الملك محمد السادس…” المحامي الدائم ” لمغاربة العالم منذ ربع قرن..

عبد الله بوصوف

لقد كان لمغاربة العالــم موعدا مع حسنات العهــد الجديــد،  حيث شكــل الحديث عنهم و عن مشاكلهـم  و عـن استراتيجيات تدبيــر ملف الهجرة و المهاجرين حيــزا مهما في كل الخطب والرسائل الملكيــة باعتبارهم مواطنين كاملي المواطنة أولا و أخيرا….

وقد ظهر الاهتمام الخاص لـجلالة الملك محمد السادس بمغاربة العالــم منذ أول خطاب للعــرش في 30 يوليوز 1999….
” ومن الأمور التي سنوجه لها اهتمامنا الخاص قضايا جاليتنا القاطنة بالخارج والتفكير الجدي في تذليل الصعاب التي تعترض طريقها والعمل على حل مشاكلها وتمتين عرى انتمائها للوطن الأم…”

و سيستمر الاهتمام بملفات الجالية و بمشاكلها و بالثناء عليها و على ما تقوم به لصالح الوطن ومساهمتهم في التنمية الاجتماعية…في كل المناسبات و الخطب و الرسائل الـملكية، لنصل الى محطة خطاب ذكرى المسيرة الخضراء 6 نوفمبر 2005..
و هي المحطة ( خطاب نوفمبر 2005 ) التي يُـمكن اعتبارهـا ” سرعـة جـديــدة ” في ملف الجالية المغربية و ذلك من خلال إقــرار  ( 4 ) أربــعة قــرارات مهمة و استراتيجية ستقلب معدلات الجالية وستُـعتبر ” ثــورة جديــدة ” في طريقـة الاشتغــال على ملفــات ساخـنة للمهاجرين ، و اعـترافــا بالــدور الــفعال للجاليــة المغربية المقيمة بالخارج  ، و كما قال جلالة الملك محمد السادس :
” باعتبارها في طليعة الفعاليات  التي تساهم بكل صدق و اخلاص في تنمية  بلادنا و الدفاع عن وحدتها الترابية و اشعاعها الخارجي في ارتباط وثيق  بهويتها المغربية الاصيلة…”
ومن جهة أخـرى ، فان هـذا الخطاب أكــد على مُعْطى مهم يتعلق  بالإنصات الى نبض الجالية و من تــم  التجاوب العميق و الإيجابي لتطلعاتها المشروعة  في اطـار ” المواطنة الكاملة ” و ما يرتبط بها من حقوق و مشاركة في تــدبير الـشأن العــام..

لـقد تــرك هـذا الخطاب أثـرا عظيما في نفـوس الجاليةو جعلهـم  يشعرون  بحق انهم مـواطنون كاملي المواطنة..
اما خطاب المسيرة لسنة 2006 و قبل حديثه عن المجلس الأعلى للجالية المغربية بالخارج ،  فـقـد أعـاد التأكيـد على النهج الديمقراطي التشاركي من خلال حق المشاركة السياسية للجالية كناخبين و منتخبين في العمليات الانتخابية بارض الوطن هو ما جاء به خطاب المسيرة لسنة 2005 أي القرارات الأربعـة…

و بعد أن كـلف خطاب المسيرة لسنة 2005 الحكومة في اتخاد التدابير اللازمة لتفعيل القرارات الثلاثـة ، فـإن خطــاب المسيرة لسنة 2006 كــلف بدوره المجلس الاستشاري لحقوق الانسان  باعتباره مؤسسة وطنية مستقلة و متعـددة و التي من بين مهامها الدفاع عن قضايا  المغاربة بالخارج – كلفـه – بإجــراء مشاورات واسعة مع كل المعنيين من قنصليات سفارات و جمعيات مجتمع مدني بالخارج و كل الفاعلين بالخارج  و ذلك من اجل ابداء رأي استشاري بخصوص احداث المجلس الجديد بكيفية تجمع بين الكفاءة و التمثيلية و المصداقية و النجاعة….على ان يتولى جلالة الملك محمد السادس تنصيب هــذا المجلس خلال سنة 2007….

و بالفعل ففي 21 دجنبر من سنة 2007 نصب جلالته المجلس الجديد بظهير ملكي شريف رقم 1.07.08 ، تحت اسم مجلس الجالية المغربية بالخارج ، كمؤسسة استشاريةو استشرافية….

و بهذا اكـتمل العقــد فيما يخص أدوات و آليــات الاشتغال في موضوع الهجرة و قضايا المهاجرين المغاربة ،  بحيث الى جانب الوزارة كهيئة تنفيذيـة و مؤسسة الحسن الثاني كهيئة اجتماعية ، جـاء مجلس الجالية كهيئة استشارية و استشرافية ، لتكتمل بذلك هندسة الدولة في مجال الاشتغال على ملف الهجرة..….

سيـاسة الانصات و الاستجابة الإيجابية لتطلعات المواطنين ستُـدخل المغرب في مشاورات تعديـل الـوثيقة الدستورية لسنة 1996 ، لأنــها لم تعــد قادرة على استيعاب طموحات المغرب و المغاربة و المشاريع و الاوراش الكبرى المغربية و في مقدمتها المسلسل الديمقراطي و قــاطرة التنمية و الجهوية المتقدمــة…وهو ما تــم التوافق عليه حول دستور يوليــوز 2011 وهو الدستور الذي حمل معه العديــد من الحسنات الجديــدة و في مقدمتها  دسترة المشاركة السياسية في الفصل 17 و المشاركة في مؤسسات الحكامة و الهيئات الاستشارية في الفصل 18 و مجالات الديمقراطية التشاركية فيما يخص جمعيات المجتمع المدني للجمعيات المغربية بالمهجر في الفصول 13 و 14 و 15 ، كما تمت دسترة التزام الدولة بالدفاع عن المهاجرين في دول المهجر  في الفصل 16 ، بالإضافة الى دسترة مجلس الجالية المغربية  المقيمة بالخارج في الـفصل 163….

وهــذه كلهــا مكتسبات دستورية عززت مكانة الجالية المغربية بالخارج ، و عـززت مؤسساته  الاستشارية …مما تفاعل معه الفاعلين بالمهجر بكل الاستحسان و الكثير من الاستقبال..
ان التسلسل و التدرج السلس للخطب الملكية في التعامل مع قضايا مغاربة العالــم ، يدل على أن إطلاق البرامج او خلق المؤسسات التنفيذية او الاستشارية ، ليس بالحدث الارتجالي او للاستهلاك الإعلامي فقــط ، بـل هــو نسق و توجه مبني على تصور واضح و استشراف قــوي…

لـكــن قــراءة العناية الملكية للجالية من خلال استقراء الخطب الملكية الموجهة لمغاربة العالــم ، لا تكتمل  بدون الحديث عن خطاب العــرش في يونيــو 2015 ، لأنه مثــل بالفعل زلــزالا للديبلوماسية المغربية و للإدارة المغربية بالخارج…
و قــد جاء مضمون هــذا الخطاب الــقوي جوابـا على كل الانتقادات التي وجهها الفاعلون و مغاربة العالــم بصفة عامة على تردي الخدمات المقدمة بالقنصليات و السفارات  المغربية بالخارج و على ســوء الاستقبال و سوء المعاملة او احترام الآجال و العراقيل…

ومن جهة أخرى ، فقــد  تعمد الخطاب الإفصاح عن مصدر كل تلك الانتقادات والتي تلـقاها جلالة الملك محمد السادس مباشرة من افراد الجالية المغربية في لقاءاته المباشرة في جولاتـه بالخارج ، حيث وقـف  جلالـته على انشغالاتهم الحقيقية و تطلعاتهم المشروعة….
و من  جهة  أخرى ، فــان مغاربة العالــم وقضاياهــم و انشغالاتهم  و طموحاتهم و مشاكلهم ..كانت حاضرة دائما وبقــوة في كل المحطات التاريخية ، و حاضرة في كل الخطب التاريخية و المحطات و الاحداث الدولـية …
و هــنا نسـوق خطاب 20 غشت لـسنة 2016 و ما عرفته تلك السنة من أحداث إرهابية جبانـة باسم الديــن الاسلامي و باسم الجهــاد ، و التي كانت ساحتهـا هي بعض الدول الأوروبية حيث يُـقيــم الــقسم الأكبر من مغاربة العــالــم ، حيث اطلق أميــر المؤمنين  الملك محمد السادس عبــارة  ” كلنا مستهدفـــون ” ؛ و دعــى مغاربة العالـــم  الى  التشبث بالــدين الإسلامي الوسطي والحفاظ على السمعة الطيبة للمغرب وللمسلمين والـــدفاع عن السلــم والعيش المشترك داخل مجتمعات الإقامــة، ولهـــم في نموذج التعايش بين الحضارات في الأندلس واحدة من النقــاط المنيرة في التاريخ الإسلامي…

لقد شكل جلالة الملك محمد السادس  بحق المحامي القوي لمغاربة العالم طيلة ربع قرن في أكثر من ملف شائك.. كالفصل في جنسيات اطفال المغربيات في الزواج المختلط و تحريك ملفات و مساطر قضائية  لحماية عقارات مغاربة العالم…او دفاعه عن سمعة مغاربة العالم و اعتدال تدينهم في خطابه الشهير بعد محاولة اليمين المتطرف الاوروبي في ربط كل العمليات الإرهابية بمغاربة العالم… فكان رده جامعا و مانعا ضد كل اتهامات الكراهية و العنصرية الموجهة ضد مغاربة العالم و ضد طريقة تدينهم…
و حتى تُصان كرامة القاصرين المغاربة الغير المرافقين بأوروبا..و منع عمليات المضاربة بمستقبلهم او سقوطهم في يد عصابات الإرهاب و تجارة السلاح و الأعضاء.. فقد أمر جلالة الملك في بداية شهر يونيو من سنة 2021 الحكومة المغربية باتخاد كل التدابير من اجل استقبال كل القاصرين المغاربة الغير المرافقين بأوروبا..وهو إجراء لقي استحسان قوي من طرف منظمات و هيئات حقوقية  دولية لحقوق الإنسان وحقوق الطفل..

و لم يكن مفاجئًا إصدار ” الأمر الملكي ‘ يوم الأحد 13 يونيو الى السلطات المعنية و كافة المتدخلين في مجال النقل سواء الجوي او البحري لتسهيل عودة الجالية الى المغرب و بأثمنة مناسبة.. كما تم اشراك الجالية في لجنة النموذج التنموي الجديد سنة 2021…لأن المعروف عن جلالته قوة إنصاته لنداءات الجالية و لقِوَاهَا الحية..

و من جهة أخرى ، فإن خطاب الثورة في 20 غشت لسنة 2022 ، شكل إعلانًا عن حالة مكاشفة قوية دعت الى إعادة قراءة علاقة جميع مؤسسات الهجرة بالمغرب سواء التنفيذية أو الاستشارية…مع قضايا مغاربة العالم ، كما طالب الخطاب الملكي بتقديم ” كشف حساب ” لتلك المنجزات و ماذا يجب فعله من أجل جالية وصفها ب ” العزيزة ” و أنزلها ” مرتبة خاصة “…
هـذا بعدما خصص ذات الخطاب إشادة خاصة بدور الجالية أولًا…في مجال الدفاع عن القضايا الوطنية و في مقدمتها الصحراء المغربية انطلاقا من بلدان الاستقبال…و في في مجال التحويلات المالية و حملات الدعم الاجتماعي خاصة في زمن كورونا سنة 2020 ، أو زلزال منطقة الحوز سنة 2023 ثانيًا..

الأكيد أن خطاب ثورة الملك و الشعب لسة 2022 سيكون لـه ما بعده ، و المؤكد أنه سيُؤسس لمرحلة جديدة في ما يتعلق بقضايا ومؤسسات الهجرة سواءً من خلال الإطار التشريعي لتلك المؤسسات أو من خلال نموذج الحكامة و سؤال السياسات العمومية المتعلقة بقضايا مغاربة العالم…
و ذلك في أُفُـق الإجابــة على انتظارات مغاربة العالم فيما يخص عراقيل المساطر الإدارية أو مآلات ملفات الاستثمار وكذا التاطير الديني و التربوي و وشائج الهوية المغربية…و كذا احتضان الكفاءات والموهوبين المغاربة بالخارج و مواكبة الشباب حامل المشاريع و المبادرات…

ان الخطب الملكية المتعلقة بمغاربة العالم شكلت طيلة ربع قرن لحظات تاريخية الـتحم فيها العرش المغربي بمغاربة العالم من خلال الإشــادة بــدورهم الفعال في التنمية و السلم المجتمعي و التطور المجتمعي و الديمقراطي المغربي ، و بــادلته الجالية بكل مشاعر الحب و الوفاء و الولاء  في كل محطات رحلاتـه و ترحالـه ، في مشاهــد تـشقعـر لـها الابــدان و صور تُخلـد الالتحام الروحي بين الملك محمد السادس و مغاربة العالــم ..
لــذلك فــلا غرابــة من هذا العطف الخاص و الاهتمام الاستثنائي لجلالة الملك لفائــدة مغاربة العــالـم …
و عليه ، فان نشر خطاب ملكي واحد  فقـط  حول الجالية أو خص  مغاربة العالم  في إحدى فقراته ، يعــدو غير مجدي و غــير كاف لأننا نــرى  أن مناقشـة  و تناول الخطابات الملكية لقضايــا مغاربة العالــم هــي نـسق كامل  ومتكامـل و هــو تصور مبني على بــرامج استراتيجية و رؤى استشرافية واضحـة …
ومن هنا فان قــراءة الخطابات الملكية في علاقتها مع مغاربة العالم طيلة ربع قرن يجب أن تُــقرأ في شكل ” كــرونولوجي ” و تطــور تاريخي يضم مجموعة من الخطب قــد تمتد لعشرات السنوات بــدون ان نُـحس ان هنــاك فــرقا أو تناقضا ،  بــل هــو تـكامل و انسجام و تمـاهي..طيلة ربع قرن من خدمة جلالة الملك محمد السادس و أمير المؤمنين لقضايا رعاه بالخارج..…

 

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: