مغربيات يتحدين العنصرية بالزواج من مهاجري جنوب الصحراء
تنتقد جمعيات مدافعة عن حقوق النساء الحملات الأخيرة الرافضة لزواج المغربيات من أفارقة جنوب الصحراء معتبرة أنها عنصرية واضحة وضرب لقيم المرأة المغربية وحقوقها التي تجعلها حرة في اختيار شريك الحياة المناسب.
تصاعدت في الأيام الأخيرة بالمغرب حملات إلكترونية ضد “زواج المغربيات من أشخاص منحدرين من بلدان جنوب الصحراء” بعد ارتفاع طلبات زواج سينغاليين في المغرب إلى 12 ألف طلب في عام 2023، حيث اعتبر البعض أن هذا الأمر يمكن أن يشكل خطرا على فقدان المملكة لهويتها، فيما رأى فيه آخرون فرصة للمساهمة في إدماج هؤلاء المهاجرين وإغناء الهوية والثقافة المغربيتين.
وخلال السنوات الماضية، كانت الحكومة المغربية قد رفضت دعوات التمييز والكراهية ضد المهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء التي سبق وأن انتشرت على الفضاء الرقمي بالمغرب.
واتهم عدد من النشطاء عبر فيسبوك النساء المغربيات بـ”تفضيل الزواج من شخص ينحدر من بلدان جنوب الصحراء” عوض رجل يحمل الجنسية المغربية. وانتقد هؤلاء نشر صور وفيديوهات عقد قران مغربيات برجال من بلدان جنوب الصحراء، معتبرين أن “الأمر أصبح مستشْريا بالمغرب”.
ويرجع الأكاديميون في مجالي علم الاجتماعي وعلم النفس، أسباب انتشار هذه الحملات، أو قبول المجتمع المغربي لهذا النوع عن غيره من الزيجات بين الكثير من بلدان أوروبا وآسيا، إلى كون الرجل المغربي لا يتقبل زواج مغربية من غيره، حتى لو لم تكن من أقاربه إلى جانب أصوله العرقية والدينية.
ويقول المتخصصون أن ظاهرة الزواج المختلط في المغرب موجودة وليست جديدة، ومن العبث أن تنتشر العنصرية بين بلدين تربطهما روابط قوية على جميع الأصعدة، وبما أن المغربيات من أكثر نساء العالم طلبا للزواج نظرا لتميزهن بالرغبة أكثر في الاستقرار وتأسيس أسرة، وكذلك الرجل السنغالي يتميز بأخلاق الصدق والوفاء كما أن السينغاليين شعب مسالم وليسوا من صانعي الاضطرابات والمشاكل كما يفعل منتمو الجنسيات في بلاد أفريقية أخرى”، بحسب الباحث المغربي علي الشعباني.
وتعبر مؤشرات ارتفاع طلبات الزواج بين السنغاليين والمغربيات، عن تحول شهده المغرب في السنوات الأخيرة على مستوى هجرة الأفارقة بغاية الاستقرار وليس العبور.
وأشار الشعباني إلى أن إثارة الجدل في ورفض هذا النوع من الزواج على مواقع التواصل والتشجيع على العنصرية والسخرية، تُظهر مدى غياب دور الدراسات والتأثير الخطير لهذه المنصات في انتشار خطابات الكراهية والتمييز.
وخلص إلى أن انتقاد الزيجات بين المغربيات ومهاجري جنوب الصحراء هي مجرد أحكام مسبقة لأن المغرب وهذه الدول تربطها علاقات تجارية وهو ما أسهم في تزايد الزواج بين رجال من بلدان أفريقيا ومغربيات منذ زمان.
وتنتقد جمعيات مدافعة عن حقوق النساء حملات رواد مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان” ضد توطين أفارقة جنوب الصحراء”، واعتبرتها “عنصرية واضحة ضدهم، وأيضا ضرب في قيم المرأة المغربية وحقوقها التي تجعلها حرة في اختيار شريك الحياة المناسب، كما هو الحال بالنسبة للرجل المغربي”.
وقالت فتيحة اشتاتو، محامية وعضو بفيدرالية رابطة حقوق النساء، إن “للمرأة كما للرجل حرية اختيار شريك الحياة المناسب، ولا يمكن أن نشّن حملة على فئة محددة سواء من جنوب الصحراء أو أي بلد آخر”. وأضافت في تصريح لموقع “هسبريس” المحلي، أن الاتفاقيات الدولية تحمي حق اختيار شريك الحياة المناسب حسب الرغبة الذاتية”، مشددة على أن “المواطنين القادمين من دول جنوب الصحراء الموجودين بالمغرب بشكل قانوني لهم أيضا الحق في الزواج”.
وتابعت المحامية والفاعلة الحقوقية “هذه الحملات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تعتبر فعلا عنصريا واضحا، ويجب على أصحابها التوقف عن هذه الممارسات التي تضر معنويا”.
وأكدت أن هذه الحملات تمس أيضا “خصوصية الأشخاص، وحقوق الإنسان بشكل عام، وتسْتشري العنصرية داخل المجتمع المغربي ضد القادمين من جنوب الصحراء”، مستبعدة بذلك “تأثير زواج المغربيات بالقادمين من جنوب الصحراء على البنية الثقافية المغربية المجتمعية”. وأوضحت أن زواج المغربيات من الأجانب أو المغاربة الرجال من الأجنبيات “يشجّع تنوع وتماسك الثقافة المغربية الغنية”.
وهذه ليست المرة الأولى التي ارتفع فيها نقاش زواج المغربيات من الأجانب، إذ حمل نشطاء مغاربة عبر مواقع التواصل الاجتماعي في السنوات الماضية “هاشْتاغات” تدعو إلى “تزْويج المغربيات من المغاربة فقط”.
ويعتبر يوسف فريد عضو المنتدى المغربي للمواطنة وحقوق الإنسان أن المسألة التي تجب مراعاتها في هذا الموضوع هي “زواج مغربية بشخص مسلم حفاظا على دين المغاربة وتقاليدهم”. ويرى أنه لطالما تم احترام هذا الشق فإن “زواج المغربيات من الأشخاص المنحدرين من جنوب الصحراء أو أي مكان آخر من العالم ليست إشكالية، بل بالعكس الأمر عادي جدا”. وتابع “هذه الحملات غير مبررة، وليس لها أي هدف واضح يمكن من خلالها استنباط نقاش مجتمعي حقيقي، وتعبر فقط عن عنصرية أفراد قلائل وسط تسامح وأخلاق التسامح التي يتحلى بها المغاربة”.
ارتفاع طلبات الزواج بين أفارقة من جنوب الصحراء ومغربيات يعبر عن تحول شهدته المملكة على مستوى هجرة الأفارقة بغاية الاستقرار
واستطرد عضو المنتدى المغربي للمواطنة وحقوق الإنسان بأن “زواج مغربي من امرأة أجنبية لا يثار حوله مثل هذا النقاش”، معتبرا أن “الأمر ليس عدلا أن نتهم المغربيات بما يقوم به الرجال المغاربة أيضا”. ودعا فريد هؤلاء النشطاء إلى “التعلّم من تاريخ المغرب، الذي عرف التنوّع، والتسامح، واحترام ثقافات متعددة”.
وربط النشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي منشوراتهم حول هذا الموضوع بـ“تراجع نسب الزواج بالمغرب لأسباب اقتصادية، واجتماعية”.
وفي أكتوبر من العام الماضي، قالت المندوبية السامية للتخطيط إن “محاكم المغرب استقبلت أكثر من أكثر 60 ألف حالة طلاق شقاق في السنة الواحدة”.
ويرى محمد الخشاني، أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس، ورئيس الجمعية المغربية للدراسات والبحوث حول الهجرة؛ أن الإقبال المتزايد لزواج النساء المغربيات برجال من جنسيات أفريقية أخرى وفي مقدمتها السنغال، يعد أمرا إيجابيا يؤكد على الانفتاح والتعايش مع الآخر، ويسهل في الآن ذاته اندماج هؤلاء المهاجرين بالمملكة.
وتابع أن هذه الظاهرة تعد صحية للغاية وإيجابية، وتظهر أن المغاربة منفتحون على مسألة إدماج أشقائهم الأفارقة في أوساطهم الأسرية وليس داخل المجتمع فقط، حيث تقوي الروابط والوشائج وتعزز العلاقات بالرغم من اختلاف الثقافات والتقاليد.
وأشار إلى أن حديث البعض عن تهديد هذا النوع من الزواج المختلط بين المغربيات والسنغاليين للنسل والهوية المغربيين ينم عن جهل من يحمل هذه الأفكار في مخيلته السوداوية والمفتقدة للمنطق.
وأكد أن 15 في المئة على الأقل من المغاربة ينحدرون من أفريقيا جنوب الصحراء، موضحا أن المغرب منذ قرون يشهد تواجد أصحاب البشرة السوداء والسمراء والبيضاء، والذين يتعايشون مع بعضهم في سلم وأمان بعيدًا عن استحضار جانب الأعراق أو غيره من الأمور المعززة للتفرقة والتمييز.
ويرجع محمد الخشاني إقبال المغربيات على الزواج من المهاجرين الأفارقة إلى تطور المجتمع المغربي وتغير نظرة شريحة مهمة منه إلى الأجانب أصحاب البشرة السوداء، مشيرا إلى أن من العوامل المؤثرة في هذه الخطوة أيضا؛ وجود أزمة الزواج ببلادنا، لاسيما من طرف الشباب، الذين أصبح عدد مهم منهم يبتعد عن الإقدام على خطوة بناء أسرة.
وأوضح أن تفضيل النساء من المغرب لأصحاب الجنسية السنغالية على الخصوص عائد بالأساس إلى العلاقة الرابطة بين البلدين وشعبيهما، وكذلك وجود عديد المشتركات بينهما؛ والتي في مقدمتها اعتناقهما للدين الإسلامي وقرب الثقافات والتقاليد والعادات.
وتابع أن هناك رجالا مغاربة من أصحاب البشرة السوداء الداكنة يتزوجون من مواطناتهم ذوات البشرة البيضاء، ولا يتم الحديث عن وجود أي تهديد للنسل أو الهوية، بالرغم من أن هؤلاء الذكور أصولهم من بلدان الساحل الأفريقي مثلا، مشيرا إلى أن ذلك يؤكد صحة وسلامة اختيار المغربيات اللواتي أقدمن على الزواج بأشخاص من أفريقيا جنوب الصحراء.
ويرى أنه مثلما يتم اختيار بعض المغربيات على الزواج من أوروبيين، هناك من أصبحن منهن يفضلن تكوين أسرة مع أشخاص من بلدان أفريقية أخرى كالسنغال؛ التي يُعرفُ مواطنوها الأخلاق العالية والطيبة وحسن المعاملة والجدية، والتي كلها صفات تبحث عنها النساء في شريك حياتهن بمعزل عن باقي التفاصيل التي قد تكون شكلية.
وشهد العقدان الأخيران زواج عدد كبير من الرجال الموريتانيين والسنغاليين بنساء مغربيات، حيث يعيشون سواءً في المملكة أو في بلد الزوج، وتؤكد الإحصائيات نجاح هذه التجارب ما ساهم في توسعها أكثر خلال السنوات الأخيرة.
وأضاف الخشاني أن الزواج في الأول والأخير هو عقد اجتماعي بين طرفين رجل وامرأة، ولا يهم فيه إن كان مختلطا بقدر أن الأهم هو أن يكون هناك حب واحترام ومعايير محددة تساهم في نجاحه، بعيدًا عن أي اعتبارات بائسة؛ مثل لون البشرة أو غيره.
ويعتبر رئيس الجمعية المغربية للدراسات والبحوث حول الهجرة، أن السبب في عدم إقدام الرجال المغاربة على خطوة الزواج من نساء منحدرات من أفريقيا جنوب الصحراء، عائد لوجود نظرة ذكورية موروثة عن الاستعمار مفادها أن المرأة السوداء وفق المفهوم التاريخي هي تلك “العبدة”.
ولفت إلى أن النساء المغربيات استطعن تجاوز تلك النظرة التمييزية نحو الأشخاص الأجانب السود، لكن الرجال المغاربة لايزال يعشش في أدمغة أغلبهم ذاك الفكر القاصر، موضحا أن وضع فروقات بين الناس مهما اختلفوا عنا هو طرح منافٍ للقيم الإنسانية.
وأشار إلى أنه من العيب والعار أن يبحث الرجال عن الارتباط والزواج بنساء أوروبيات، وفي المقابل ينظرون بشكل احتقاري للمرأة الأفريقية التي هي أقرب واقعيا وجغرافيا لثقافتهم وتقاليدهم من نظيرتها الأوروبية.
وشدد على ضرورة تجاوز بعض المواطنين لمنظورهم النمطي تجاه الأفارقة، مشيرا إلى أن هذه الفئة من المهاجرين الأفارقة أصبح لها اليوم دور بارز في مجموعة من القطاعات، إذ تساهم في تنمية البلاد، مبرزا أن زواجهم المختلط مع المغاربة من الجنسين سيعزز هذه الأمور، وسيزيد من إغناء الثقافة المغربية وتنوعها.