هن نساء عربيات معظمهن يعانين من الهشاشة الاجتماعية، اخترن “زواج الفاتحة” في المساجد في بلجيكا، هرباً من الفقر في بلدانهن الأصلية، أو لمنح علاقتهن الجنسية خارج مؤسسات الزواج غطاءً دينياً، لكن أحلامهن البسيطة قد تتحول إلى كوابيس بعد تخلي الشركاء عنهن، في بلد لا يتقنّ لغته ويجهلن قوانينه.
أم عازبة
إيمان (اسم مستعار) مهاجرة مغربية، كانت تعيش في إسبانيا قبل قرارها الزواج بالفاتحة من لاجئ عربي في بلجيكا، قائلة، “كنت أرغب في تأسيس عائلة وإنجاب الأطفال في ألمانيا، لكن لم أكن أعلم ما ينتظرني”.
وتتابع إيمان، البالغة من العمر 39 سنة، “بمجرد ما تزوجت به بالفاتحة في المسجد، أصبح يهينني ويشتمني. لقد كان يعاملني بطريقة سيئة”.
بعد سنة، قررت إيمان الرجوع إلى عائلتها في إسبانيا. وتقول “بعدما عدت، اكتشفت حملي وأني سأصبح أماً عازبة، لأن هذا النوع من الزيجات غير معترف به في أوروبا”.
“زواج الفاتحة” هو زواج من دون عقد، يتم في المسجد تحت إشراف الإمام. وعلى الرغم من كونه زواجاً مُشهراً، لكن تداعيات سلبية تترتب على الزوجة من حيث الحقوق.
تتخوف إيمان من العودة إلى بلجيكا، لأن وثائق إقامتها انتهت صلاحيتها، كما تخشى من تهديدات الشريك بأن يسلبها الطفل، وتعاني من ضغوط اجتماعية ونفسية، بسبب رفض عائلتها أن تصبح ابنتها أماً عازبة.
وتقول “لقد تعبت نفسياً، الجميع يلومني لأني تزوجت بالفاتحة”.
تنشر ضحايا “زواج الفاتحة” قصصهن على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بالنساء المهاجرات في أوروبا، بحثاً عن حلول لمشكلاتهن، لأنهن لا يتقن اللغة الفرنسية او الفلامانية، وليست لديهن القدرة على التواصل مع الجمعيات والمؤسسات الحكومية ببلجيكا.
تعدد الزوجات في بلجيكا
من جهته، يوضح محمد الزيات، وهو خبير في الهجرة ومتطوع في العمل الاجتماعي مع المهاجرين العرب في بلجيكا، أن أسباب إقبال المهاجرين العرب على “زواج الفاتحة” أن “بعضهم لديه صعوبات في الحصول على الوثائق الشخصية من بلدانهم الأصلية بسبب الحرب، ويعتبرون زواج المسجد أفضل وسيلة للارتباط”.
ويضيف، أن “السبب الثاني هو رغبة الرجال في الزواج من عدة نساء، ولأن تعدد الزوجات مرفوض قانونياً في ألمانيا، يلجأون إلى زواج المسجد، يوثق الرجل زواجه الأول قانونياً، بينما الزواج بالثانية أو الثالثة وأحياناً الرابعة، يتم فقط بالفاتحة في المسجد”.
ويعتبر محمد أن “الرجال يستغلون الزواج الإسلامي من أجل التهرب من المسؤولية”.
من تداعيات “زواج الفاتحة”، أن “الرجل لا يدفع النفقة لشريكته بعد الانفصال، وهناك حالات كثيرة لنساء حرمن من حقوقهن، كما أن الطفل يحرم من حقوقه إذا لم يعترف به الأب”.
ينظر إلى الزواج الإسلامي في بلجيكا على أنه مساكنة، وعلاقة بين رجل وامرأة اختارا العيش معاً، لكن الجالية العربية تنحي باللائمة على المرأة، التي تتحمل بمفردها مسؤولية تعرضها لما يصفونه استغلالاً جنسياً.
ويشدد محمد على أن ضحايا هذا النوع من العلاقات هم الأطفال، داعياً إلى تكثيف حملات التوعية.
غطاء شرعي
ويشير محمد، إلى أن إقبال بعض المهاجرين العرب على “زواج المساجد”، لأجل منح غطاء شرعي للعلاقة الجنسية خارج مؤسسات الزواج المدني، يجنبهم الإحساس باللوم وتأنيب الضمير.
ويضيف، في حديثه ، أن “المرأة في هذا نوع من الزيجات تعاني من الهشاشة والتبعية والحرمان من أبسط حقوقها وعدم الاستقلالية، ما يعرضها لمشكلات نفسية”.
ويشدد على أنه في منظومة “زواج الفاتحة” يجب إنصاف المساجد، لأنها لا تتحمل مسؤولية انتشار هذا نوع من الزيجات في بلجيكا، موضحاً “في المساجد هناك لجان وأئمة لا يرخصون لذلك، لكن في المقابل هناك بعض الأئمة (وعددهم قليل) يشرفون على زواج الفاتحة، بسبب عدم إدراكهم لتداعياته”.
ويدعو إلى “ضرورة تحقيق التواصل من داخل فضاء المسجد بصفته قِبلة للجميع مع هذه الفئات الهشة اجتماعياً، التي تعيش على الهامش، وتوعيتهن بتداعيات زواج الفاتحة، لأن معظمهن يعانين من تحديات اجتماعية أو اقتصادية أو قانونية متعلقة بحق الإقامة”.
ويضيف “يجب توظيف مساعدات اجتماعيات في المساجد لديهن خبرة في التواصل وتوفير الدعم النفسي والمعنوي والمادي والقانوني لمن هن في وضعية هشة وتكثيف التواصل معهن وتوعيتهن بتداعيات هذا الزواج الخارج عن القانون المدني”.
حماية النساء
وعن كيفية حماية النساء العربيات خارج بلجيكا، من التعرض للاستغلال تحت غطاء زواج الفاتحة، يجيب “في الدول المصدرة لهؤلاء النساء، يجب العمل على التوعية وأن تدقق وزارة العدل في دعوات التجمع العائلي، لكن يصعب إقناع الشابات الفقيرات لأنهن يرين زواج الفاتحة حلاً لهن للخروج من الفقر والوصول إلى الفردوس الأوروبي، ولا يدركن عواقبه الوخيمة”.
ويدعو محمد النساء العربيات المقبلات على “زواج الفاتحة” في بلجيكا إلى التواصل مع جمعيات مغربية تهتم بقضايا الهجرة والاندماج، من أجل الحصول على معلومات ومعرفة الواقع الذي ينتظرهن في حالة تزوجن بهذه الطريقة غير القانونية.