتمد على فرنسا للدفاع عن أولوياته اليوم وفي المستقبل”، مشدداً على أن “الصحراء رهان وجودي بالنسبة للمغرب وفرنسا تعرف ذلك، وهناك مخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب منذ سنة 2007 ومنذ ذلك الوقت فإن المغرب يجب أن يعتمد على دعم فرنسا الواضح والدائم لهذا المخطط. وموقفنا البحث عن حل سياسي ومستدام وفق مقررات مجلس الأمن”.