العلاقات المغربية – النيجرية: نافذة على الأطلسي وأخرى على المستقبل
استلمت وزيرة الطاقة في حكومة النيجر الانتقالية الأستاذة أمدو حواء، الأحد، 9 مولدات كهربائية جديدة من المملكة المغربية بقدرة 22.5 ميغاوات، وذلك في إطار العلاقات الثنائية بين البلدين.
وقالت الوزيرة إن هذه الشراكة تهدف إلى تعزيز قدرات النيجر في إنتاج الطاقة، وتنويع مصادرها، وتقليل اعتمادها على نيجيريا وفق رؤية الحكومة الانتقالية. وأكد السفير المغربي في نيامي علال الأشهب، على أن هناك مشاريع أخرى قيد التنفيذ من أجل توطيد علاقات الصداقة والتعاون بين البلدين.
وبحسب مراقبين، فإن لهذه المساعدات أهمية اعتبارية لدى الطرفين، وهي ترمز للأبعاد الإستراتيجية التي تتميز بها العلاقات بين الرباط ونيامي، سواء من حيث عراقتها ورسوخها في ظل الاحترام المتبادل، أو من حيث الرؤى المستقبلية المشتركة التي بدأت تتكرس بقوة بالتزامن مع التحولات المهمة التي تعرفها دول الساحل ولاسيما بعد الإعلان على مبادرة العاهل المغربي الملك محمد السادس بتمكينها من النفاذ إلى المحيط الأطلسي.
ويشير أغلب المراقبين إلى نجاح المغرب في توطيد علاقاته مع النيجر وبقية دول الساحل بما فسح أمامها المجال لتتقدم صفوف القوى الصاعدة المتنافسة على تكريس نفوذها في المنطقة مثل تركيا وإيران، وخاصة بعد مغادرة فرنسا وتحجيم دور الجزائر نتيجة تورطها في الشؤون الداخلية والملفات السيادية لدول الجوار.
تعاون المغرب والنيجر يلعب دورا مهما في تحقيق الاستقرار من حيث تبادل الخبرات في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة
ويضيف المراقبون أن علاقات المغرب والنيجر تشكلان تنفيذا عمليا لمشروع النافذة على الأطلسي، وتجسيدا للنافذة المفتوحة على المستقبل انطلاقا من قاعدة التعاون الثنائي بمرجعياته التاريخية والروحية والاجتماعية والثقافية وأبعاده الإستراتيجية والجيوسياسية.
وكان رئيس الوزراء النيجري علي الأمين زين بادر بزيارة الرباط في فبراير الماضي بصفته مبعوثا من الجنرال عبدالرحمان تياني رئيس المجلس الوطني لحماية الوطن، رئيس الدولة، حيث حمل للقيادة المغربية تقدير بلاده لمبادرة الملك محمد السادس بشأن بوابة الأطلسي، وللدعم الكبير الذي تقدمه الرباط لنيامي في سياق الرؤية المغربية المتقدمة للعلاقات المبدئية مع الدول الأفريقية وخاصة دول الساحل والصحراء في إطار التعاون المشترك والمصالح المتبادلة واحترام الخصوصيات السياسية والثقافية والسيادة الترابية والقرار الوطني لكل دولة.
والأسبوع الماضي، أعرب وزير النقل النيجري الكولونيل ماجور ساليسو ماهامان ساليسو، عن شكره لدعم المغرب لبلده الذي انخرط منذ 2023 في دينامكية جديدة تروم الحفاظ على كرامة شعب النيجر، وقال إنه أطلع خلال لقاء مع وزير النقل واللوجستيك المغربي محمد عبدالجليل على الفرص الممنوحة للولوج إلى الساحل الأطلسي التي يوفرها ميناء الداخلة، الذي هو في طور الإنشاء، معربا عن إعجابه بكون 100 في المئة من الأشغال في هذه البنية التحتية لهذا الميناء قد أنجزت من طرف خبراء مغاربة.
وأشاد الوزيران، بجودة علاقات التعاون بين المغرب والنيجر، معربان عن رغبتهما في تعزيزها بشكل أفضل، خاصة في قطاع النقل، من خلال إحداث لجنة عمل تتولى وضع إطار عام للتعاون التقني لتبادل الخبرات وتطوير المهارات في هذا المجال، كما بحثا أهمية إعطاء الأولوية للسلامة الطرقية كمحور رئيسي للعمل المشترك، وذلك من خلال وضع تجربة الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية رهن إشارة الجانب النيجري، بالإضافة إلى استفادة النيجر من خبرة المغرب في قطاعي المطارات والطيران المدني.
وأكد الوزير المغربي استعداد بلاده التام،” لمد يد العون لهذا البلد الشقيق، خاصة في مجال النقل تنفيذا للتعليمات الملكية، مذكرا بأن المملكة وضعت بنياتها التحتية الطرقية والسككية والمينائية رهن إشارة بلدان الساحل، داعيا نظيره النيجري لحضور المؤتمر العالمي الرابع للسلامة الطرقية الذي سيعقد في مراكش في فبراير 2025.
وكانت نيامي أعلنت في 23 ديسمبر 2023 انضمامها إلى المبادرة الدولية، التي أطلقها الملك محمد السادس لتعزيز ولوج مجموعة دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، وهو ما أثار انزعاج الجزائر التي دخلت علاقاتها مع النيجر مرحلة من الخلافات الحادة على أكثر من صعيد.
وقام المغرب بدعم النيجر في مجالات مختلفة منها التعليم والتدريب المهني وتحسين البنية التحتية، بما يساعد على تعزيز القدرات البشرية وتوفير فرص اقتصادية للشباب، ويساهم بالتالي في تقليل معدلات البطالة والفقر.
نيامي أعلنت انضمامها إلى المبادرة التي أطلقها الملك محمد السادس لتعزيز ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي
كما يلعب تعاون المغرب والنيجر دورا مهما في تحقيق الاستقرار والتنمية، من حيث تبادل الخبرات في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري، واستفادة النيجر من رؤية الرباط الثقافية والحضارية في معالجة ظاهرة التطرف وتكريس روح التضامن والمحبة والسلام سواء من داخل المنظومة الاجتماعية الواحدة أو في العلاقة بين الدول والشعوب والمجتمعات.
وفي أبريل الماضي، استقبلت القوات المسلحة الملكية المغربية وفدا عسكريا رفيع المستوى من جمهورية النيجر في إطار العمل على بحث سبل تعزيز التعاون العسكري بين البلدين في مجالات عدة، بما في ذلك التدريب وتبادل الخبرات وتطوير القدرات العسكرية. كما أتاحت الفرصة لتبادل وجهات النظر حول التحديات الأمنية المشتركة وسبل مواجهتها بفعالية.
وأكدت الجهات العسكرية الرسمية في البلدين على أهمية هذه الزيارة في تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين وتعزيز التعاون في مجال الدفاع والأمن، وجرى خلال اللقاءات التشديد على أهمية تبادل الخبرات والمعرفة في سبيل تعزيز القدرات العسكرية ومكافحة التهديدات الأمنية المشتركة.
وتعتبر النيجر صديقا قديما للمملكة المغربية، ومناصرا جديا لوحدتها الترابية ولنفوذها الكامل على أقاليمها الجنوبية، وفي ديسمبر 2017 ، قال ناصر بوريطة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، إن “المغرب والنيجر تربطهما علاقات قوية قائمة على التضامن والدعم التبادل”، مشيدا بكون النيجر من الدول التي لم يسبق لها أن اعترفت بالجمهورية الوهمية للبوليساريو رغم الضغوط والجوار، كما كانت أيضا من الدول الأولى التي دعمت وأيدت عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي وانضمامه إلى منظمة “سيدياو”.
ويرى محللون سياسيون، أن المملكة تؤمن باستمرارية علاقاتها مع الدول دون تدخل في شؤونها الداخلية، وقد نجحت في التفاعل الايجابي مع التطورات التي شهدتها منطقة الساحل باحترام القرارات السيادية لتلك الدول، حيث بادرت بفتح أبواب الحوار مع السلطات الجديدة فيها، وبتقديم المساعدات التي تسهم في تكريس الأمن والاستقرار في المنطقة.