ما زال حزب العدالة والتنمية المغربي يواجه مشاكل كبيرة؛ فبالإضافة إلى الانشقاقات والخسارة المدوية التي مني بها في الانتخابات التشريعية الأخيرة كشف عبدالإله بنكيران، الأمين العام للحزب، عن أزمة مالية يواجهها الحزب تهدد مشاركته في الانتخابات المقبلة.
وقال بنكيران إن ميزانية الحزب لا تكفي لخوض الانتخابات المقبلة، مشيرا خلال الجمع العام لجمعية “محامون من أجل العدالة” إلى أن الميزانية تراجعت بحوالي عشر مرات، حيث تقدر حاليا بـ3 ملايين درهم (300 ألف دولار) فقط في العام، وشدد على أن دخول الانتخابات يتطلب توفير المال الكافي.
وأكد رئيس العدالة والتنمية أن الحزب بعيد عن قيادة الحكومة القادمة أو حتى المشاركة فيها، موضحا في كلمته أنه “لا يظهر لي بأن الذين يأتون الآن إلى العدالة والتنمية ويشاركون معها يرون أننا أقرب إلى رئاسة الحكومة، أو سنصبح وزراء في حكومة أخرى أو نوابا برلمانيين بأعداد كبيرة”. وأضاف أن ذلك لا يظهر الآن، مستدلا على هذا بالعدد القليل من الحاضرين في القاعة.
وكشف الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، أمام هيئة المحامين التابعة له، الأحد أنه “عندما جئنا في المجلس الوطني الأول بعد المؤتمر طلبت القيام باكتتاب لتوفير المال من أجل التوجه للانتخابات، والتزمت بـ5 آلاف درهم في الشهر ولم يلتزم معي سوى شخص واحد هو أخي، ومن حينها إلى الآن التزم ثلاثون شخصا بما مجموعه 30 ألف درهم للشهر، وهذا غير كاف للدخول إلى الانتخابات”.
ولفت إلى أن خصوم الحزب لديهم الأموال، مضيفا أن حزب الأحرار يتوفر على ميزانية ضخمة ولديه أغنياء إضافة إلى الدعم المالي للدولة خلال الانتخابات.
وأكد رشيد لزرق، رئيس مركز شمال أفريقيا للدراسات والأبحاث، أن “عبدالإله بنكيران مازال يحاول تجاوز آثار هزيمة انتخابات 2021 على حزبه، ويدفع بقوة عكس التيار للعودة إلى المشهد كما كان عليه قبل تلك الاستحقاقات”، مشددا على أن “هذا الأمر صعب جدا ويحتاج قبل الحديث عن أزمة مالية إلى تحقيق الوضوح والوعي بخطورة المرحلة والتفكير في مصلحة الوطن قبل الحزب والمكاسب الانتخابية السياسية”.
واعتبر لزرق أن الحزب مدعو إلى إحداث تغيير مقارنة مع المرحلة السابقة، التي تميزت بلعبه على الخلط بين الدعوي والسياسي، ما ولّد لديه طموحا غير عادي نحو الهيمنة من خلال خطاب شعبوي، وأن ادّعاء التمايز لا يعدو كونه تكتيكا سياسيا فرضته المرحلة.
ويواجه الحزب وطأة التشظي والانقسامات منذ الهزيمة الانتخابية في عام 2021 التي قصمت هيكل الحزب، إذ لفت عبدالإله بنكيران إلى أن ما بين 10 و30 في المئة فقط من الأعضاء هم من يؤدون التزاماتهم المالية، موضحا أن الحزب رغم توصله بالدعم السنوي من طرف الدولة إلا أنه “منذ جئنا ونحن نؤدي الديون التي علينا، ومنها حوالي 100 مليون درهم التي ندين للدولة بها”.
ووصف بنكيران المال بأنه قوام الأعمال، مشددا على أن من أسباب نجاح الحزب خلال انتخابات 2015 و2016 تغطية كافة المكاتب على المستوى الوطني التي كلفت ما يفوق 5 ملايين درهم (500 ألف دولار)، قائلا “ليس لأننا لم نفز في انتخابات 2021 نترك الساحة فارغة ونذهب إلى بيوتنا، فاليوم مسؤوليتنا أكبر”.
وليست المتاعب المالية وحدها ما يربك عمل العدالة والتنمية بل أيضا خرجات بعض قيادييه السابقين الذين يكشفون أخطاء ارتكبها الحزب، سواء عند نشأته أو خلال تحمله مسؤوليات الحكومة والبلديات، وهو ما يحول دون ترميم التصدعات الداخلية في ظل ما وصفه هؤلاء بتفرد بنكيران بالقرار الحزبي.
وفي هذا الصدد رفض بنكيران هجوم القيادي والوزير السابق مصطفى الرميد على رئيس الحكومة السابق سعدالدين العثماني في أحد البرامج التلفزيونية قائلا “بالطبع ارتكب العثماني أخطاء، وأنا أؤاخذ عليه بعض الأمور، لكن لأربعين سنة، كنا جنبا إلى جنب. هو رجل عالم وعفيف ونزيه، واستمر في تسيير الحكومة لمدة خمس سنوات. كانت هناك نتائج سلبية، إلا أن هذه هي السياسة، مرة طالعة مرة هابطة، لكن هذا لا يبرر أن يقال فيه كلام غير لائق”.
وحتى يوضح مدى العلاقة السيئة مع الرميد استدرك بنكيران قائلا “بصراحة أنا لا أقصد الخرجة الإعلامية لمصطفى الرميد، لأنني لم أسمعه ولا أريد سماعه”.
وتراجع عدد أعضاء العدالة والتنمية من 40 ألفا إلى ما بين 13 و20 ألفا، وسبق لعبدالإله بنكيران أن هدد بشطب عضوية أي منتسب إلى الحزب يخلّ بأداء الواجب المالي المخصص للأعضاء.
وأكد هشام عميري، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري، أن “تراجع عدد أعضاء حزب العدالة والتنمية لا يمكن ربطه بالجانب المالي فقط، وإنما أيضا بالسلوك السياسي لدى النخبة الحزبية بشكل عام ومنها حزب العدالة والتنمية، وهو ما جعل الحزب يفقد مجموعة من أعضائه، الأمر الذي سيساهم في تراجع ما تبقى من مكانة حزب العدالة والتنمية”.
وكان عبدالقادر عمارة أمين مال الحزب قد استقال مباشرة بعد الرميد، احتجاجا على تفرد بنكيران بالقرار وتبني الأمانة العامة للحزب بيان الذنوب والمعاصي كسبب في الزلزال الذي ضرب منطقة الحوز قرب مراكش السنة الماضية.