تتزايد قناعة صناع السياسات في المغرب على أن صناعة التعدين باتت ركيزة أساسية لتوسيع آفاق التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد، بما توفره من بيئة للاستثمار وتوليد الوظائف في ظل المبادرات التي تطرحها الحكومة لزيادة الاستفادة من هذا القطاع.
عزز تأكيد وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة ليلى بنعلي على أهمية الدور الذي يلعبه قطاع المعادن في التنمية الشاملة نظرة الخبراء للبلد كونه مصر على عدم ادخار أيّ جهد من أجل تحويل هذه الصناعة إلى فرص مدرة للإيرادات وداعمة لسوق العمل.
ويسهم القطاع بنحو 7 و10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي السنوي للبلد، والذي يبلغ نحو 140 مليار دولار، كما يشكل 28 في المئة من الصادرات المحلية من حيث القيمة.
وقالت بنعلي خلال جلسة برلمانية الثلاثاء الماضي، إن هناك حاجة إلى “اكتشاف مكامن جديدة وتحسين القيمة المضافة للمواد المعدنية المستغلة”.
وأشارت إلى أن القطاع ما عدا الفوسفات يواجه تحديات، تتعلق أساسا بزيادة التنقيب والاستخراج، وتحسين القيمة المضافة للموارد المعدنية المستغلة، إضافة إلى ترجمة المطالب الاجتماعية والبيئية المتزايدة مع العلم أن “هذه الصناعة تتسم بعامل المجازفة”.
ولتجاوز الإكراهات التي تعيق نمو القطاع، أكدت بنعلي أن الوزارة أعدت مقاربة جديدة ترمي إلى إحداث تغيير نوعي في القطاع وجعله أكثر جاذبية للاستثمارات.
وترتكز المقاربة بالأساس على تعديل القانون المنظم للقطاع بهدف ملاءمته مع المستجدات، وإعادة النظر في تنظيمه لجعله يتأقلم مع المتطلبات الجديدة.
وأوضحت الوزيرة أن ذلك سيتم من خلال مراجعة الهياكل التنظيمية لبعض المؤسسات العمومية العاملة في القطاع، كالمكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن وإنشاء مختبر وطني للمعادن مع فروع جهوية.
ويتمثل دور مكتب للهيدروكربورات في البحث والاستكشاف المعدني محليا، ومراقبة عمل الشركات والضرائب والتمويل، ثم حصر المعادن الإستراتيجية، وإعداد البنية التحتية، ثم إنشاء المختبر الوطني للمعادن.
كما أن مواكبة الشركات المعدنية الصغيرة والمتوسطة في صلب اهتماماته، فضلا عن إنشاء صندوق التنمية المعدنية، والإشراف على دور المستثمرين بالقطاع في التنمية المحلية، وتعزيز الإيرادات المعدنية.
وترتكز إستراتيجية تنمية القطاع المعدني خارج الفوسفات التي تمتد ما بين 2021 و2030 على تقوية وتطوير مديرية الجيولوجيا التابعة لوزارة الطاقة والمعادن والبيئة وتعزيز مواردها البشرية والتقنية.
وعلاوة على ذلك، إمكانية إعطائها صفة المؤسسة المسيرة بطريقة مستقلة للسماح لها بالمرونة المالية والإجرائية، هذا إلى جانب إنشاء المختبر الوطني للمعادن.
ويستهدف المغرب زيادة إيرادات الدولة من استخراج معادن أخرى غير الفوسفات إلى أكثر من 15 مليار درهم (1.7 مليار دولار) بحلول العام 2030 من 6.5 مليار درهم (730 مليون دولار) في 2020، وذلك عبر تسهيل الاستثمار والحوافز الضريبية.
وأكد الخبير الاقتصادي رشيد ساري أن القطاع قاطرة للتنمية المسؤولة والمستدامة ويدعم الاقتصاد، ورغم انعكاساته الإيجابية في التنمية، إلا أن يجب التفكير ليس فقط في الصناعات الاستخراجية وحدها كهدف، بل يجب التفكير في أنشطة أخرى.
ولفت إلى أن الدولة تبنت مخططا معدنيا لتشجيع القطاع الخاص المحلي والدولي للاستثمار، إلا أنه يتوجب تشجيع ما يسمى بـ”السياحة المعدنية” من خلال التعرف على مناطق تزخر بالمعادن وتتمتع في آن واحد بتنوع جيولوجي.
1.7 مليار دولار إيرادات يستهدف المغرب تحقيقها من تطوير قطاع المعادن بحلول العام 2030
وستتم إعادة الهيكلة المؤسساتية والمهام السيادية والرفع من القيمة المضافة للمعادن محليا وتطوير قطاع التعدين التقليدي، والتي تركز على أهمية التحويل الصناعي، والإصلاح التشريعي والتنظيمي، والتنمية المسؤولة لتعزيز الأثر الاجتماعي.
كما يتطلع المسؤولون إلى دعم المحتوى المحلي والتنمية الجماعية، وتعزيز الاندماج الصناعي، وتكثيف الإنجازات في هذا المضمار.
ويتميز القطاع بكونه صناعة تتطلب رؤوس أموال ضخمة وتتسم بعامل المخاطرة، وتتطلب كذلك استثمارات كبيرة في ما يتعلق بأنشطة الاستكشاف والتحويل.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن عائدات الاستثمار مرتبطة بعدة عوامل منها تقلبات سوق المواد المعدنية وارتفاع أسعار المواد الأساسية.
وتتضمن الإجراءات تعديل القانون المتعلق بالمناجم، وتبسيط الإجراءات الإدارية، ووضع سجل عقاري للتعدين، وتأهيل التراث المعدني.
وكذلك، مواكبة التأهيل المؤسساتي والجيوعلمي لمركزية الشراء والتنمية للمنطقة المنجمية لتافيلالت وفجيج (كاديطاف) وفتحها أمام المستثمرين، مما يعزز من تطوير البنية التحتية وإصلاح القطاع بشكل شامل.
وأكدت بنعلي أن هذه التسهيلات ستسهم في جذب استثمارات تقدر بالمليارات من الدراهم، مما سيساعد في تحقيق تنمية مستدامة وتطوير البنية التحتية الجيولوجية حيث سيتمكن المستثمرون من العمل في بيئة أكثر شفافية وسهولة.
مشيرة إلى أنه من المتوقع أن تسهم الإجراءات الجديدة في جذب استثمارات كبيرة، تساهم في خلق آلاف فرص عمل جديدة.
وطالب المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في تقرير حديث ببلورة إستراتيجية جديدة للقطاع بحيث تساهم أرباحه في تنمية المناطق المنجمية والسكان المحليين.
وقال المجلس إن ذلك يجب أن يكون في “إطار دراسة استشرافية لتلك المناطق، بما يساعد على تطوير الأنشطة الاقتصادية المحلية من غير المهن المرتبطة بالتعدين، بغية تعزيز صمود مصادر دخل السكان في حال لو تم إغلاق المناجم”.
وشدد التقرير على ضرورة أن يكون القطاع مساهما في التنمية البشرية المستدامة واسعة النطاق، ويأخذ بعين الاعتبار مصالح السكان في إطار من التضامن.
كما أشار إلى مسألة جعل القطاع أكثر اندماجا في الاقتصاد، بحيث يحقق أعلى درجة ممكنة من الاستفادة المحلية للمنتجات مقارنة مع تلك المصدرة كمواد خام، مع حرصه على تحديد وتطوير الروابط بين المراحل البعدية لسلسلة الإنتاج ومختلف القطاعات الصناعية.
وسبق أن أكد رئيس المجلس أحمد الشامي العام الماضي أن المغرب يمتلك احتياطات لسبعة معادن من أصل 24 معدنا إستراتيجيا تدخل في الصناعات التكنولوجية الحديثة.
وتظهر الأرقام أنه تم منح ما يزيد على 5969 رخصة معدنية حتى نهاية النصف الأول من العام الحالي، تشمل 1225 رخصة بحث و81 رخصة استغلال تم إعادة منحها.
واستفادت 167 شركة جديدة من الرخص المعدنية، منها 59 شركة حصلت على رخص معدنية للمرة الأولى، مما يعزز من تنوع الشركات العاملة في القطاع.