داعش – خراسان يؤرق المخابرات الفرنسية قبل الأولمبياد

تلقى الصحافي الطاجيكي تيمور فاركي اتصالا مثيرا للقلق من شرطة باريس في أواخر مارس الماضي بعد مرور أيام قليلة على ما قيل عن تنفيذ مسلحين من بلاده ينتمون إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) مذبحة في موسكو.

واستجوبه ضابطان بشأن الجالية الصغيرة من مهاجري طاجيكستان في فرنسا. ويتذكر فاركي أن الضابطين كانا يسألانه “من تعرف؟ كم عددهم؟ أين هم؟”، وكان أحدهما يتحدث الروسية التي يشيع استخدامها في دول آسيا الوسطى.

وقال فاركي، وهو لاجئ سياسي في فرنسا عمل في وسائل إعلام مثل هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي)، للشرطة في الاتصال إنه يعرف مجموعة صغيرة من الطاجيك معظمهم من المهاجرين والمعارضين. غير أنه استدرك “لكنني لا أعرف أيّ جهاديّ”.

وقبل انطلاق أولمبياد باريس في 26 يوليو الجاري تسابق أجهزة الأمن الفرنسية الزمن لسبر غور ملف ليس لديها فيه الكثير من المعلومات، من خلال إقامة علاقات أوثق مع الطاجيك وآخرين من دول وسط آسيا في البلاد، وفقا لما قاله أكثر من 12 مصدرا مطلعا. ومن بين تلك المصادر مسؤولون حاليون وسابقون في المخابرات والشرطة ودبلوماسيون ومهاجرون من آسيا الوسطى تواصلت السلطات معهم.

المخابرات الفرنسية ليس لديها إلا قلة من العناصر والعملاء في آسيا الوسطى وتجد أنه من الصعب اختراق الجالية الطاجيكية الصغيرة المتماسكة

وتأتي عمليات التواصل التي لم يعلن عنها من قبل في أعقاب هجومين كبيرين وقعا هذا العام قالت السلطات إنهما من تنفيذ عناصر طاجيكية من تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان، أحد أجنحة التنظيم المتشدد على اسم منطقة خراسان التاريخية التي كانت تضم مناطق من إيران وأفغانستان وآسيا الوسطى.

وقتل نحو مئة في هجوم انتحاري مزدوج خلال مراسم لتأبين قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني يوم الثالث من يناير الماضي، كما قتل أكثر من 130 شخصا في هجوم وقع في موسكو يوم 22 مارس الماضي، قام خلاله مسلحون بإطلاق النار على رواد حفل موسيقي في قاعة كروكوس سيتي.

وقالت السلطات الفرنسية إنها أحبطت بالفعل هجوما لمتشددين إسلاميين كان مخططا خلال الأولمبياد واعتقلت في أواخر مايو الماضي شابا شيشانيا (18 عاما) يشتبه في أنه خطط لمهمة انتحارية لصالح تنظيم الدولة الإسلامية في ملعب سانت إتيان لكرة القدم حيث كانت ستلعب فرق فرنسا والولايات المتحدة وأوكرانيا.

ويستهدف إسلاميون فرنسا منذ مدة طويلة بسبب ماضيها الاستعماري والمشاعر المعادية للمسلمين ومشاركتها التاريخية في حروب الشرق الأوسط وأفريقيا.

وقال قائد شرطة باريس الشهر الماضي “لا يزال إرهاب المتشددين الإسلاميين مصدر قلقنا الرئيسي” خلال دورة الألعاب الأولمبية، رغم نفي السلطات أي تهديد مباشر يستهدف الألعاب.

وطاجيكستان، التي عانت من حرب أهلية في التسعينات، أفقر دول الاتحاد السوفييتي السابق. ويعتمد نصف ناتجها الاقتصادي تقريبا على تحويلات المهاجرين وخاصة الموجودين في روسيا.

ويرى الكثير من الخبراء الأمنيين أن الشبان الفقراء المعزولين بين المغتربين الطاجيك يشكلون مزيجا يغري تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان بتجنيدهم.

وقال مصدر من المخابرات إن المخابرات الفرنسية ليس لديها إلا قلة من العناصر والعملاء في آسيا الوسطى وتجد أنه من الصعب اختراق الجالية الطاجيكية الصغيرة المتماسكة. ووفقا لرابطة الطاجيك في فرنسا، تعيش حوالي 30 عائلة طاجيكية في البلاد.

وأضاف المصدر نفسه، الذي طلب عدم ذكر اسمه لتتسنى له مناقشة مسائل أمنية، أن تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان يمثل تهديدا جديدا نسبيا ظهر بالتزامن مع قدرة قائمين على التجنيد من الخارج على استمالة قادمين من دول في آسيا الوسطى -يقيمون في فرنسا- إلى التطرف من أجل دفعهم إلى تنفيذ هجمات على الأراضي الفرنسية.

وذكر المصدر أن الدليل على ذلك هو اعتقال طاجيكي في 2022 بتهمة التخطيط لهجوم في ستراسبورغ. وأضاف أن الرجل كان يتصرف بناء على تعليمات من عناصر اتصال تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان وموجودة في الخارج.

وقال مصدر أمني ثان إن فرنسا حددت هوية 12 من مسؤولي الاتصال لدى تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان موجودين في دول حول أفغانستان ولهم حضور قوي على الإنترنت ويحاولون إقناع شباب في دول أوروبية -مهتمين بالانضمام إلى التنظيم من الخارج- بتنفيذ هجمات في الدول التي يوجدون فيها.

وأضاف المصدر أن مسؤولي الاتصال في التنظيم يقومون بعد ذلك بربط من جنّدوهم بأشخاص يمكن لهم أن يزودوهم ببطاقات هوية مزورة وأسلحة على أرض الدولة المعنية، في عملية لا تستغرق إلا بضعة أسابيع. وتحدثت رويترز أيضا مع اثنين آخرين من طاجيكستان وامرأة من أوزبكستان مقيمين في فرنسا اتصلت بهم الشرطة واستجوبتهم بخصوص الجاليات التي ينتمون إليها.

وقالت ناديجدا أتاييفا، وهي ناشطة في مجال حقوق الإنسان من أوزبكستان وتعمل في مدينة لومان بشمال غرب فرنسا، إنها أعطت ضباط الشرطة رقم هاتف فاركي بعد الزيارة التي قامت بها إلى مركز الشرطة في باريس. وأضافت “طلبوا مني أرقام هواتف طاجيك أثق بهم. وقال لي رجال الشرطة إنهم يريدون التحدث مع أفراد من طاجيكستان لمعرفة آرائهم بشأن ما حدث في موسكو”.

خبراء في مكافحة التجسس يرون أن جهود فرنسا في اختراق صفوف الجالية الطاجيكية قد تأتي بنتائج عكسية

وقال سيباستيان بيروز، وهو أكاديمي فرنسي قدم إفادات لأجهزة أمن فرنسية وأميركية بشأن التطرف في دول في آسيا الوسطى، إن “السلطات الفرنسية ربما تباطأت في الاستجابة لوجود تهديدات أمنية محتملة من طاجيك”.

وأضاف “انصب تركيز فرنسا على متشددين قادمين من الشرق الأوسط والجزائر وشمال أفريقيا بشكل أكبر من آسيا الوسطى… وأعتقد أن فرنسا تفاجأت بما حدث في موسكو ولعل (استجابتها) تأخرت قليلا”.

وقال إدوارد ليمون، وهو خبير من طاجيكستان يقدم تقارير دورية لأجهزة أمن غربية، إن “المخابرات الروسية لا تزال الأفضل من حيث متابعة شبكات الجماعات المتشددة في آسيا الوسطى رغم إخفاقها في منع الهجوم على قاعة كروكوس سيتي”.

لكن وزير الدفاع والقوات المسلحة الفرنسي سيباستيان ليكورنو أشار في أبريل الماضي إلى تراجع كبير في تبادل المعلومات الاستخباراتية بين روسيا وفرنسا بشأن تنظيم الدولة الإسلامية وجماعات متشددة أخرى منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في 2022.

وقال مسؤولان في وزارة الخارجية الأميركية، ينسقان بشأن أمن الفريق الأولمبي الأميركي، لرويترز إنهما يثقان في الاستعدادات الأمنية التي تجريها فرنسا. وأضافا، دون الخوض في تفاصيل، أن جهود فرنسا الرامية إلى بناء علاقات أقوى مع الجالية الطاجيكية تعكس ممارسة شائعة لمكافحة الإرهاب، وهي تحديد أفراد من جالية معينة ربما يشكلون تهديدا.

وقال أحدهما إن “الجميع يرغبون في الحصول” على المزيد من المعلومات حول التهديدات القادمة من دول في آسيا الوسطى. وبحسب ليمون واثنين آخرين من الخبراء في شؤون آسيا الوسطى أجرت رويترز معهما مقابلة، يأتي التهديد الأساسي الذي يشكله الطاجيك في أوروبا من حوالي عشرة متطرفين قاتلوا في سوريا ثم عادوا إلى أوروبا تدريجيا عبر أوكرانيا بعد أفول قوة تنظيم الدولة الإسلامية في الشرق الأوسط.

وفي العام الماضي ألقت السلطات الألمانية القبض على سبعة مواطنين من دول في آسيا الوسطى مقيمين في البلاد للاشتباه في تأسيسهم منظمة إرهابية. وقال ممثلون للادعاء إن المتهمين القادمين من تركمانستان وطاجيكستان وقرغيزستان دخلوا إلى ألمانيا عبر أوكرانيا بعد وقت قصير من الغزو الروسي لأوكرانيا في أوائل 2022. وهم في السجن حاليا ينتظرون المحاكمة.

وقدّر ليمون أن هناك عشرات الآلاف من الطاجيك يعيشون في أوروبا، ويتركزون بالأساس في بولندا وألمانيا.

 

ومعظم هؤلاء لاجئون سياسيون وصلوا قبل حوالي عشر سنوات بعد أن صنف رئيس طاجيكستان إمام علي رحمن حركتي المعارضة “المجموعة 24″ و”حزب النهضة الإسلامية” منظمتين متشددتين وإرهابيتين. ويتولى رحمن، حليف روسيا، رئاسة طاجيكستان منذ 30 عاما.

وقال فاركي، وهو من أعتى المعارضين لرحمن، إنه طلب اللجوء إلى فرنسا في 2016 لأنه يحب الثقافة والأدب فيها. وأضاف أنه لم يتحدث قط مع أجهزة الأمن الفرنسية حتى تواصلت معه الشرطة في مارس الماضي.

وأفاد محمد إقبال صدرالدين، وهو معارض طاجيكي آخر مقيم في فرنسا، بأنه تحدث أيضا مع رجال الشرطة. وقال “لقد سألوني عما أعرفه”. وأضاف أنه كان يودّ المساعدة لكنه قال لهم “لا أعرف أشخاصا من طاجيكستان لهم آراء متطرفة”. وقال ثلاثة خبراء في مجال المخابرات الوقائية ومكافحة التجسس لرويترز إن جهود فرنسا في اختراق صفوف الجالية الطاجيكية قد تأتي بنتائج عكسية.

وذكر عميل سابق في المخابرات الأميركية، طلب عدم ذكر اسمه نظرا لإدلائه بمعلومات حول فترة عمله مع أجهزة أمن فرنسية بشأن مسائل تتعلق بدول في آسيا الوسطى، أن عمليات مكافحة التجسس والمخابرات الوقائية في فرنسا تحظى عموما بتقدير كبير، لكن الضغط على الطاجيك للحصول على معلومات قد يأتي بنتائج عكسية من خلال شعورهم بأنهم يوصمون بصورة نمطية سلبية في المجتمع بما يجعلهم أقل استعدادا للإبلاغ عن أفراد قد يشكلون خطرا.

ويتفق جون – فرانسوا راتيل، وهو خبير في شؤون الجماعات الإسلامية المتشددة في جامعة أوتاوا، مع هذا الرأي. وقال “كان ينبغي بدء بناء علاقات مع الجالية الطاجيكية قبل أعوام. إذا كان الدافع الوحيد إلى ذلك هو مكافحة الإرهاب فحسب، فإنها وصفة لفشل حتمي… وإذا قررت فرنسا الضغط أكثر من اللازم على تلك الجالية، فقد يتسبب ذلك في خلق التهديد الإرهابي الذي تسعى فرنسا إلى القضاء عليه قبل الألعاب الأولمبية 2024”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: