هدية تبون للجزائريين في نهاية عهدته الأولى: عسكرة المؤسسات والإدارات المدنية
بعد إعلانه الترشح لعهدة ثانية، أبى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلا أن يختم عهدته الأولى بمنح « هدية » ثمينة لضباط الجيش الوطني، حيث أصدر مرسوما يتيح للعسكر بسط المزيد من السيطرة المطلقة على قطاعات مدنية كالماء ومخازن تموين الحبوب والبقوليات والمواد الغذائية الأساسية.. القرار الجديد لتبون أثار ضجة كبيرة في أوساط الجزائريين الذين عبروا عن تخوفهم من أن تعيش بلادهم المصير نفسه الذي تتخبط فيه دول عربية أخرى مثل مصر، بسبب تمكين المؤسسة العسكرية من تشديد قبضتها على كل القطاعات والمجالات الإدارية والاقتصادية.
ساد جدل واسع في الأوساط الجزائرية عقب صدور مرسوم رئاسي يسمح بعسكرة بعض المناصب والوظائف المدنية، حول دوافع التوجه نحو « عسكرة » الوظائف والمناصب الحيوية والإدارات العمومية، وما إذا كان الأمر مرتبطاً بفرض مزيد من الصرامة في إدارة بعض القطاعات والإدارات، وهل سيبقى محدوداً ضمن نطاق القطاعات التي تدخل ضمن الأبعاد الشاملة للأمن القومي، أم أنه قد يتوسع لاحقاً إلى وظائف مدنية وإدارية متوسطة الأهمية.
وينص المرسوم الرئاسي، الذي نُشر في العدد الأخير من الجريدة الرسمية، على أنه « يتم انتداب الضباط العمداء والضباط السامين لشغل بعض الوظائف العليا في الدولة ضمن القطاعات الاستراتيجية والحساسة من حيث السيادة والمصالح الحيوية للبلاد ».
ويسمح المرسوم بـ »انتداب العسكريين في الوظائف المدنية لمدة أقصاها ثلاث سنوات ويمكن تجديدها بمقرر خاص، على أن يتم إنهاء الانتداب تلقائياً بعد انقضاء فترة الانتداب أو بمبادرة من وزير الدفاع الوطني أو من السلطة المسؤولة عن الإدارة المدنية العمومية بالتنسيق مع وزير الدفاع الوطني خلال فترة الانتداب، أو بناءً على طلب المستخدم العسكري ».
نحو هيمنة العسكر
وصفت جرائد موالية للنظام الجزائري القرار الرئاسي بأنه « خطوة غير مسوقة » في الجزائر بالنسبة للعسكريين، بالنظر إلى أنه لم يكن يتم تعيين سوى عسكريين متقاعدين في مناصب مدنية.
وكشفت صحيفة «الخبر»، وهي أكثر الصحف انتشارا في الجزائر، أن هذه الخطوة تعكس «ما لمّح إليه الرئيس (عبد المجيد تبون) العام الماضي، عندما شدد على إمكانية منح تسيير قطاع المياه، وقطاعات حساسة أخرى، لكوادر متخصصين من مؤسسة الجيش». وكان يشير يومها إلى اختلالات كبيرة شهدتها الإدارة الأمنية لشركة توزيع المياه الحكومية.
واللافت أن الرئيس تبون استبق المرسوم بتعيين لواء على رأس مؤسسة الجمارك في شتنبر 2023، هو عبد الحفيظ بخوش الذي جرى إحضاره من القوات البحرية قبل توليه المسؤولية الجديدة.وقد أثار القرار حينها استغراب ملاحظين، لأن المسيرين الذين تعاقبوا على إدارة الجمارك كانوا من القطاع المدني وأغلبهم كوادر من وزارة المالية والخزينة العمومية. وفي فبراير الماضي، اختارت السلطات العقيد المتقاعد من القوات الجوية، مختار سعيد مديوني، مديرا لـ«مؤسسة تسيير مطار هواري بومدين الدولي»، وقد عُرف بولائه الشديد للرئيس، وتأييده القوي لسياساته، ومواقفه الحادة تجاه معارضيه، من خلال برامج سياسية كان يقدمها في تلفزيون خاص وفي الإذاعة الحكومية.
تهميش للكفاءات المدنية
« إنها عسكرة الدولة في أقصى تجلياتها »، يقول الناشط السياسي والإعلامي الجزائري وليد كبير، معلقا على القرار الصادر عن رئيس « خاضع لأوامر العسكر »، وفق تعبيره.
وبرأي هذا الناشط السياسي فإن قرار تبون الذي سيفتح الباب للجيش لإحكام سيطرته على المناصب المدنية بذريعة تحسين أداء التسيير في المؤسسات الحيوية، التي لم يحددها المرسوم الرئاسي، لا يعني سوى « التشكيك في قدرات الكفاءات المدنية الجزائرية ».
ووجه الناشط السياسي وليد كبير نداء عبر صفحته الفيسبوكية إلى الرئيس عبد المجيد تبون، داعيا إياه إلى « إغلاق المدرسة الوطنية للإدارة وباقي المعاهد الوطنية التي يتخرج منها الإطارات المدنية »، ما دام خريجو هاته المعاهد لن يجدوا مناصب شغل في ظل شغرها من طرف « أطر الجيش ».
هدية ثمينة للجيش
أطلق الكثير من الجزائريين العنان للسخرية من قرار « عمي تبون » كما يسمونه، حيث « أشادوا » بهاته الخطوة لكنهم شددوا على « ضرورة تمكين المسؤولين العسكريين بكافة الإدارات من إطلاق النار على كل من يتورط في الفساد ».
وعلق مواطن جزائري على الخبر الذي أوردته جريدة « الشروق »، مستنكرا: « توظيف الضباط؟؟؟ يتقاضون 20 مليون وستضاف إلى رواتبهم 20 مليون أخرى.. بينما الأطر المدنية ممنوعة من السكن والتوظيف.. إنها الجزائر الجديدة.. عند ربي نتحاسب ». وكتب آخر يقول: « البلاد تحتاج الى عدالة وقوة المحاكم وليس انتداب أو تغيير المناصب فالعسكري هو نفسه الرجل المدني، الفرق في الزي والبدلة اما العقلية الجزائرية فهي متساوية والحديث قياس ».
وانتقد الكثير من المعلقين عبر منصات التواصل الاجتماعي هذا القرار، معتبرين أنه سيجعل من الجزائر « نسخة مماثلة لمصر »، في إشارة إلى إحدى تجليات فشل سيادة العسكر على تسيير الشؤون المدنية.
« نظام السيسي طبق في الجزائر.. الله يجيب الخير »، يقول مواطن غاضب من القرار، ويردد آخر مزكيا تعليقه: « أصبحنا نقتدي بالنموذج المصري لما حققه من نجاح باهر.. هههه التقدم للوراء ».
وفي خضم التعاليق الساخرة، رأى الكثير من الجزائريين أن قرار تبون فتح الباب لسيطرة الجيش على المؤسسات المدنية الاستراتيجية، ليس سوى مكافأة للمؤسسة العسكرية على دعمها ترشح تبون لولاية رئاسية ثانية.