المغرب يؤسس لمدونة أسرة تستجيب لتحديات العصر ولا تتعارض مع ثوابت الشريعة والعرف المجتمعي
ماموني
يطمئن توسيع العاهل المغربي الملك محمد السادس للمشاورات بشأن المدونة الجديدة للأسرة الشارع المغربي المنقسم. ويحرص العاهل المغربي على إشراك المؤسسة الدينية للاستئناس برأيها وهو ما ينتج في نهاية المطاف مدونة تستجيب لتطلعات المستقبل ولا تتعارض مع الثوابت الدينية للمغاربة وعرفهم المجتمعي.
قطع المغرب خطوات مهمة لتحديث مدونة الأسرة استجابة للتحديات المعاصرة وذلك بإشراك جميع المعنيين بالتحديث المجتمعي الذي يوليه العاهل المغربي الملك محمد السادس أولوية مطلقة.
ويقول محللون إن إستراتيجية الاجتهاد التشاركي التي تتبعها الرباط لرسم ملامح مجتمع عصري وحداثي توازن بين العرف الاجتماعي ومبادئ الشريعة الإسلامية وما يقتضيه المستقبل من تحديث لمنظومة الأسرة المغربية بما يخدمها ويخدم إستراتيجيات التنمية البشرية والاقتصادية في المملكة. ويشير هؤلاء المحللون إلى أن المغرب ماض في الانفتاح على الآخر بما يحمله من تجارب مقارنة دون أن يذوب فيه والتمسك بأصالته وشريعته الإسلامية المستنيرة حتى لا تغرب شمسه.
ووجه العاهل المغربي المجلس العلمي الأعلى للاجتهاد في سن بنود مدونة جديدة للأسرة، استنادا إلى مبادئ وأحكام الإسلام، ومقاصده السمحة، ورفع فتوى بشأنها إليه، بعد أن أحالت له اللجنة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة توصياتها. ويعكس التعويل على رأي المجلس العلمي الأعلى ( ديوان الافتاء) في تحديث منظومة الأسرة حرصا ملكيا على إشراك جميع المتدخلين في الشأن المجتمعي، ما ينتج في نهاية المطاف مدونة سلوكيات تحظى بالإجماع والقبول الواسع ما يسهل في نهاية المطاف تنزيلها على أرض الواقع.
ودعا العاهل المغربي في رسالته إلى المجلس العلمي الأعلى والتي تحصلت اخبارنا الجالية على نسخة منها، إلى “اعتماد فضائل الاعتدال والاجتهاد المنفتح البناء، في ظل الضوابط الشرعية للدين الإسلامي الحنيف؛ من عدم السماح بتحليل حرام ولا بتحريم حلال”. وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس قد دعا في خطاب العرش يوم الثلاثين من يوليو 2022 إلى مراجعة القانون المنظم للأسرة، بغية تجاوز ما أسماه الاختلالات والسلبيات التي أظهرتها التجربة الأولى لقانون الأسرة الذي تم تعديله مند 18 سنة.
وجاء ذلك بعد أن برزت أصوات كثيرة تدعو إلى الاعتدال في تناول العلاقة بين المرأة والرجل داخل الأسرة المغربية بما يتلاءم مع مبادئ التعاضد والمحبة والاحترام المتبادل والتعاون والتضامن.ويرى الباحث في الفكر الديني عبدالله بوصوف أن “العاهل المغربي الملك محمد السادس يحرص على إشراك أكبر قدر ممكن من علماء الأمة في القضايا المصيرية، وهذا التوجيه للمجلس الأعلى العلمي يدل على الحظوة الدينية والشرعية المجتمعية، وهي من الميزات الإيجابية التي تحظى بها المملكة كون القضايا الخلافية التي يتم الحسم فيها أو التحكيم فيها يرتضيها المغاربة كونها أداة توافقية”.
ويلفت بوصوف في تصريح لـه إلى أن “العاهل المغربي طلب من المجلس العلمي إبداء رأيه في قضايا متعددة كاستعمال المساجد في فترة فايروس كورونا واستعمال القنب الهندي لإنتاج مواد طبية وغيرهما، تبعا للاجتهاد الديني محددا السقف بأنه لا يحلل حراما ولا يحرم حلالا، وهذا نوع من ملاءمة مجموعة من النصوص الدينية مع مقتضيات العصر والتعامل مع المتغيرات كون العلماء لهم القدرة على إبداء الرأي السديد فيها”.
وتميّز النقاش المغربي بشأن تحديث مدونة الأسرة بجدل واسع وآراء متناقضة تصب في صالح النتائج المرجوة عبر توليفة تشاركية وتوافقية تحظى بالإجماع في نهاية المطاف.
ويقول مراقبون إن اختلاف الآراء والديناميكية النقاشية النشطة والحادة في بعض الأحيان يسمحان للجميع بالتعبير عن وجهات نظرهم بكل حرية ما يسهل في نهاية الأمر الاهتداء إلى مقاربة مجتمعية تتمثل فيها جميع التوجهات والأفكار. وقدمت عدة هيئات سياسية وحقوقية ومؤسسات دستورية، اقتراحاتها في ما يخص التعديلات على نص مدونة الأسرة، تهم ظاهرة تزويج القاصرات والإرث والنفقة، حيث عرفت الاقتراحات نقاشا حادا بين رافضين لأي تعديل خارج النص الديني، وأي مساس بقيم الأسرة، وبين مؤيدين يرونها مدخلا لتحديث الأسرة.
ويؤكد رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية محمد بودن أن “التوجيهات الملكية للمجلس العلمي الأعلى بخصوص دراسة المسائل الواردة في بعض مقترحات الهيئة المكلفة بمدونة الأسرة تعبر عن إرادة ملكية حريصة على أن تتم مراجعة مدونة الأسرة بمنطق يقارب مختلف الأبعاد الجوهرية بما يجعل المدونة تتضمن تعديلات تشمل الجوانب القانونية والحقوقية والاجتماعية والثقافية والسوسيولوجية لكل مكونات الأسرة وبما يسهم في مراعاة التطور الذي يشهده المجتمع مع الاحترام التام لمقاصد الشريعة الإسلامية”.
ويتصور محمد بودن، في تصريح له أن “المسائل والنوازل التي سيفتي فيها المجلس العلمي الأعلى تتعلق بمسائل البنوة والنسب والمقتضيات المتعلقة بالإرث ومقتضيات سن الزواج والمسألة المرتبطة بتعدد الزوجات، علاوة على المسائل المتعلقة باقتسام الممتلكات بعد الطلاق وقضايا أخرى من صميم اختصاصه في إطار الفصل 41 من الدستور والأنظمة القانونية الجاري بها العمل، مع دور المجلس العلمي الأعلى كجهة وحيدة وذات أهلية لإصدار الفتاوى المعتمدة رسميا، ومعنى هذا التأكيد هو تحصين المجتمع وتعزيز الأمن الروحي والحفاظ على الهوية الوسطية للمغرب”.
ويرى باحثون في علم الاجتماع أن من شأن استشارة المجلس العلمي الأعلى في المقتضيات الدينية المرتبطة بمدونة الأسرة، تعزيز المقترحات التي رفعتها الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة إلى الملك محمد السادس، وتدعم كذلك باب الاجتهاد لاستنباط مصلحة الأسرة من تعاليم الدين الإسلامي ووسطية أحكامه واعتدال منهجه، واستصدار هذه الفتوى من الجهة الرسمية المكلفة بالإفتاء المشكلة من خيرة العلماء المغاربة يضع حدا للتأويلات الدينية الفردية التي لا تراعي الواقع الاجتماعي ومتطلبات العصر، ولا تستحضر التفسير المقاصدي للنصوص الدينية، وتعليل الأحكام وتغيرها بتغير المكان والأزمنة والأحوال.
وتساير توجيهات الملك محمد السادس القوة الاقتراحية والمطالب الاجتماعية والسياسية المعبر عنها، وفق توفيقيات تجديدية، تستحضر مصلحة الأسرة، واستقرار العلاقات الزوجية. وكان الحزب الاشتراكي الموحد قد قدّم تصوره حول التعديلات وذلك خلال ندوة، الأربعاء، بمقره في مدينة الدار البيضاء، حيث سجلت قيادة الحزب وجود حيف في حق النساء، ما يتطلب تعديلات جذرية تراعي مبدأ العدالة والمساواة، وكذلك ملاءمة القوانين الخاصة بالنساء والحد من الميز فيها، وأن مشكلة الإرث تظل من النقط التي يتطلب حلها وتجاوزها اجتهادا فكريا ودينيا.
وترى زينة هاشم، المحامية والنائبة البرلمانية عن حزب التجمع الوطني للأحرار، أن “إحالة المقترحات من طرف الملك محمد السادس تعكس التعامل الحصيف مع القضايا المتعلقة بالأسرة وتجاوز الهفوات التي عرفها تنفيذ المدونة سابقا والتي يجب إصلاحها”.
وأكدت هاشم في تصريح لـه أن “العاهل المغربي تجاوب بشكل سريع مع المقترحات التي قدمتها الهيئات السياسية والحقوقية وغيرها، فيما يرتبط بأمور الزواج والطلاق والتعدد والإرث، والاجتهاد بتناسق مع المبادئ الدينية الذي يتماشى مع الرؤية المتبصرة في ما يتعلق بالحفاظ على النواة الأولى للمجتمع المتمثلة في الأسرة ودعم الدولة الاجتماعية”. ومن جهته، يرجح أحمد رضا الشامي، رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، (مؤسسة دستورية)، أن مدونة الأسرة المرتقبة ستواكب التطور الذي تعرفه البلاد.