ربع قرن على اعتلاء الملك محمد السادس العرش: نجاحات تنموية ودبلوماسية تقفز بالمغرب نحو المستقبل

عرف المغرب في عهد الملك محمد السادس زخما هائلا من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية قفزت بالمملكة نحو المستقبل. ورغم الاستقطاب الشديد في محيطه الإقليمي وتضارب الأجندات الدولية في المنطقة استطاع المغرب تحقيق نجاحات دبلوماسية عززت مكانته ووسعت دائرة حلفائه.

يحيي المغاربة اليوم الثلاثاء 30 يوليو الذكرى الخامسة والعشرين لاعتلاء العاهل المغربي الملك محمد السادس العرش، وهي مناسبة يرى محللون أنها فرصة لتعديد النجاحات ومراكمة الانجازات.

ودشن العاهل المغربي حكمه في العام 1999 بإطلاق مسار التحديث في جميع مجالات الحياة ما فتح صفحة جديدة في تاريخ المغرب المعاصر، حيث تعززت مكانة المملكة على الساحة الدولية وتحقق أكبر قدر من المكتسبات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.

وأما على المستوى الدبلوماسي، فتبدو نجاحات المغرب في قضية الصحراء المغربية والسيادة الوطنية جلية للعيان مع توسع دائرة الدول التي اعترفت بسيادة المغرب على أٍراضيه و تبني القوى الدولية المؤثرة لمقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية للصحراويين.

وكان العاهل المغربي قد صرّح في أول حوار له مع مجلة “باري ماتش” الفرنسية في العام 2001 أي بعد سنتين بعد اعتلائه العرش، “إن مهمتي كملك تجعل مني الخديم الأول للمغاربة. ولا يوجد هناك سبب لكي يتوقف ذلك، ودعوني أؤكد لكم أنني أبذل يوميا كل ما في وسعي من أجل وطني”.

ومنذ ذلك التاريخ دشن العاهل المغربي عهده بقرارات وإنجازات وتحديات داخلية وخارجية استطاع بحنكته تجاوز مَطباتها المُعقدة في مُحيط دولي وإقليمي شديد الاستقطاب.

فلسفة الحكم طيلة ربع قرن

 

خالد السموني: كرامة المواطنين وحرياتهم أولوية ملكية

رفع العاهل المغربي شعار “المفهوم الجديد للسلطة”، في الخطاب الذي وجهه يوم 12 أكتوبر 1999 بمدينة الدار البيضاء، وهو المفهوم الذي لا تزال ملامحه تتراءى بعد مرور 25 سنة من الحكم.

وأكد العاهل المغربي حينها أن “المفهوم الجديد للسلطة، الذي أطلقناه، في خطابنا المؤسس له، بالدار البيضاء، في أكتوبر 1999، يظل ساري المفعول، فهو ليس إجراء ظرفيا لمرحلة عابرة، أو مقولة للاستهلاك، وإنما هو مذهب في الحكم، مطبوع بالتفعيل المستمر، والالتزام الدائم بروحه ومنطوقه، كما أنه ليس تصورا جزئيا، يقتصر على الإدارة الترابية، وإنما هو مفهوم شامل وملزم لكل سلطات الدولة وأجهزتها، تنفيذية كانت أو نيابية أو قضائية”.

ويقول مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والإستراتيجية خالد الشرقاوي السموني، إن “الخطاب شكل قطيعة مع الأساليب القديمة، ونهج أساليب جديدة تضمن حماية الحريات الفردية والجماعية وتصون حقوق المواطنين وتتيح الظروف المناسبة لترسيخ وتوطيد دولة الحق والقانون؛ وذلك من خلال إجراء مراجعة عميقة لعدد من النصوص القانونية والتنظيمية بهدف خلق مناخ ملائم، وإعادة النظر في اختصاصات ومهام المحافظين لتتركز على القضايا الاقتصادية من أجل تحقيق أهداف اجتماعية محددة، وهذا المفهوم أصبح عنصرا أساسيا في الحكم”.

وعبّر العاهل المغربي عن ذلك في خطاب العرش يوم 30 يوليو 2016 قائلا “مفهومنا للسلطة هو مذهب في الحكم، لا يقتصر، كما يعتقد البعض، على الولاة والعمال والإدارة الترابية، وإنما يهم كل من له سلطة، سواء كان منتخبا، أو يمارس مسؤولية عمومية، كيفما كان نوعها”.

ومع كل منعطف وفي كل أزمة أو تحد، تجلى “المفهوم الجديد للسلطة” عندما أجاب العاهل المغربي على احتجاجات حركة 20 فبراير المتزامنة مع ما اصطلح عليه “الربيع العربي”، فكان خطاب 9 مارس 2011، الذي تمخض عنه دستور اعتبره الكثيرون ثوريا، وأجريت انتخابات نزيهة شفافة تمكن من خلالها حزب العدالة والتنمية، المحسوب على تيار الإسلام السياسي، من تبوء المرتبة الأولى وشكل الحكومة بمعية أحزاب أخرى، واستمر بها لولايتين متتاليتين، إلى غاية 2021، حيث ترجلوا من خلال صناديق الانتخاب أيضا كما صعدوا.

واعتبر السموني في تصريح له، أنه ” خلال ربع قرن من الحكم ركز العاهل المغربي، بصفته الضامن للخيار الديمقراطي الوطني، على مفتاح حقوق الإنسان وكرامته وحرياته العامة وإجراء انتخابات حرة ونزيهة، التي حرص دوما على ضمانها في كل الاستحقاقات منذ توليه الحكم، والتصدي لكل الممارسات التي قد تسيء لها، جاعلا منها المدخل الأساسي لمصداقية المؤسسات التمثيلية، وأن تتحمل السلطات العمومية والأحزاب السياسية مسؤولياتها كاملة في توفير الضمانات القانونية والقضائية والإدارية لنزاهة الاقتراع”.

ونجح المغرب في تنظيم أول انتخابات في عهد الملك محمد السادس سنة 2002، اتسمت بالشفافية والنزاهة وفق المعايير الديمقراطية، بتوفير شروط النزاهة والشفافية للعملية الانتخابية، وضمان حياد الإدارة.

وفي عهده أيضا تم إرساء أسس دولة القانون بفضل قرارات هامة وجريئة تم اتخاذها في هذا المجال، كان أبرزها إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة في يناير 2004، التي انكبت على موضوع الانتهاكات السابقة لحقوق الإنسان خلال الفترة بين عامي 1956 و1999، والتي تعد تجربة فريدة من نوعها عربيا وأفريقيا، هدفها تحقيق مصالحة المغاربة مع ماضيهم ومعالجة الخروقات والتجاوزات، وجبر الضرر عن طريق تعويض ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، مع الاعتراف بالأمازيغية كمكون أساسي للهوية الوطنية، والإصلاح العميق لوضعية المرأة من خلال مدونة الأسرة ، حيث أعطى الملك توجيهاته لإصلاح جوهري لها عام 2003 وإعادة النظر في بنودها في هذا العام 2024، وإصلاح قطاع العدل، والتقييم الجريء للسياسات العمومية الوطنية.

كما راكم المغرب في عهد الملك محمد السادس ترسانة من الاجراءات والتجارب في المجال الامني والديني وأضحى مرجعية ونموذجا يحتذى في مجال محاربة الإرهاب وتطويق التطرف الديني ونشر القيم المثلى للإسلام، حيث ظل المغرب مقتنعا بأن مكافحة التطرف العنيف لا يمكن أن تتم إلا من خلال الوعي المستمر والاستراتيجيات والمقاربات المنسقة والإجراءات الموجهة نحو منع ومكافحة الجريمة المنظمة الدولية.

وبخصوص إصلاح الحقل الديني في المغرب، اكد السموني، أن المغرب يرتكز على مجموعة من الآليات، منها تكوين الأئمة وتدبير المساجد وتكوين المرشدين والمرشدات، إلى جانب تكريس وتجذير التنوع والتعدد في المجتمع المغربي . وحققت المقاربة الدينية والأمنية نجاحات هامة في مواجهة الارهاب، ومكنت المغرب بالتالي إلى جانب مجموعة من الدول الصديقة من تجنب العديد من الأعمال الإرهابية حتى قبل وقوعها. ولقي المجهود الأمني الذي تبذله المملكة لمواجهة التحديات الإرهابية والتطرف العنيف إشادات واسعة وتثمينا كبيرا من طرف العديد من الدول، من فرنسا إلى إسبانيا مرورا بمنظمة الأمم المتحدة.

الدبلوماسية الملكية

 

راكم المغرب مكاسب عديدة في المجال الدبلوماسي الذي يلعب فيه الملك محمد السادس دورا محوريا، مع توجيه مباشر ودائم للسياسة الخارجية للبلد طيلة خمسة وعشرين سنة.

وكانت السنوات الأخيرة مناسبة لجني ثمار كل ما تم اعتماده في هذا المجال، حيث سجل المغرب تحولا جوهريا على مستوى السياسة الخارجية عندما قرر تنويع شركائه والانفتاح على شركاء جدد مثل الصين وروسيا، في المجالات الاقتصادية والعسكرية والتجارية وغيرها وعدم الاعتماد فقط على الشركاء التقليديين، وكانت العودة القوية إلى العمق الأفريقي واستعادة كرسي المملكة داخل الاتحاد الأفريقي من الخطوات المدروسة والمهمة.

ونظرا لدبلوماسية مغربية استباقية أخذت في الاعتبار التطورات التي تعرفها علاقات القوة على المستوى الدولي، قام المغرب بحملة مستمرة ومركزة طيلة سنوات لدى المجتمع الدولي لحثه على تبني المبادرة المغربية للحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية للمملكة باعتبارها الأساس الوحيد الكفيل بتسوية هذا النزاع المزمن، والذي حظي بترحيب من الأمم المتحدة التي وصفته بالجدي وذي المصداقية.

ويرى رشيد لزرق، أستاذ العلوم السياسية، في تصريح له، أن “الملك محمد السادس عمل منذ وصوله لسدة الحكم على إجراء تغيرات ملموسة في السياسة الخارجية بما يخدم تموقع المملكة وتقوية مواقفها الدبلوماسية ترسيخا للندية في الدفاع على المصالح الإستراتيجية، مع تحقيق الكثير من التطور في محيطها الإقليمي والدولي”.

ونظرا لما تمثله عودة المغرب الى الاتحاد الأفريقي من مكسب دبلوماسي وسياسية ذات أهمية في الدفاع عن موقع المملكة داخل عمقها الأفريقي، بعد انسحاب دام عقودا، أكد الباحث في التاريخ عبدالله بوصوف لـه، أن ” السياسة الأفريقية للمغرب ترتكز على شراكات مفيدة للطرفين مع البلدان الأفريقية، في خدمة قضايا القارة”.

وبدروه يؤكد السموني، بأن المغرب بقيادة الملك محمد السادس تمكن بناء على روابطه التاريخية مع دول القارة الأفريقية، من استعادة مكانته، ودوره الرائد في الاتحاد الأفريقي من خلال حضوره ومشاركته في أجهزة الاتحاد واللجان المتخصصة المنبثقة عنه، وأن المردود المباشر لتلك التوجهات كان أكثر وضوحا وملاءمة لدور المغرب التاريخي في القارة، وقد تمثل في عضويته في عدد مهم من أجهزة الاتحاد، وعلى رأسها مجلس الأمن والسلم”.

وانطلاقا من الجانب الديني والتاريخي الذي يجمع المغرب ودول أفريقية، أطلق المغرب عددا من المبادرات الدينية بالقارة السمراء، حيث يشير السموني، أن المملكة لم تتخل يوما عن دورها الديني والروحي في أفريقيا، بل أولت هذا الدور اهتماما كبيرا خلال خمس وعشرين سنة الماضية.

ومن المبادرات الدينية المهمة في هذا الإطار نذكر إحداث معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات سنة 2014 بغرض تكوين الأئمة المرشدين والمرشدات، من المغرب ومن خارجه، لبيان مقاصد الشريعة الإسلامية، وإبراز سماحتها ووسطيتها واعتدالها، والمساهمة في الحفاظ على الوحدة الدينية للمجتمع وتماسكه، كما تم إحداث مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة لتجسيد عمق الأواصر التاريخية والصلات الروحية التي تربط المغرب بالشعوب الأفريقية.

 

رشيد لزرق: ملف الصحراء المغربية مؤشر على نجاح الدبلوماسية

وتميز ربع قرن من حكم العاهل المغربي بترسيخ مكانة المغرب كفاعل إقليمي مؤثر وشريك موثوق به من طرف القوى الدولية الفاعلة؛ واستطاع المغرب بفضل سياسة خارجية متوازنة من تدبير الأزمات الطارئة مع اكتساب ثقة كل الفاعلين الدوليين.

الصحراء المغربية

من المكاسب المهمة للمغرب تلك الاختراقات الدبلوماسية التي عرفها ملف الصحراء المغربية، على رأسه الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على صحرائه ، وهو المسار الذي سارت فيه كل من اسبانيا وألمانيا.

وذكر صامويل ميلنر، الباحث في مركز “جورج ميسون للقانون في الشرق الأوسط والقانون الدولي”، أن 16 دولة من الاتحاد الأوروبي عبرت عن دعمها للمخطط المغربي للحكم الذاتي، معتبرا أن الأمر يتعلق بـ“إعادة تموقع هام” للسياسة الخارجية الأوروبية”.

ويضيف ميلنر “هذه الدينامية التي تنصف المشروعية التاريخية لحقوق المغرب على أقاليمه الجنوبية، تعكس تنامي الوعي داخل المجتمع الدولي بضرورة تسوية قضية الصحراء في إطار سيادة المملكة”.

ونجحت الدبلوماسية المغربية بكسب قرار حوالي 30 دولة عربية وأفريقية ومن أميركا اللاتينية وآسيا لفتح تمثيليات دبلوماسية لها في مدينتي العيون والداخلة جنوب المملكة، بوصفه اعترافا بمستوى التنمية الذي عرفته الأقاليم الجنوبية بفضل سياسة بعيدة النظر مكنت من جعل الصحراء المغربية قطبا للتنمية بالنسبة للواجهة الأطلسية الشاسعة لأفريقيا.

ويؤكد وزير الشؤون الخارجية البيروفي الأسبق، ميغيل أنخيل رودريغيز ماكاي، أن “المغرب جعل من قضية الصحراء الرهان المركزي لدبلوماسيته، لكي تكون لخطوته، أي الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية، الصدى الذي تحظى به اليوم”.

ورغم العداء الذي تكنه الجزائر للمغرب لم يكف الملك محمد السادس في كل المناسبات والخطب الرسمية عن مد يده للجارة من أجل التعاون وبناء مغرب كبير وقوي.

ويقول لزرق إن “الملك محمد السادس استمر طيلة حكمه على نهجه الدبلوماسي الرصين مع الجار الجزائري، وتركيزه على تطوير الاتحاد المغاربي كلبنة أساسية للتعامل مع المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي تعاني منها المنطقة”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: