دفعت التحذيرات المتزايدة من تنامي معدّلات العنف الجسدي والإلكتروني ضد النساء في المغرب، بالموازاة مع غياب إطار تشريعي رادع، البرلمان إلى مراجعة القوانين المتعلقة بتلك “الجرائم”، وسط دعوات الأغلبية والمعارضة إلى سنّ نصوص قانونية فعالة للحدّ من ممارسة العنف ضدّ المغربيات.
تتواصل جهود الهياكل التشريعية والمنظمات الحقوقية في المغرب من أجل دعم ترسانة القوانين ووضع حدّ لتنامي ظاهرة العنف ضدّ النساء، حيث اتفقت أحزاب الأغلبية البرلمانية والمعارضة على ضرورة تعديل قانون العنف ضد المرأة.
ودعت فرق المعارضة والأغلبية في جلسة عمومية الثلاثاء بمجلس النواب إلى إقرار أقصى العقوبات في حق كل من يستهدف النساء أو يسعى للنيل من المرأة بصفة عامة، دون اللجوء إلى تطبيق ظروف التخفيف في حالات العنف التي قد تهدد حياة الضحية. ونبهت الفرق ذاتها إلى عدم السماح بالإفلات من العقاب في حال تنازل الضحية، إذا كانت الأفعال الجرمية تهدد حياتها.
وأكد فريق حزب الحركة الشعبية، في سياق مناقشة تقرير المجموعة الموضوعاتية المكونة من برلمانيي الأغلبية والمعارضة حول “شروط وظروف تطبيق القانون المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء”، على أن القانون الذي ظهرت الحاجة إلى تعديله يجب أن يتضمن أيضا العنف الإلكتروني والعنف اللفظي، مع اقتراح نوع من المرونة في وسائل الإثبات، كأن يتم اعتبار شهادات الأطفال وسيلة قوية للإثبات وليست وسيلة للاستئناس فقط.
وبخصوص العنف الإلكتروني قالت البرلمانية فاطمة ياسين إن حزبها تقدم بمقترح قانون لتطويق الظاهرة، وإن العنف الجسدي قد يسبب جروحا وعاهات، كما أن العنف اللفظي بدوره يشكل ضغطا كبيرا على المعنفات، مطالبة بتدارك النقص في الأطباء الشرعيين الاختصاصيين، وأيضا النفسيين.
ونظرا للطفرة الرقمية التي يعرفها العالم، ومن ضمنه المغرب، حيث انتشرت على نطاق واسع ظاهرة الجرائم الإلكترونية أو ما يسمى بالابتزاز الإلكتروني، أكدت أن هذه الجرائم التي لا تخلو من تبعات وانعكاسات تشكل خطورة على الأسر بصفة خاصة، وعلى المجتمع بصفة عامة، والمدخل الأساسي للحماية هو تشجيع النساء على التبليغ عن العنف، واتخاذ إجراءات كفيلة بحمايتهن، وحماية الأطفال أيضا في حالة العنف الزوجي أو الأسري، وضمان حماية حقوق أطفال النساء المتعرضات للاغتصاب.
وكان حزب الاستقلال قد تقدم بمقترح شامل لمراجعة القانون المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء في أبريل 2023، من أجل توفر المغرب على قانون متكامل لمحاربة العنف ضد المرأة، يحافظ على المكتسبات المحققة في النص الحالي، وكذلك من أجل تجويد مقتضيات النص، بما من شأنه أن يسهم في الحد من القلق المجتمعي المتنامي حول العنف الرقمي ضد المرأة.
وكشفت بيانات آخر استطلاع “أفروبارومتر” أن سكان المجال الحضري في المغرب أكثر رفضا للجوء إلى العنف ضد الزوجات بنسبة 78 في المئة مقارنة بسكان المجال القروي بنسبة 70 في المئة، فيما رفض المغاربة الذين يبلغ مستواهم التعليمي ما فوق المرحلة الثانوية هذا النوع من العنف ضد المرأة بنسبة 86 في المئة.
ومن خلال تحليل مجموعة من الأحكام القضائية المتعلقة بالعنف الجنسي، لاحظ أعضاء مجموعة العمل الموضوعاتية المكلفة بتقييم شروط وظروف تطبيق القانون المتعلق بالعنف ضد النساء، أنه بالرغم من أن القانون يقضي بتشديد العقوبة في حالة العنف ضد الأصول، فإن المحاكم تمتع المتهم بظروف التخفيف وبوقف تنفيذ العقوبة عند تنازل المشتكية عن شكايتها لمراعاة صلة القرابة، كما أن هناك بعض المحاكم تقوم بتجريم المبلغات في حالة العنف الجنسي.
سكان المجال الحضري في المغرب أكثر رفضا للجوء إلى العنف ضد الزوجات بنسبة 78 في المئة مقارنة بسكان المجال القروي بنسبة 70 في المئة
من جهة أخرى أبرز فريق حزب التجمع الوطني للأحرار أن القانون تفاعل بشكل متباين مع التطلعات الدستورية والمجتمعية، حيث تنسجم مواد القانون مع روح الدستور في علاقة بحظر ومكافحة كل أشكال التمييز، كما تنسجم مع مقتضيات اتفاقية “سيداو” باستثناء بعض المقتضيات.
وأشار فريق حزب التجمع الوطني للأحرار بالبرلمان إلى “صعوبة تحديد حجم الموارد المالية واللوجستية المخصصة لتنفيذ القانون وضمان استمراريته، بالإضافة إلى ضعف الشراكة والتنسيق والانسجام بين مختلف الفاعلين بالموازاة مع تسجيل غياب نظام معلوماتي لمراقبة وتتبع سيرورة تنزيل القانون في جميع القطاعات الوزارية سواء على مستوى مصالحها المركزية أو اللامركزية، منبها إلى أن المعطيات الإحصائية الرسمية تبرز تطورا في قضايا العنف ضد النساء بعد صدور القانون رقم 103.13، وارتفاعا في عدد ضحايا العنف”.
واعتبرت البرلمانية لبنى الصغيري خلال جلسة عمومية بالمجلس أن “القانون لم يفصل في تدابير الوقاية التي تمنع حدوث العنف ضد النساء، وتركها عامة، ولم يستطع مواجهة إشكالية الإفلات من العقاب، إذ لا يزال الجناة يفلتون من الإدانة”، كما أشارت إلى “إغفال الأجهزة المكلفة بتنفيذ القانون لعملية تقييم المخاطر التي قد تهدد حياة الضحية، وهو ما يؤدي أحيانا إلى تعريضها لعنف جديد”.
وبخصوص الإشكاليات المتعلقة بإثبات جرائم العنف ضد النساء خلصت المجموعة إلى أنه بالرغم من تشديد المشرع العقوبات على جرائم معينة وتجريمه أفعالا جديدة لم تكن مجرمة من قبل، إلا أنه جعل إثبات هذه الجرائم خاضعا للقواعد العامة للإثبات المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية.
واعتبرت فيدرالية رابطة حقوق النساء أن “التحرش الجنسي منصوص عليه في مقتضيات القانون، ولكن الإثبات يبقى على عاتق النساء، وهو عبء صعب جدا، على اعتبار أن العنف يكون غالبا في فضاء خاص، ولا يكون للضحية ما يكفي من الإثباتات بشأنه، وأن العنف بكل أشكاله، سواء الإلكتروني أو الزوجي، وكذلك التحرش الجنسي بمختلف أشكاله، منتشران بشكل كبير في المغرب، وهذا نلمسه في مركز الإيواء في شبكة الرابطة إنجاد ضد عنف النوع.
وذكرت المجموعة البرلمانية اعتماد محاكم على شهادة الضحية، وتحميلها عبء إثبات ما تعرضت له، خصوصا في جرائم العنف الزوجي والأسري، والتي غالبا ما تتم في فضاءات مغلقة وفي أوقات متأخرة من الليل وأماكن تحظى بالخصوصية، ما يعزز العزوف عن التبليغ والتنازل عن الدعوى.