الجالية تشتكي غلاء الرحلات البحرية .. احتكار للمسارات ومحدودية الاختيارات
رغم إثارة الموضوع من لدن أكثر من فريق للمستشارين في جلسة عمومية للأسئلة الشفهية بالغرفة الثانية، يوم 11 يونيو الجاري، فإن عودة عدد كبير من أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج إلى أرض الوطن ما زالت تصطدم بعقبة رئيسية تتمثل في “استمرار غلاء تذاكر النقل البحري على الخصوص”، واستقَتْه في حديثها مع هذه الفئة.
وتزداد معاناة هذه الفئة، التي لا تبخل برفع تحويلاتها المالية السنوية، وسط “تبريرات غير مقنعة؛ أبرزها اعتماد المملكة مبادئ اقتصاد السوق وحرية الأسعار” ساقَها محمد عبد الجليل، وزير النقل واللوجيستيك، الذي لم يُفرِج للمستشارين عن “حلول” عملية تضعها وزارته لحل أزمة غلاء تذاكر رحلات أفراد الجالية الذين يعتزمون زيارة المغرب لقضاء عطلة فصل الصيف رفقة أهاليهم وبين أحضان وطنهم الأم.
“تذمّر ومعاناة مستمرة”
بينما تسير عملية “مرحبا 2024” وفق المخطط لها وسط إشادة إسبانية، يظل غلاء تذاكر الرحلات البحرية فيما يشبه “إشكالا مزمناً” يتكرر بداية كل صيف ونهايته؛ إذ يهدد “استمرار غلاء تذاكر النقل البحري واحتكار بعض الشركات الكبرى لمسارات النقل، خصوصا في اتجاه نقط العبور في موانئ طنجة وسبتة، بارتفاع التكاليف ومفاقمة المعاناة لدى شرائح واسعة من الأسر المغربية المقيمة خصوصا بإسبانيا”؛ وهو ما أكده توفيق سلمون، مهاجر مغربي مقيم بالديار الإسبانية.
المهاجر المغربي تحدّث، ضمن إفادات ، بـ”تذمّر وقلق” واضحين، ضاربا المثال بممارسات “شركة عالمية مختصة في النقل البحري قال إنها تحتكر الربط البحري بين ميناء طريفة الإسباني وطنجة المدينة؛ وهو ما يعني على الأقل 300 ألف مغربي.
وشرح سلمون للجريدة أن “تكلفة رحلة بحرية رغم قِصَر المسافة ومدة السفر لحوالي الساعة تصعّب مأمورية عدد من أفراد الجالية ذوي الأطفال”، قائلا: “أسرة لها 3 أبناء وسيارة مُلزَمة بأداء 640 يورو من أجل رحلة ذهاب وإياب بين طريفة وطنجة (لمسافة 17 ميلا بحريا / 32 كيلومترا) بينما يبلغ الربط الذي تؤمِّنُه الشركة ذاتها عبر قناة المانش بين مدن فرنسا وبريطانيا (84 كيلومترا، حوالي 45 ميلا بحريا) أسعارا أقل، هذا يعني أن الثمن إلى طنجة تقريبا يتضاعف”.
كما اشتكى المتحدث من “عدم تعدد الاختيارات أمام الراغبين في النقل البحري بسبب ممارسات احتكارية لخطوط معينة من فاعلين مُعيّنين دون تدخل من السلطات المغربية الوصية، في ظل غياب التنافسية بين الخطوط؛ ما يحيل على وجود تواطؤ حول أسعار الرحلات البحرية تقريبا بين مختلف الفاعلين”، حسب تعبيره.
وتابع بالقول: “خط الخزيرات – سبتة يبلغ هذا الموسم 330 أورو (رحلة ذهاب وإياب) يختاره عدد كبير من مغاربة المهجر رغم بعد المسافة نظراً لقلة ثمنه نسبياً إلا أن المسار عبر سبتة تتخلله معاناة طوابير طويلة فضلا عن إجراءات الجمارك الإسبانية”، أورد المغربي المقيم في إسبانيا الذي أبرز أنه “لا توجد بنية استقبال وبنيات تحتية كافية لاستيعاب كل هذا العدد الهائل”.
المصرح رفض ما تسُوقه الوزارة من “مبررات غير معقولة” غلاء تذاكر النقل البحري مثل “اقتصاد السوق ومنطق العرض والطلب”، معتبرا أنه “قطاع يخضع لتراخيص تمنحها الدولة المغربية يجب أن يخضع لمعايير التنافسية بين الفاعلين وترك الاختيار للمسافرين، مع ضوابط صارمة في دفاتر تحملات منح الصفقات الخاصة بالنقل البحري وتسيير رحلاته في الصيف”.
وختم: “عملية مرحبا مؤشر عن حركية بشرية غير عادية (حوالي 3 ملايين شخص)، ولا يمكن ترك السوق والمغاربة عُرضة للعرض والطلب؛ لأنها سوق غير عادية للنقل البحري الذي يعد جزءاً من السيادة الوطنية وامتيازا ممنوحًا من طرف الدولة لشركات النقل البحري التي ترفع الأثمنة بشكل قياسي دون رقيب”.
تنافسية التكلفة والخدمات
أشار عزيز برهمي، خبير في النقل والتدبير اللوجيستيكي، إلى أنه “من المعروف تعدد الفاعلين المؤسساتيين المتدخلين في تنسيق وإنجاح عملية مرحبا”، مؤكدا أنها “عملية يجب تسهيلها لفائدة مغاربة المهجر لأنها تضمَن مزايا اقتصادية عديدة للمملكة خلال الصيف عبر تشجيع الجالية على جلب العملة الصعبة وتحريك الطلب الداخلي وإنعاش السياحة (الفندقة والمطعمة)”.
ولفت الأستاذ الباحث في المجال بجامعة محمد الخامس بالرباط، في إفادات تحليلية، إلى أن “النقل البحري، فضلا عن توفير البنيات والتدابير الحكومية، يخضع لمبدأ تجاري محض متعلق أساسا بتحديد الشركات المُسَيّرة له تعريفة السفر ونوعية الخدمات المقدمة”؛ وهو ما يتسبب في هذا النقاش كل سنة.
وأوضح برهمي إلى أن “توفير خدمة نقل بحري بمنطق عقلاني علمي هو استدامة الخدمة واحترام الزبون يجب أن يُراعي تكلفة تنافسية وجودة عالية مع احترام شروط تخويل هذه الخدمات حصريا لبعض الفاعلين أو فاعل واحد، حسب الحالة وسياق تدابير القطاع في كل دولة”.
“إذا كان امتياز توفير خدمات نقل بحري مخوَّلا لجميع المتدخلين فهذا يضمن بشكل أكيد تحقق شروط التنوع والتنافسية بمستوى عال وتكلفة تنافسية قد تساهم في خفض أسعار التذكرة”، أوضح الخبير في مجال النقل واللوجستيك، الذي شدد على أن “التنافسية في السعر والخدمة والآجال تعد عوامل حاسمة”.
واعتبر أن “المستهلك المتنقل لو كانت عنده بدائل فيما يخص عرض النقل البحري لمَا اشتكى من شروط المنافسة وعدد الفاعلين المحدود بما قد يثير شبهات الاحتكار (مونوبول) أو “oligopole” (احتكار القلة) أو الاتفاق على تحديد أسعار الرحلات والخدمات”، مشدداً على أهمية “ضبط شروط تنافسية حقيقية تنعكس إيجاباً على عاملي التكلفة ونوعية وجودة الخدمات (الاستقبال والإطعام وظروف الراحة.)”.
ولم يفت الخبير الأكاديمي ذاته، الذي راكم خبرات في مجالات التدبير اللوجستيكي والنقل لـ15 سنة، أن يشيد بـ”مجهودات المغرب من أجل تهيئة وتأهيل الموانئ واللوجستيات بالموازاة مع العمل على تسريع رؤية استراتيجية لتهيئة ظروف إنشاء أسطول وطني للنقل البحري”، معتبرا أن ذلك “بالإضافة للانفتاح على شركات دولية سيسمح بضمان تنويع العرض وتحقيق التنافسية المطلوبة”.