القنب الهندي يفتح آفاقا جديدة للمزارعين في المغرب

تتزايد ترجيحات أن تتحول زراعة القنب الهندي في المغرب إلى مجال مربح يدر الإيرادات على المنتجين الذين يسعون إلى اغتنام فرصة تقنينها، واهتمام السلطات بتحويل المجال إلى فرصة جذابة لكافة المتداخلين، بما يخدم أهداف التنمية وخاصة في الأرياف.

أصبح المزارع المغربي عبدالسلام إيشو يمارس زراعة القنب الهندي “في وضح النهار” للعام الثاني على التوالي بعد العيش لعقود في أجواء من “الخوف والسرية”، مستفيدا من التشريع التدريجي لهذه الزراعة لأغراض طبية وصناعية.

وظلت هذه النبتة تزرع بشكل غير قانوني في جبال الريف بشمال البلاد رغم منعها منذ عام 1954، ليستخرج منها مخدر الحشيشة الذي يهرّب خصوصا نحو أوروبا، إذ يعد المغرب من أكبر منتجيها في العالم.

لكن مزارعي القرى الفقيرة باتوا قادرين على ممارسة هذه الزراعة بشكل قانوني في ثلاثة من أقاليم جهة الريف، بعدما أقرت الحكومة في العام 2021 قانونا ينظم الاستخدامات الطبية والصناعية للقنب الهندي.

 

محمد الكروج: تنظيم هذا المجال يتيح بناء اقتصاد قادر على الصمود

ويدخل القنب الهندي المقنن ضمن الأنشطة المهمة لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمساهمة في تعزيز الاستثمار والاستفادة من المنتجات المستحضرة منه، بما يعود بالنفع على المزارعين في المناطق المعنية.

ويقول إيشو، الذي يعيش في قرية المنصورة بإقليم شفشاون على بعد 300 كيلومتر شمال الرباط، لوكالة فرانس برس “لم أكن أتخيل يوما أننا سنزرع الكيف (القنب الهندي) من دون خوف ولا قلق من الاعتقال، أو التعرض للسرقة أو عدم التمكن من بيع المحصول”.

ويهدف هذا الاتجاه إلى مكافحة الاتجار بالمخدرات وحجز موقع في السوق الدولية للاستعمالات الصناعية للقنب الهندي، فضلا عن إنماء منطقة الريف حيث تعيش 80 إلى 120 ألف أسرة على عائدات زراعته غير القانونية بحسب التقديرات الرسمية.

وفي العام الماضي بلغ مجمل المحصول القانوني 296 طنا، وفق الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي. ويختلف عن المحاصيل التي تحول إلى حشيشة، باحتوائه نسبة منخفضة جدا من المادة المخدرة (تي.أتش.سي).

وترى الحكومة أن تطوير الزراعات المشروعة للقنب الهندي كفيل بتحسين دخل المزارعين وحمايتهم من شبكات التهريب الدولي للمخدرات وجلب الاستثمارات العالمية، بهدف الاستفادة من مداخيل السوق الدولية لهذه النبتة.

ولدى المسؤولين قناعة بإمكانية تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمناطق المعنية بهذه النبتة، مع الاستفادة من ارتفاع معاملات تقنين القنب طبيا وصناعيا في الخارج. وزادت السلطات مساحات الأراضي المسموح فيها بزراعة القنب الهندي هذا العام عمّا كانت عليه في 2023، الأمر الذي أسهم في زيادة المكاسب.

وقبل إقرار القانون كان نشاط هؤلاء المزارعين أشبه بـ”العيش في غابة وفوضى، أما اليوم فصرنا نعمل بحرية وكرامة”، كما يقول إيشو (48 عاما) مستعرضا بفخر حقل القنب الهندي الأخضر.

وأكد أنه استطاع في العام الماضي جني “محصول قياسي من حوالي ثمانية أطنان في حقل مساحته هكتار واحد”. وقد باع هذا المحصول لشركة مغربية، تستعمله في إنتاج مكملات غذائية، في مقابل 80 درهما للكيلوغرام (حوالي 8 دولارات).

وعند دخول القانون حيز التنفيذ في عام 2023 كان إيشو المزارع الوحيد في قريته الذي انخرط في المشروع، بينما صار عدد المزارعين الآن نحو 70 مزارعا. وينطبق هذا الأمر إجمالا على قرى الأقاليم الثلاثة المرخص فيها بزراعة القنب الهندي وهي الحسيمة وشفشاون وتاونات شمال البلاد، حيث ارتفع عدد المزارعين المنخرطين في الزراعة القانونية من 430 إلى ثلاثة آلاف، وفق الوكالة المختصة.

 

القنب الهندي المقنن يدخل ضمن الأنشطة المهمة لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمساهمة في تعزيز الاستثمار والاستفادة من المنتجات المستحضرة منه

ومن بين هؤلاء التحق المزارع سعيد الكدار (47 عاما) بتعاونية تضم نحو عشرة مزارعين، رغم “الكثير من المخاوف والتساؤلات في البداية”. لكنها، حسب قوله، “تبددت شيئا فشيئا لأن التقنين في نهاية المطاف هو الطريق الصحيح الذي يجب اتباعه”.

وكذلك زادت المساحة المزروعة قانونيّا عشر مرات، لتنتقل من 286 هكتار في عام 2023 إلى 2700 هكتار هذا العام. لكنها تبقى بعيدة كثيرا عن مساحة 55 ألف هكتار كانت تغطيها الزراعة غير القانونية للقنب الهندي عام 2019.

ويضيف سعيد “لدي الكثير من الأمل”، مؤكدا أن حياته الجديدة “لا يمكن إلا أن تكون أفضل من العيش في حالة من عدم الاستقرار والسرية”. وكان يحضر بذور قنب هندي مستوردة من الخارج لتنمو تحت غطاء بلاستيكي، في انتظار حصادها في أكتوبر المقبل.

ويقول إيشو إنه سيتم حصاد محاصيل من بذرة القنب الهندي المحلية المعروفة باسم “البلدية”، للمرة الأولى بشكل قانوني في أغسطس المقبل، في حين أن محاصيل العام الماضي اقتصرت على البذور المستوردة.ويوضح قائلا “القنب الهندي موجود في كل مكان لكن البذرة البلدية ميزة بالنسبة إلينا علينا تثمينها إلى أقصى حد”.

ولتحقيق ذلك استطاع إقناع 58 مزارعا بتشكيل تعاونية متخصصة في زراعة القنب الهندي محلي الأصل. وذكرت وكالة تقنين أنشطة القنب الهندي في أبريل الماضي أنها منحت 2905 تراخيص زراعية، من أصل 2942 طلبا تمت دراسته سنة 2024، مقابل 609 تراخيص سنة 2023. وبموازاة ذلك أصدرت الوكالة المختصة أكثر من 200 ترخيص لشركات تعمل في تصنيع منتجات القنب الهندي، أو في تصديرها أو استيراد بذور النبتة. وفي بلدة باب برد قرب شفشاون استغل عزيز مخلوف هذه الفرص ليفتتح مصنعا يوظف 24 عاملا، ينتج مواد مختلفة من القنب الهندي، تشمل الزيوت ومستحضرات التجميل ودقيقا ومكملات غذائية.

ويعرب مخلوف عن تفاؤله قائلا “يمكن استخلاص عدة أشياء من القنب الهندي، إنه قطاع جذاب”. لكن السلطات تدرك أن تنظيم هذا المجال يتيح “بناء اقتصاد موثوق قادر على الصمود، بشكل تدريجي”، كما يوضح مدير الوكالة المختصة بالتقنين محمد الكروج لوكالة فرانس برس. ويشدد على أن “الهدف الأول هو تحسين مستوى عيش المزارعين”.

ووفق دراسات رسمية يمكنهم أن يحققوا ما يعادل 12 في المئة من إيرادات القطاع المنظم، في مقابل “4 في المئة فقط من السوق غير القانونية”، التي يسيطر عليها المهربون، وفق الكروج الذي أكد أن الأهم هو تمكين المزارعين “من الخروج من الظل إلى النور”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: