و نحن نحتفل بمرور ربع قرن من حكم الملك محمد السادس في خدمة المغرب و المغاربة بكل شغف و تفان و عزيمة….لا بد من تسجيل جرأة و شجاعة ملكٍ واضب على تقديم تشريحا عميقا لكل أعطاب السياسات العمومية مع إقتراح للحلول و اختار لغة المكاشفة في التواصل مع باقي أفراد العائلةالمغربية…و طالب من جهة أخرى المؤسسات و الأحزاب و النخب بقول الحقيقة ولو كانت مُرة…و الابتعاد عن النقد من أجل النقد…
فحكاية ربع قرن لا يجب سردها فقط في جانب الإنجازات الكثيرة و المتعددة الأبعاد سواء تلك المتعلقة بالرأسمال اللامادي و كل ما يرتبط به من اهتمام بالتراث الحضاري و الرصيد التاريخي و الرأسمال البشري…كالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية و بطاقة الفنان و الصحافي و المؤسسة الوطنية للمتاحف و كل مقومات ” تمغرابيت ” في إطار الهوية المغربية الموحدة….
أو تلك المتعلقة بالانتصارات الديبلوماسية و الصحراء المغربية و صورة المغرب لجذب السياح و الاستثمارات الأجنبية…
بل يجب علينا التوقف لزمن كاف لدراسة و تفكيك ” كلمة السر ” لكل هذا المسار الطويل و الناجح ، و لكل هذا الإصرار و التحدي أمام العقبات و الأزمات. ..و نعني بها هنا ” التلاحم بين العرش و الشعب ” …وهو ما تطرق إليه عاهل البلاد في أكثر من خطاب سامي بقوله مثلا في خطاب العرش لسنة 2022 ” إن تاريخ المغرب حافل بالدروس و الإنجازات التي تؤكد اننا نتجاوز دائمآ الأزمات بفضل التلاحم الدائم بين العرش والشعب و بفضل تضحيات المغاربة الأحرار…”
فتلاحم العرش و الشعب جاء بالاستقلال في عهد المغفور له السلطان محمد الخامس ، و كان من ثمرات هذا التلاحم في عهد المغفور له الملك الحسن الثاني هو تنظيم المسيرة الخضراء و إسترجاع الأقاليم الصحراوية..
و يكفي الجرد السريع لبعض المحطات التاريخية المفصلية و التي خرج منها المغرب منتصرا و قويا في عهد الملك محمد السادس بفضل ” حسنة ” التلاحم التاريخي و التلقائي بين العرش والشعب نذكر منها مثلا أحداث الدار البيضاء الارهابية سنة 2003.. إذ عِوض البكاء على اللبن المسكوب..فقد عكف ملك البلاد و معه الشعب على تدبير تلك المرحلة الدقيقة و ما بعدها باعادة تنظيم أولاً ، الشأن الديني و إخراج ” ميثاق العلماء سنة 2008 وخطة دعم التأطير الديني المحلي و خلق مؤسسات دينية جديدة سواء داخل المغرب أو خارجه لفائدة مغاربة العالــم. ..
ثم القيام ثانيا ، بإصدار قوانين الإرهاب و تعزيز الترسانة القانونية…
أضف إلى هذا ، نشر تقرير الخمسينية سنة 2005 و إطلاق المبادرة الوطنية للتمنية البشرية و مسلسل العدالة الإنتقالية و المراجعات…و تعديلات في مدونة الأسرة…وفي شهر أبريل من سنة 2007 تقديم مبادرة الحكم الذاتي للأقاليـــم الصحراوية المغربية…
ثم نعرج على محطة الربيع العربي سنة 2011 و ما عرفه العالم العربي من انقلابات و اضطرابات قوية..و من جديد سيطرح الملك محمد السادس…تصورا جديدا و حلول جدية..تُوجت بالمصادقة و بالإجماع الشعبي على دستور 2011..الذي مثل تطورا كبيرا للورش الديمقراطي و صفحة جديدة في مجالات حقوق الإنسان و الحكامةالجيدة …و ما أعقب تطورات تلك الفترة من ثورات هادئة في مجال الحماية الاجتماعية منذ سنة 2014 و إصدار قوانين التغطية الصحية و الاجتماعية و برامج الاستثمارات في الأقاليم الصحراويةالمغربية…
كما ستعرف ذات المرحلة دعوة ملك البلاد الى نقد النموذج التنموي الذي استنفد شروط وجوده…وخلق لذلك لجنة للنموذج التنموي الجديد…في إطار مقاربة تشاركية..
و سيعرف العالم سنة 2020 الكوفيد بكل مآسيه و تداعياته الصحية و الاجتماعية…وقتئد بادر الملك محمد الى خلق صندوق خاص لكورونا من أجل تقديم اعانات و مساعدات للأسر المعوزة و توفير الكمامات الطبية بالمجان مع تخصيص عائد مالي لتلك الأسرة الهشة..
لقد أظهر زمن الكوفيد أعطاب قطاع الصحة و القطاع الغير المهيكل، فكان الجواب هو تسريع تنزيل المشروع الملكي الخاص بالتغطية الاجتماعية و الصحية…
و في غشت 2023 ستعرف منطق الحوز ..أكبر زلزال مدمر في المنطقة إذ خلف قتلى و جرحى و مفقودين يقدرون بالآلاف….وهنا أيضا انتصر ذات التلاحم الدائم بين العرش والشعب ، فاعلن الملك عن تأسيس صندوق خاص لمواجهة تداعيات الزلزال..و قدم المغرب حينها دروسا في التطوع الشعبي التلقائي و أظهر نجاعة المؤسسات المغربية و السلطات و في مقدمتها القوات المسلحة الملكية في مجالات الإغاثة و الإنقاذ و الإيواء…
لقد أثبتت التجارب التاريخية أن المغرب يخرج عادة من كل أزماته أكثر قوة و أكثر تنظيما بفضل التلاحم الدائم بين العرش والشعب…بل ان تلك الأزمات تنقلب عادة الى حافز قوي للإسراع بالتنزيل أو التعديل أو الإصلاح
..وما يؤكد كل هذا ، هو أنه بعد أزمات الربيع العربي و الكوفيد و الزلزال و قبلهم الضربات الارهابية بمدينة الدار البيضاء…كان المغرب يرفع من وتيرة عمله من أجل تقديم إجابات اجتماعية و صحية و ثقافية و اقتصادية و حقوقية.. لكل انتظارات المرحلة ومنها الدولة الاجتماعية..
و هكذا نجد في مقدمة تلك الإجابات…السجل الاجتماعي و التعويض عن فقدان العمل و دعم الحوار الاجتماعي و التغطية الصحية الاجبارية و إعادة مراجعة مدونة الأسرة بعد عشرين سنة من التطبيق و مشروع الجهوية و التنمية المجالية و النموذج التنموي الجديد…
أكثر من هذا، ففي شهر يونيو من سنة 2024 سيقود ملك البلاد محمد السادس نصره الله ثورة هادئة جديدة تعزز أركان الدولة الاجتماعية في مجالات الصحة بإدراج مؤسسات صحية في لائحة المؤسسات الوطنية الاستراتيجية وهي …الهيئة العليا للصحة والمجموعات الصحية الترابية و الوكالة المغربية للأدوية والمنتجات الصحية والوكالة المغربية للدم ومشتقاته…
فالتلاحم التاريخي بين العرش والشعب كان و لايزال هو كلمة السر في وجه كل التحديات و الأزمات..لذلك فقد واضب ” كبير العائلة ” على الإشادة به و التذكير به، كعقد اجتماعي و عُروى وثقى تنظمها البيعة الشرعية في إطار إمارة المؤمنين…
و هكذا اعتبره خطاب العرش لسنة 2021 سلاحا قويا بقوله…” لأننا نؤمن بأن الدولة تكون قوية بمؤسساتها و بوحدة و تلاحم مكوناتها الوطنية وهذا هو سلاحنا للدفاع عن البلاد في وقت الشدة و الأزمات..”
ثم رفعه خطاب العرش لسنة 2022 الى منزلة “الهبة ” بقوله…” و اننا نحمد الله تعالى الذي وهبنا هذا التلاحم الوثيقة عبر التاريخ في السراء و الضراء..
و انزله خطاب العرش لسنة 2023 منزلة ” النعمة ” بقوله…” لقد أنعم الله تعالى على بلدنا بالتلاحم الدائم و التجاوب التلقائي بين العرش والشعب..”
لقد عشنا ربع قرن من الملاحم الجديدة و الانتصارات و كذا لحظات المكاشفة و الوقوف مع الذات و تغيير الاستراتيجيات…كانت تطبيقا على أرض الواقع لعمق معنى التلاحم التاريخي و الوثيق و الدائم و التلقائي بين العرش والشعب..من أجل مغرب اليوم ، و من أجل مغرب معاصر متجدد و ملتزم بقيم أصالته المقدسة…