الأجندة الدولية للمملكة المغربية خلال 25 عاما: القواعد والمكاسب

تمثل الذكرى 25 لعيد العرش بالنسبة إلى الأمة المغربية مناسبة خاصة وذات حمولة وطنية كبيرة بحيث تخلد لعقدين ونصف العقد من العمل المتلاحق في شتى الميادين التي تتصل بالأوراش الداخلية والشؤون الخارجية للمملكة المغربية تحت قيادة العاهل المغربي الملك محمد السادس.

على امتداد 25 عاما استمدت المملكة المغربية ثقتها من تقاليدها العريقة وموقعها الجغرافي المتميز في منطقة تسمى قلب العالم وإرثها التاريخي الثري لتطوير بنياتها التحتية ونموذجها الاجتماعي والتنموي وإغناء سجلها الديمقراطي والمؤسسي وجعل اقتصادها يتسم بالتنافسية.

أدى تطور المملكة المغربية على هذه المستويات وغيرها إلى رفع مكانة البلاد في المجتمع الدولي، وبالرغم من حجم التحديات إلا أن الرؤية الملكية في السياسة الخارجية جعلت من غير الممكن معالجة مسألة أو قضية في المحيط الإقليمي دون التشاور مع المملكة المغربية.

على مدار 25 عاما استطاعت المملكة المغربية بقيادة الملك محمد السادس أن تضاعف مكاسبها الدبلوماسية وتنال التقدير والاحترام في الشرق والغرب ولدى دول الشمال والجنوب.

تمكنت المملكة المغربية بقيادة ملكية حكيمة من تطوير شخصية دولية جديدة عبر خلق التوازن بين الواقعية والانفتاح في التعامل مع مشهد دولي وإقليمي أكثر تشابكا ويشهد منافسة أكبر بين القوى الدولية الكبرى ولهذا الغرض عملت المملكة المغربية على تثبيت عناصر الاستمرارية في سياستها الخارجية العريقة لكنها في نفس الوقت قامت بتعديل بعض التوجهات والمفاهيم قصد الاستجابة للتحولات الجيوسياسية الدولية واستكشاف مجالات جديدة للشراكة والتعاون فضلا عن إضافة عناصر متجددة للتأثير بما يصب في توسيع المجال الحيوي والإستراتيجي للبلاد في مختلف الفضاءات الجيوسياسية العالمية ويخدم الأولويات العميقة.

بقيادة ملكية حكيمة طور المغرب شخصية دولية جديدة عبر خلق التوازن بين الواقعية والانفتاح في التعامل مع مشهد دولي وإقليمي معقد

أغنت الرؤية الملكية الرأسمال الدبلوماسي والإستراتيجي للمملكة المغربية وأثمرت العديد من المكاسب والإنجازات لمصلحة مكانة المغرب المستحقة ومصالحه العليا والدائمة، نظرا إلى ما يتمتع به العاهل المغربي من رؤية جيوسياسية رفيعة وإحاطة عميقة بموازين القوى وإدراك دقيق لواقع المشهد الدولي وبعد نظر في التفاعل مع المواقف والتطورات.

رافق العاهل المغربي خلال 25 عاما خمسة وزراء للشؤون الخارجية وعدد من الوزراء المنتدبين وكتاب الدولة في تنفيذ أهداف السياسة الخارجية للمملكة المغربية ومن الملاحظ أن الدبلوماسية المغربية قد عملت بسياسة المراحل في محطات عديدة لكنها معروفة لدى الهيئات الدبلوماسية الدولية والإقليمية بخمس ميزات على الأقل:

– أولا: الدبلوماسية المغربية أثبتت قدرتها على مواجهة التحديات بالصرامة المطلوبة وفي نفس الآن لديها مهارة في تدشين فصول جديدة في العلاقات الدولية للمغرب وفق محددات واضحة.

– ثانيا: تتمتع الدبلوماسية المغربية بشعبية كبيرة في الأوساط الدولية بفضل المكانة الدولية للملك محمد السادس وديناميكية المشاركة المغربية في مختلف المنتديات الدولية مما انعكس على ثقة عدد من دول العالم في مواقف المغرب ومبادراته بشأن بعض القضايا ذات الأهمية.

– ثالثا: تتميز الدبلوماسية المغربية بإقران الأقوال بالأفعال وقد تجسدت هذه السمة في العديد من محطات تضامن المملكة المغربية مع أشقائها وأصدقائها لاسيما في العالم العربي وأفريقيا.

– رابعا: تؤمن الدبلوماسية المغربية بالفرص التي تقترن بالتحديات ولذلك يجرؤ المغرب بواقعيته المعهودة على اغتنامها من أجل تنويع خياراته ويمكن في هذا الإطار اعتبار المبادرة الملكية الأطلسية التي تشمل دول الساحل ومشروع خط أنابيب الغاز نيجيريا – المغرب نموذجا لهذا المنطق الدبلوماسي الخلاق و الواعد.

– خامسا: في القضايا الدولية تعتمد الدبلوماسية المغربية على أسلوب موجه نحو التوافق والحلول السلمية والعمل الجماعي والدفاع عن مقاصد القانون الدولي وأحيانا النأي بالنفس لمّا يتطلب الوضع ذلك.

المغرب يدفع بشكل متواصل نحو جلب احتضان التظاهرات الدولية الكبرى وتعزيز التجارة والاستثمار الأجنبي المباشر لتعزيز علامة “صنع في المغرب”

من هذا المنطلق تتوفر المملكة المغربية على خمسة ثوابت وعناصر استمرارية رئيسية في سياستها الخارجية:

● يتوفر المغرب على مقاربة ثابتة حول السلام في المنتظم الدولي ويدعو إلى ذلك دوما ويمكن أن نستحضر في هذا الإطار الموقف المغربي المتأصل حول القضية الفلسطينية ومسيرة السلام في الشرق الأوسط وارتباط السلام بالتنمية في أفريقيا.

● يركز المغرب على احترام الدول للقانون الدولي وعدم اللجوء لاستعمال القوة وينادي بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

● يوسع المغرب باستمرار شبكة الأصدقاء والحلفاء الذين يمكن العمل معهم وقد وفّر هذا النهج نفوذا أكبر لسياسة المغرب الخارجية تجاه الدول الخمس الكبرى (الولايات المتحدة، الصين، روسيا، المملكة المتحدة وفرنسا) فضلا عن إسبانيا وألمانيا ودول بمجلس التعاون الخليجي والشرق الأوسط وغيرها من الدول في أفريقيا وأوروبا وأميركا اللاتينية و الكارايبي وآسيا.

– وفقا للرؤية المؤطرة لعمل الدبلوماسية المغربية يعمل المغرب باستمرار من أجل أمن واستقرار أفريقيا والفضاء الأورومتوسطي في إطار جهود مكافحة مختلف التهديدات والمخاطر لاسيما الإرهاب وتدفقات الهجرة غير النظامية.

● في نهاية المطاف يشتغل المغرب على أساس جوهري وهو حماية المصالح المغربية وعلى رأسها الوحدة الترابية وسيادة المغرب على صحرائه ومنذ أن قرر العاهل المغربي تقديم مقترح بشأن تخويل الأقاليم الجنوبية حكما ذاتيا في إطار السيادة المغربية سنة 2007 والذي يمثل فرصة تاريخية لمختلف الأطراف، حقق الاتجاه الدولي الداعم لمبادرة الحكم الذاتي طفرة متزايدة على مستوى مجلس الأمن بحيث قدمت مختلف الدول الفاعلة شهادات قوية على عدم واقعية وهم الانفصال وأكدت في مناسبات مختلفة على وجاهة وجدية ومصداقية المخطط المغربي والذي يحظى بدعم حوالي 110 من البلدان في العالم فضلا عن عدم اعتراف 164 بلدا في العالم بجبهة بوليساريو وفتح 30 دولة لقنصلياتها العامة بالعيون و الداخلة خلال النصف الأول من العشرية الحالية لحكم العاهل المغربي الملك محمد السادس.

الرؤية الملكية أغنت الرأسمال الدبلوماسي والإستراتيجي للمملكة المغربية وأثمرت العديد من المكاسب والإنجازات لمصلحة مكانة المغرب المستحقة ومصالحه العليا والدائمة

تشكل الإطار العام للسياسة الخارجية المغربية خلال 25 عاما على ضوء مجموعة من الأحداث الكبرى يمكن إبراز بعضها كما يلي:

– 2000: أول زيارة رسمية للعاهل المغربي إلى الخارج وكانت إلى فرنسا.

– 2003: زيارة العاهل المغربي إلى الولايات المتحدة وتوجيهه لخطاب ملكي في الدورة 58 للجمعية العامة للأمم المتحدة.

– 2007: تقديم المملكة المغربية لمخطط الحكم الذاتي كأساس وحيد لتسوية النزاع الاقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية.

– 2012: شغل المغرب مقعد عضو غير دائم بمجلس الأمن.

– 2016: القمة المغربية – الخليجية بمشاركة العاهل المغربي وملوك وأمراء دول الخليج و زيارة العاهل المغربي إلى الصين وروسيا.

– 2017: عودة المملكة المغربية للاتحاد الأفريقي بخطاب تاريخي للملك محمد السادس.

– 2020: اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على صحرائه.

– 2022: إطلاق صفحة جديدة في العلاقات بين المغرب وإسبانيا.

– 2023: العاهل المغربي يزف خبر تنظيم المملكة المغربية لمونديال 2030 بشراكة مع إسبانيا والبرتغال.

خلال عقدين ونصف العقد أظهرت المملكة المغربية إرادة قوية لتوسيع عناصر دورها الإقليمي القيادي

تمتلك المملكة المغربية مقومات نوعية وعوامل تفوّق واضحة في سياستها الخارجية تزيد من انخراطها وقدرتها على الإقناع وتأثيرها الإقليمي:

– تنويع الشركاء: تدرك المملكة المغربية أن مراكز القوة العالمية تتعدد وتتطور وقد استجابت السياسة الخارجية للمملكة المغربية لهذا المعطى بمرونة كافية حيث تركز الدبلوماسية المغربية على العمل في أكثر من اتجاه وتعمل مع الشركاء التقليديين والجدد بمنطق لا يجعل من الشراكة مع شريك دولي معين على حساب الشراكة مع شريك آخر.

ومن هذا المنطلق جاءت الشراكة مع الاتحاد الأوروبي كنتيجة لمسار يمتد منذ سنة 2000 وقد تطور هذا المسار مع صيغة الوضع المتميز للمغرب سنة 2008 والشراكة المغربية – الأوروبية من أجل الازدهار المشترك في سنة 2019 ومن الواضح أن الشراكة المغربية – الأوروبية كانت ولا زالت محط تقييم مستمر لإمكاناتها ومجالاتها ومناخها.

ونظرا إلى أن العلاقات المغربية مع القوى الدولية الكبرى تمثل حجر الزاوية في السياسة الخارجية المغربية فإن العلاقات المغربية – الأميركية برهنت باستمرار على طابعها المتفرد والذي يتجلى بالملموس في البعد التاريخي وفي اتفاقية التبادل الحر الوحيدة التي تجمع الولايات المتحدة ببلد أفريقي منذ 2006 فضلا عن التعاون الدفاعي وانتظامية مناورات الأسد الأفريقي والتشاور السياسي، و بالرغم من تعاقب الحزبين الجمهوري و الديمقراطي على الإدارة الأميركية إلا أن القناعات الأميركية الجوهرية حول مصالح المغرب لم تتأثر بعد سنة 1999 خلال تعاقب خمسة رؤساء أميركيين (بيل كلينتون ، جورج بوش ، باراك أوباما، دونالد ترامب وجو بايدن) وعشر كتاب دولة في السياسة الخارجية.

أما بالنسبة إلى العلاقات المغربية مع الصين و روسيا فإن زيارة العاهل المغربي إلى موسكو و بكين سنة 2016 أثمرت ميلاد شراكتين إستراتيجيتين وعلى هذا الأساس تحرز العلاقات المغربية مع البلدين تقدما مستمرا و يتعزز مداها بما يخدم المصالح المشتركة.

وبالإضافة إلى هذه للدول تشهد العلاقات المغربية مع إسبانيا وفرنسا وألمانيا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودولة قطر والهند والبرازيل وإسرائيل تحولات مهمة في إطار سياسة البحث عن بدائل وموازنة وتنويع الشراكات كما أن الحصول على صفة الشريك القطاعي لدى منظمة آسيان واستعداد المغرب للانفتاح على آليات تعاون دولية أخرى يؤكد بالملموس حرص المغرب على تعزيز خياراته وتحقيق المنفعة المشتركة، وتبقى دول أخرى على رادار العمل الدبلوماسي للمغرب ويمكن أن تشكل إضافة نوعية للعلاقات الدولية للمغرب في إطار توجه تنويع الشركاء.

Thumbnail

● اليد الممدودة تجاه الجوار: ومن أجل جعل الدبلوماسية ضمانة لحسن الجوار وقوة دافعة للأمل حرص العاهل المغربي طيلة ربع قرن على توجيه رسائل بناءة للمحيط الإقليمي والجوار المباشر ويمكن الاطلاع على هذا التوجه الصريح في الخطب الملكية التي جسدت رسوخ موقف المغرب بشأن أهمية الاتحاد المغاربي بمكوناته الخمسة (موريتانيا، المغرب، الجزائر، تونس وليبيا) من جهة ومن جهة أخرى إيلاء الأولوية للجوار المباشر في تعبير واضح عن جدية المغرب وتطلعه لمستقبل المنطقة، كما أن تمسك العاهل المغربي برابط الأخوة مع الجزائر مثل منذ 1999 تجسيدا دائما لإيجابية المغرب في محيطه الإقليمي وسياسة اليد الممدود كخيار وقناعة تؤمن بحتمية التاريخ والجغرافيا المشتركين، وليس كوجهة نظر فقط، ومن الواضح أن هذا الخيار تأسس قبل بعض المستجدات المتفاعلة إقليميا اليوم، كما أنه خيار يركز على عدم تضييع الفرص وهدر الطاقة وتجاوز بعض المراحل التاريخية التي لا يتحمل فيها الجيل الحالي أيّ مسؤولية ولا ينبغي أن يستمر 120 مليون مواطن مغاربي في أداء فاتورة مرحلة الحرب الباردة من فرص التكامل والتفاعل.

– المغرب صوت أفريقيا والجنوب: منذ عودة المملكة المغربية للاتحاد الأفريقي بخطاب تاريخي للعاهل المغربي في 31 يناير 2017 بأديس أبابا كرست المملكة المغربية دورها كصوت لأفريقيا بشكل خاص والجنوب بشكل عام. ومنذ 1999 قام العاهل المغربي بأكثر من 50 زيارة لحوالي 30 بلدا بمختلف المناطق الجيوسياسية الخمس للقارة الأفريقية وإبرام ما يفوق 1000 اتفاقية مع بلدان القارة، ويمثل مشروع خط أنابيب الغاز نيجيريا – المغرب عنوانا للتعاون جنوب – جنوب في إطار المنفعة المتبادلة، وقد كانت الجولة الملكية بأفريقيا سنة 2016 وتوجيه خطاب الذكرى 41 للمسيرة الخضراء من العاصمة السنغالية دكار دليلا إضافيا على توجه المغرب من جديد نحو الجنوب حيث عبرت العديد من المبادرات التضامنية في إطار مقاربة التعاون جنوب – جنوب عن متانة الروابط التي تجمع المملكة المغربية بالقارة الأفريقية ورغبة المغرب في تقاسم الحلول التنموية مع البلدان الأفريقية ومن أجل أن تثق أفريقيا بذاتها وتثبت نفسها في الساحة الدولية كمساهم رئيسي في قضايا السيادة الجديدة من قبيل الأمن الغذائي وأمن الطاقة والمناخ و غيرها.

● المغرب نصير للحوار والشرعية الدولية: من الواضح أن التسلسل الزمني للأحداث الدولية والإقليمية كان له تأثير مباشر أو غير مباشر على اتجاه أهداف السياسة الخارجية للمملكة المغربية وقد أظهرت المملكة التزاما راسخا بالدعوة إلى الحوار والوساطة في العديد من الأزمات ويمكن في هذا الإطار استحضار حل أزمة دول نهر مانو بغرب أفريقيا والرعاية المغربية لاتفاق الصخيرات 2015 بين الفرقاء الليبيين ودعوات العاهل المغربي رئيس لجنة القدس لاستثمار الفرص النادرة للحوار في الشرق الأوسط والخروج من منطق الصراع والصدام إلى منطق التوافق والحوار، وعلى هذا الأساس يمكن القول إن المجتمع الدولي محظوظ بدور العاهل المغربي الذي يعتنق قيم التوافق والحوار ويمكن اعتبار لقاء الملك محمد السادس والبابا فرانسيس سنة 2019 دليلا آخر على مكانة المغرب كنصير للسلام والتعايش والتسامح.

– المغرب مركز إشعاع واستقرار: يستمد الحضور الدبلوماسي للمغرب في العالم من الأهمية التي يوليها عدد من الأطراف الدولية للمغرب كنقطة ارتكاز وعامل استقرار في شمال أفريقيا والمجال الأورومتوسطي، وكذلك من المقاربة المغربية التي تتبنى التعاون مع الأطراف الدولية بصرف النظر عن حجمها أو مدى قوتها أو المسافة التي تبتعد بها عن المغرب.

يدفع المغرب بشكل متواصل نحو جلب احتضان التظاهرات الدولية الكبرى وتعزيز التجارة والاستثمار الأجنبي المباشر لتعزيز علامة “صنع في المغرب” وللمساهمة في التنمية الاقتصادية بشكل عام، ويلعب ميناء طنجة المتوسط دورا حيويا في هذا الإطار بحيث جعل من المغرب قوة إقليمية بحرية كما أظهر المغرب استعداده الواضح للمشاركة في الأسواق العالمية للطاقة الخضراء والصناعات العسكرية والتكنولوجيا واقتصاد البيانات الضخمة.

خلال عقدين ونصف العقد أظهرت المملكة المغربية إرادة قوية لتوسيع عناصر دورها الإقليمي القيادي ومن الواضح أن العاهل المغربي مستمر في تحقيق ما تسعى إليه المملكة المغربية والتعامل مع الديناميكيات الدولية وسحبها الداكنة بحكمة وواقعية وضمان إمكانيات جديدة في أفق الانتقال إلى حقبة المكاسب الكبرى.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: