دخول أحزاب على خط الأزمة يفاقم الصعوبات بين الجزائر والاتحاد الأوروبي
أعطى التصريح السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار في الجزائر المنتقد لاتفاق الشراكة المبرم بين بلاده والاتحاد الأوروبي صبغة جديدة للخلاف التجاري المشتعل بين الطرفين، وسط مخاوف من تغذية الأزمة والاستنجاد بالتحكيم الدولي.
دخل حزب التجمع الوطني الديمقراطي الموالي للسلطة الجزائرية على خط الخلاف المشتعل مع الاتحاد الأوروبي، لينضاف إلى تصريحات رسمية لوزير التجارة، رفض فيها ما أسماه بالابتزاز والضغط على بلاده، وهو ما يعطي بعدا جديدا للخلاف المرشح لبلوغ درجة الأزمة بعد تهديد الاتحاد باللجوء إلى التحكيم الدولي للنظر فيما وصفه بتنصل الجزائر من بنود الاتفاق، فيما تتمسك الأخيرة بخطاب السيادة ومراعاة مصالحها الاقتصادية والتجارية.
وانتقد الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي مصطفى ياحي، اتفاق الشراكة المبرم بين بلاده والاتحاد الأوروبي منذ العام 2005، ووصفه بـ”المجحف وغير العادل”، وأنه لم يراع المصالح الجزائرية، مما حولها إلى سوق للبضائع الأوروبية، كما كبدها خسائر معتبرة قدرت بثلاثين مليار دولار.
وشدد رئيس الحزب الموالي للسلطة، في تجمع لأنصاره ومناضليه بضاحية الكاليتوس بالعاصمة، على أن بلاده “دولة حرة ومستقلة وسيدة في قراراتها، ولا تقبل التهديد ولا الابتزاز ولا المساومة من أي طرف كان، وأنها لن ترضخ لأي ضغوط مهما كان نوعها وشكلها”، وذلك في تلميح إلى دعوة الاتحاد الأوروبي السلطات الجزائرية إلى مراجعة سياستها الاقتصادية والتجارية، واحترام بنود اتفاق الشراكة، قبل اللجوء إلى التحكيم الدولي.
وجاء هذا التصريح السياسي ليعطي بعدا جديدا للخلاف التجاري المشتعل بين المجموعة الأوروبية والجزائر، وتهديدات باللجوء إلى التحكيم الدولي للنظر في مدى الالتزام ببنود اتفاق الشراكة الذي دخل الخدمة العام 2005، ولا يستبعد أن تتحول المسألة إلى مادة دسمة خلال الحملة الانتخابية المنتظرة هذا الصيف في الجزائر، خاصة من طرف القوى السياسية والحزبية الموالية للسلطة.
ومنذ سنوات تعتبر الجزائر الاتفاق المذكور اتفاقا مجحفا وغير عادل، ودعت خلال حكومات الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، المتأخرة إلى مراجعته بشكل يخفف من الخسائر التي تكبدتها نتيجة بند التفكيك الجمركي، بينما اعتبرت بروكسل أنها غير معنية بذلك كون شريكتها لم تستطع الارتقاء بمنتوجاتها إلى مستوى الأسواق الأوروبية، للاستفادة من مزايا التفكيك الجمركي.
ولم يعد الخلاف ذا طابع تجاري يعالج في قنواته الرسمية، بعدما تضمنت تصريحات وزير التجارة الجزائري الطيب زيتوني مفردات ورسائل ذات أبعاد سياسية، على غرار “السيادة الوطنية”، و”المصالح الوطنية”، وهو ما استلهم منه رئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي بالنيابة خطابه أمام الحاضرين في تجمعه الحزبي.
وكان بيان صادر عن الاتحاد الأوروبي، قد عبر عن “امتعاضه من نظام الترخيص الذي فرضته الجزائر على الاستيراد، وهو ما أدى إلى حظر على المنتوجات الأوروبية، خاصة في في مجالي الزراعة وتصنيع المركبات، وهو ما ينتهك بنود اتفاق الشراكة المبرم بين الطرفين”. وألمح البيان الأوروبي إلى إمكانية اللجوء إلى التحكيم الدولي حفاظا على حقوق الشركات والمصدرين الأوروبيين، لكنه فضل قبل ذلك فتح حوار بناء من أجل رفع القيود عن الاستيراد.
◙ الاتحاد الأوروبي يعتبر أكبر شريك تجاري للجزائر، حيث يستحوذ على نصف تجارتها الدولية، لكن حجمها في تراجع مطرد
وتعتبر إسبانيا من أكبر الدول الأوروبية تضررا من توجهات الجزائر التجارية والاقتصادية المنتهجة خاصة معها منذ العام 2022، فهي إلى جانب دخولها ضمن سياق مراجعة سياسة الاستيراد، كانت محل قطيعة بسبب خلاف سياسي حول قضية الصحراء المتنازع عليها بين المغرب وجبهة بوليساريو، ولذلك عملت على حشد الموقف الأوروبي من أجل الضغط على الجزائر ودفعها إلى العودة إلى الوضع الطبيعي للعلاقات مع الاتحاد الأوروبي.
غير أن الجزائر تتجه إلى قبضة حديدية مع المجموعة الأوروبية، وهو ما استشف من تصريح لوزير التجارة وترقية الصادرات الطيب زيتوني للتلفزيون الحكومي، على هامش تدشين الطبعة الـ55 لمعرض الجزائر الدولي، جاء فيه أن “الجزائر دولة ذات سيادة، لا تملك ديونا خارجية ولا تتسامح مع أي إملاءات، وأنها اتخذت إجراءات تخص ترشيد الاستيراد ولم توقفه، فهذا أمر لا يمكن تصوره”.
وهو التصريح الذي حمل ردا مبطنا على تحفظات الاتحاد الأوروبي حول السياسة التجارية والاقتصادية، والتأكيد على أن الجزائر لم تلجأ إلى أي إجراء مثير للغرابة، وكل ما هو قائم عبارة عن ترشيد للاستيراد وحماية الإنتاج المحلي، وهي سياسة تنتهجها جميع دول العالم، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي نفسه، أو الصين والولايات المتحدة.
ويعتبر الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري للجزائر، حيث يستحوذ على نصف تجارتها الدولية، غير أن حجمها في تراجع مطرد، حيث نزل من سقف 22 مليار دولار العام 2015، إلى أقل من 15 مليار دولار العام الماضي، الأمر الذي يبرز حجم تأثير التدابير المتخذة في تراجع مستوى التموين الأوروبي للسوق الجزائرية.
وتراهن نخب اقتصادية جزائرية على ورقة الغاز الذي تمون به الأسواق الأوروبية انطلاقا من الجزائر، لتحييد خيار السياسة “الخشنة”، وأن حوارا محتملا بين الطرفين بإمكانه تسوية الخلاف عبر مقاربة جديدة للمصالح المشتركة، خاصة ما تعتبره الجزائر مساعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي في القطاعات الممكنة، كالزراعة والبناء والمركبات.
وذهب الخبير الاقتصادي سليمان ناصر إلى أن “الاتحاد الأوروبي لن يلجأ إلى الطرق الخشنة، خاصة أنه يعتبر الجزائر من الشركاء الرئيسيين، ولا يمكنه التغافل عن مكانة الجزائر على مستوى الطاقة في الفترة الراهنة، وبحث أوروبا عن تعويض الغاز الروسي”.
وتابع “أزمة الطاقة قد تحول دون لجوء أوروبا إلى التحكيم الدولي، والاستجابة لمطالب الجزائر بشأن مراجعة الاتفاق وفق رؤية تقاربية، وأن الجزائر لن تتنازل عن مطلبها بشأن مراجعة الاتفاق”.