المغرب يمضي في مسار التخلص من العشوائيات.. رغم التعقيدات
تبذل الحكومة المغربية جهودا حثيثة لتفكيك التعقيدات التي تعترض تنفيذ مبادرة “مدن بدون صفيح”، وهي مبادرة رائدة هدفها التخلص من العشوائيات والنهوض بالواقع المعيشي لمئات الآلاف من الأسر المغربية، وتحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية.
وكشفت وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة فاطمة الزهراء المنصوري أن الوزارة بلورت خطة عمل جديدة، تتعلق بتنزيل برنامج خماسي 2024 – 2028 للقضاء على ما تبقى من دور الصفيح وتمكين قاطنيها من الحصول على سكن لائق.
وسلطت المنصوري أمام لجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة، بمجلس النواب، الضوء على التحديات المرتبطة بالارتفاع المستمر لعدد الأسر المعنية بالاستفادة من البرنامج مع تسجيل ضعف انخراط الأسر المستفيدة في ما يتعلق بالعمليات السكنية المنجزة، مما يؤخر عمليات الترحيل، وضعف جاذبية مراكز الاستقبال وعدم كفاية التجهيزات الأساسية المنجزة.
وضمن الإكراهات لفتت وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، إلى التكلفة المالية الإضافية والمرتفعة لأشغال التهيئة الخارجية لبعض العمليات السكنية والتي تستوجب مساهمة شركاء آخرين، إضافة إلى صعوبة تعبئة العقار، وصعوبة فتح مناطق للتعمير والتي يوجد بها العقار العمومي المعبأ لفائدة البرنامج.
وعرضت المنصوري تفاصيل حول النقائص التي تحول دون التحكم الجيد في برنامج “مدن بدون صفيح”، ويتعلق الأمر بإشكالية ضبط المستفيدين، وغياب معايير أهلية موحدة، وإشكالية تصفية الوعاء العقاري وعقلنة استغلاله، وغياب مقاربات متكاملة تشمل بالإضافة إلى توفير المرافق العمومية والخدمات العامة الأساسية، ضعف تنسيق البرامج في شموليتها، مع عدم تحديد واضح لمسؤوليات مختلف المتدخلين.
وتسعى الحكومة إلى تجاوز كل تلك التحديات لتوفير الدعم اللازم لمبادرة “مدن بدون صفيح” والتي تستهدف تقليص الفوارق في المجتمع المغربي، وتحسين ظروف حياة ومستوى معيشة المواطنين، ومحاربة مظاهر الإقصاء الاجتماعي، من خلال إحداث إعانات مالية مباشرة لدعم السكن لفائدة الراغبين في اقتناء مساكن مخصصة للسكن الرئيسي، وإيجاد حلول لمشاكل السكن غير اللائق، وتأهيل المباني الآيلة للسقوط.
وكان المجلس الأعلى للحسابات، (مؤسسة دستورية) أعلن ضمن تقرير سابق له أن برنامج “مدن بدون صفيح” فشل في تحقيق هدفه الرئيسي في القضاء على العشوائيات في 85 مدينة، وفي الوقت الذي استهدف البرنامج إعادة إسكان 270 ألف أسرة، تزايد العدد إلى ما يفوق 450 ألف أسرة.
وأكد المجلس أن هناك تدابير وإجراءات غير كافية لمواجهة ظاهرة العشوائيات، وغياب إطار قانوني مناسب لمكافحتها وعدم فعالية وسائل الوقاية، وكذلك محدودية في آليات إنتاج السكن الاجتماعي الموجه للأسر الفقيرة، فضلا عن ضعف انسجام بين أدوات التدبير الحضري وسياسة الإسكان، بما في ذلك التدبير الحضري الاستباقي لتطور المدن والدراسات الحضرية، وعدم ملاءمة المساعدات العمومية وأدوات التمويل المتاحة.
وأبرز النائب عن كتلة الأصالة والمعاصرة عبدالفتاح العوني أن تخطي الإكراهات ذات الأبعاد التقنية – العقارية أو التعميرية، سيسهم في حلحلة المشاكل المتعلقة بارتفاع نسبة التمدن التي تؤدي إلى تكاثر الأسر القاطنة بدور الصفيح، مثمنا الإجراءات التي قامت بها الوزارة لإعادة تأهيل السكن غير اللائق والتي تم من خلالها بناء مجموعة من المدن والأحياء الجديدة بضواحي كبريات المدن، كان الهدف الأساسي منها هو تحسين ظروف السكن لأزيد من ثمانية ملايين من المواطنات والمواطنين.
وفي معرض جوابها على سؤال برلماني بمجلس النواب، أوضحت فاطمة الزهراء المنصوري أنه رغم تقليص العجز تبين أن هناك خصاصا في السكن، بحيث لم يحقق البرنامج الأخير للسكن الاجتماعي الذي انتهى في ديسمبر 2020، سوى 650 ألف وحدة سكنية إضافة إلى 100 ألف وحدة في طور الإنجاز في أفق سنة 2026، مسجلة أنه خلال 20 سنة الأخيرة، تمكن 4 ملايين مغربي ذوو الدخل المنخفض من الولوج إلى سكن لائق.
وفي هذا الإطار أعلنت المسؤولة الحكومية أنه تمت معالجة وضعية 3516 أسرة خلال سنة 2023، كما تم إعلان 60 مدينة بدون صفيح، وذلك في إطار البرنامج الوطني “مدن بدون صفيح”، الذي أعطى انطلاقته العاهل المغربي الملك محمد السادس سنة 2004، والبرنامج يحظى بأولوية كبيرة لدى الحكومة باعتباره حقا دستوريا وركيزة من ركائز الدولة الاجتماعية. وتحظى مبادرة “مدن بدون صفيح”، بعناية خاصة من الملك محمد السادس، نظرا لإسهامه الفعال في تقليص الفوارق الاجتماعية، إضافة إلى الدفع بالرأسمال البشري للأجيال الصاعدة، لاسيما على مستوى الصحة والتعليم.
وأكد رشيد الساري، الخبير المالي والمحلل الاقتصادي، في تصريحات لـ”العرب” أن البرنامج الجديد لدعم السكن الذي يحظى بإشراف ورعاية ملكيين، سيعمل على تقليص العجز السكني، وتسريع وتيرة استكمال برنامج “مدن بدون صفيح”، حيث إن هذه الورش ستمكن من تحسين الوضع الاجتماعي، وتسهيل ولوج الطبقات ذات الدخل المنخفض والطبقة المتوسطة إلى السكن.
وبخصوص حصيلة البرنامج الوطني “مدن بدون صفيح”، أفادت المنصوري بأن 347 ألفا و277 أسرة تمت معالجتها إلى متم يونيو 2024، لافتة إلى أن 117 ألفا و505 أسرة متبقية، أي بنسبة 25 في المئة، من أصل 465 ألف أسرة تم إحصاؤها إلى غاية متم يونيو 2024، مع تسريع وتيرة تحسين ظروف سكن حوالي 44 ألف أسرة، بنسبة معالجة سنوية بلغت 290 في المئة، مما مكن من انتقال الوتيرة السنوية من 6200 أسرة خلال الفترة الممتدة ما بين 2018 – 2021، إلى 18 ألف أسرة خلال السنتين ونصف الأخيرة، أي بحوالي ثلاثة أضعاف.
وأكدت الوزيرة المغربية أن الوزارة تعمل على تقليص انتشار دور الصفيح مقارنة بالعشر سنوات السابقة، مبرزة أن معدل التزايد انخفض من 10 آلاف و400 أسرة سنويا ما بين 2012 – 2021، إلى 6500 أسرة سنويا خلال الولاية الحكومية الحالية، أي بنسبة 48 في المئة.