العاهل المغربي يبرز الاستراتيجيات الطموحة لتعزيز الأمن المائي
أكد العاهل المغربي الملك محمد السادس أن المملكة شهدت إنجازات هامة في مجال إدارة الموارد المائية رغم التحديات الكبيرة التي تواجه البلاد، داعيا إلى مزيد من “الجهد واليقظة، وإبداع الحلول” لمواجهة إشكالية المياه، بسبب توالي سنوات الجفاف، وتأثيرات التغيرات المناخية، وشدد على ضرورة وقف الحرب الإسرائيلية على غزة، مع فتح أفق سياسي، ما يسمح بإقرار سلام عادل ودائم في المنطقة، وذلك في خطاب بمناسبة عيد العرش الذي يصادف الذكرى الخامسة والعشرين لتنصيبه، إثر إصداره عفوا عن عدد من الصحافيين والنشطاء الذين تمت متابعتهم في وقت سابق بتهم الحق العام.
وقال الملك محمد السادس، في خطاب متلفز مساء الاثنين، إن توالي ست سنوات من الجفاف، أثر بشكل عميق على الاحتياطات المائية، والمياه الباطنية، وجعل الوضعية المائية أكثر هشاشة وتعقيدا، ودعا السلطات لاتخاذ إجراءات “استعجالية ومبتكرة”، لتجنب الخصاص في الماء.
ودعا إلى سرعة تنفيذ آليات السياسة الوطنية للماء، وتحديد هدف استراتيجي “في كل الظروف، والأحوال”، لضمان وصول الماء لجميع المواطنين، وتوفير 80 بالمئة على الأقل، من احتياجات الري، على مستوى المغرب.
وشدد على ضرورة تسريع إنجاز المشاريع الكبرى لنقل المياه بين الأحواض المائية، بهدف الاستفادة من مليار متر مكعب من المياه، التي كانت تضيع في البحر.
وحث الحكومة على تسريع إنجاز محطات تحلية مياه البحر، بحسب البرنامج المحدد لها، والذي يستهدف تعبئة أكثر من 1.7 مليار متر مكعب سنوياً، بما يمكن المغرب، بحلول 2030، من تغطية أكثر من نصف حاجياته من الماء الصالح للشرب من هذه المحطات، إضافة إلى ري مساحات كبرى، بما يسهم في تعزيز الأمن الغذائي.
ومن بين أبرز المشاريع المجدولة لتحلية مياه البحر، محطة الدار البيضاء التي ينتظر أن تكون أكبر مشروع من نوعه بأفريقيا، والثانية في العالم التي تعمل بالطاقة النظيفة 100 بالمئة، إذ اعتبر العاهل المغربي أن التحدي الأكبر، هو إنجاز المحطات، ومشاريع الطاقات المتجددة المرتبطة بها، في التوقيتات المحددة، دون أي تأخير.
ولأن إنتاج الماء من محطات التحلية، يستوجب تزويدها بالطاقة النظيفة، أكد الملك محمد السادس أنه يتعين التعجيل، بإنجاز مشروع الربط الكهربائي، لنقل الطاقة المتجددة، من الأقاليم الجنوبية إلى الوسط والشمال، في أقرب وقت.
ودعا العاهل المغربي، السلطات إلى مزيد من الحزم في حماية الملك العام المائي، وتفعيل شرطة الماء، والحد من ظاهرة الاستغلال المفرط والضخ العشوائي للمياه، كما دعا للمزيد من التنسيق، وتعميم الري بالتنقيط، فضلاً عن اعتماد برنامج أكثر طموحاً، في مجال معالجة المياه، وإعادة استعمالها، كمصدر مهم لتغطية احتياجات الري، والصناعة، وغيرها.
في خطاب العرش قال الملك محمد السادس، إن الاهتمام بالأوضاع الداخلية لبلادنا، “لا ينسينا المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني الشقيق”، مذكراً أنه بصفته رئيسا للجنة القدس، فقد “عملنا على فتح طريق غير مسبوق، لإيصال المساعدات الغذائية، والطبية، لإخواننا في غزة”.
وأكد دعم المملكة لـ”المبادرات البناءة”، التي تهدف لإيجاد حلول عملية، لتحقيق وقف ملموس ودائم لإطلاق النار، ومعالجة الوضع الإنساني.
وقال إن تفاقم الأوضاع بالمنطقة “يتطلب الخروج من منطق تدبير الأزمة، إلى منطق العمل على إيجاد حل نهائي لهذا النزاع”، مضيفاً أنه إذا كان التوصل إلى وقف الحرب في غزة، أولوية عاجلة، فإنه “يجب أن يتم بالتزامن مع فتح أفق سياسي، لضمان إقرار سلام عادل ودائم في المنطقة”.
واعتبر أن اعتماد المفاوضات لإحياء عملية السلام، بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي “يتطلب قطع الطريق على المتطرفين، من أي جهة كانوا”، مشدداً على أن إرساء الأمن والاستقرار بالمنطقة “لن يكتمل إلا في إطار حل الدولتين، وتكون فيه غزة جزءا لا يتجزأ من أراضي الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية”.
وكما جرت العادة في مثل هذه المناسبة أصدر الملك محمد السادس، عفوا عن 2476 شخصا منهم معتقلون وآخرون في حالة سراح، محكوم عليهم من طرف مختلف محاكم المملكة.
وضمت لائحة المستفيدين من العفو الملكي كل من عمر راضي وسليمان الريسوني وتوفيق بوعشرين، وهم ثلاثة صحافيين، فضلا عن المدونين رضا الطاوجني ويوسف الحيرش.
كما استفاد من العفو الملكي نشطاء مدانون في حالة سراح، ويتعلق الأمر بكل من عماد استيتو وعفاف براني والمعطي منجب، إلى جانب هشام منصوري وعبدالصمد آيت عيشة، وفق وسائل إعلام مغربية.
ويمنح الدستور المغربي الملك حق العفو أو تخفيف الأحكام، وهو قرار يتخذ عادة في الأعياد الوطنية والدينية.
وحُكم على رئيس التحرير توفيق بوعشرين بالسجن لمدة 12 عاما في عام 2018، فيما حُكم على عمر الراضي وسليمان الريسوني في 2021 بالسجن لمدة ست سنوات وخمس سنوات على الترتيب.
وذكرت وزارة العدل المغربية أن الملك محمد السادس أصدر عفوا أيضا عن 16 سجينا أدينوا في قضايا التطرف والإرهاب “بعد مراجعة مواقفهم”. وبلغ عدد المشمولين بالعفو ما مجموعه 2476 شخصا، وفق بيان وزارة العدل.
وقال مدير الشؤون الجنائية والعفو ورصد الجريمة في وزارة العدل هشام الملاطي في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية إن “العفو الملكي يتميز بطابعه الإنساني، وقوبل بامتنان عميق من جانب أسر الذين تم العفو عنهم”.
وعبر حقوقيون وإعلاميون وأكاديميون عن سعادتهم بهذه الخطوة، في منشورات على منصات التواصل الاجتماعي.
وقال الأكاديمي سلمان بونعمان، في منشور بمنصة فيسبوك “عيد وطني كبير بطعم الحرية والبهجة، عفو ملكي يرتقي بالوطن إلى المستقبل”.
ونقل موقع “هيسبريس” المحلي عن مسؤول قضائي قوله إن “العفو الملكي ترجمة لإرادة ملكية سامية، تتمثل في العطف الذي يكرس مبادئ الصفح والتسامح”.
وأكد المسؤول، الذي طلب عدم ذكر هويته، أن “العفو يخضع لمساطر قانونية دقيقة تحفظ حقوق الضحايا، كما يستند إلى قواعد معيارية محددة من قبيل وحدة وتطابق خانات المستفيدين”.
وأضاف “المستفيدون من العفو كلهم محكوم عليهم في قضايا الحق العام، ومن بينهم صحافيون ومدونون ارتكبوا جرائم تمس بالأشخاص والهيئات، ومن بينهم كذلك معتقلون مصنفون في نطاق خاص، وهم الذين استفادوا من برنامج ‘مصالحة’ لمواجهة الخطاب المتشدد داخل السجون”.
وشدد المسؤول القضائي، أيضا، على أن “العفو لا يمكن أن يشمل إلا من توافرت فيه شروط معينة، وبالتالي لا يمكن أن يطال كل السجناء”.