يعطي تقدم الأشغال في بناء شبكة طرق سريعة في الأقاليم الجنوبية للمغرب لمحة عن جهود السلطات لإدماج مناطق الصحراء في المنظومة الاقتصادية للبلاد في إطار إستراتيجية بعيدة المدى تهدف إلى معاضدة المشاريع الضخمة التي بات يحظى بها الجنوب.
شكل إدخال الطريق السريعة الرابطة بين جهتي كلميم – وادي نون والعيون – الساقية الحمراء في المغرب والممتدة على أكثر من 400 كيلومتر إلى الخدمة مؤخرا خطوة مهمة لتعزيز شبكة مسارات النقل البري بما يخدم التنمية في الصحراء.
ويأتي ذلك بعد الإعلان عن الاقتراب من الانتهاء من الطريق السريعة تيزنيت – الداخلة، التي تعد من بين أهم المشاريع المرتبطة بالبنية التحتية التي أطلقتها الحكومة، على مسافة 1055 كيلومترا، والمندرجة ضمن النموذج التنموي الجديد الخاص بالأقاليم الجنوبية.
وفي انتظار الانتهاء الفعلي من الطريق الجديدة الرابطة بين تزنيت وكلميم البالغة 114 كيلومترا، ستشكل الطريق بأكملها محفزا لتطوير التنمية الاجتماعية والاقتصادية لأربع جهات وهي سوس – ماسة، وكلميم – وادي نون، والعيون – الساقية الحمراء، والداخلة – وادي الذهب.
وأكد القائمون على المشروع، الذي سيرى النور مع نهاية هذا العام، أن 36 مقاولا ومكاتب دراسات ومختبرات وبكفاءات مغربية بالكامل، شاركوا في تشييده.
وبفضل هذا المشروع، يتوقع تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المناطق الجنوبية، مما يساهم في تحسين جودة الحياة للسكان المحليين ودفع عجلة التنمية في البلاد.
وقال خليل رمضان رئيس مصلحة المنشآت الفنية بالطريق السريعة تيزنيت – الداخلة، إن “من شأنها أن ترفع من مستوى البنية التحتية بالأقاليم الجنوبية على وجه الخصوص والمملكة عموما، والتي تتجه نحو الانفتاح على جذورها وعمقها الأفريقي”.
وأضاف في تصريحات صحفية أن “نهاية 2024 ستشهد الانتهاء من المشروع كليا”، مستثنيا في الوقت نفسه مشروع الجسر على وادي الساقية الحمراء بالطريق الدائري لمدينة العيون، والذي سيكون أطول جسر بالبلاد على امتداد 1700 متر.
وأشار إلى أن الأشغال بالطريق الدائرية ستنطلق في قادم الأيام كمنشأة فنية أخرى، من شأنها أن تقلص مدة التنقل، إضافة إلى المساهمة في تجنب الانقطاعات التي كانت تتكرر بسبب الفيضانات وزحف الرمال.
ولتطوير البنية التحتية تأثير قوي على الاقتصاد بشكل عام، وتُعد الطرق البرية عنصرا بالغ الأهمية للنمو المستدام، فهي تجذب الاستثمارات في مجال أنشطة الأعمال والشركات وتُسهّل أنشطة التبادل التجاري الأساسية وتزيد من التنافسية.
وغالبا ما يعتمد قرار الشركات في اختيار مواقعها على سهولة الوصول إلى الطرق البرية الجديدة، وجيدة الصيانة لضمان مرونة تجارتها والنقل بكفاءة وفاعلية مما يدعم نمو صناعة اللوجستيات أيضا.
ورصد الخبير الاقتصادي إدريس الفينة تدشين المغرب مجموعة من المشاريع الكبرى في المناطق الجنوبية، من بينها الطريق السريعة التي ستربط تزنيت بمدينة الداخلة.
وقال لـ”العرب”، إن “المشروع يندرج في إطار النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية والذي أعطى إشارة انطلاقته العاهل المغربي الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى الأربعين لانطلاق المسيرة الخضراء”.
ولفت الفينة إلى أن الأقاليم الجنوبية تسجل خلال السنوات الأخيرة معدلات نمو مرتفعة، لاسيما منطقة الداخلة، التي عرفت قفزة كبيرة، لما تزخر به من إمكانيات مع أهمية الواجهة البحرية الكبيرة التي تتميز بها المناطق.
وأوضح أن “هذه الطريق ستكون قوة دافعة هامة للاستثمارات، ودعم مشاريع إنتاج الطاقات النظيفة والزراعة وغيرها”.
1055 كيلومترا طول الطريق السريعة التي تربط 4 جهات في الجنوب وتضم نحو 2.2 مليون نسمة
وخلصت دراسة نشرها البنك الدولي في مارس الماضي إلى أن توسع شبكة الطرق في المغرب يساهم بشكل كبير في تحفيز أنشطة القطاع الخاص الذي تعول عليه الحكومة في دفع عجلات التنمية الشاملة خلال المرحلة المقبلة.
وأكد امبارك فنشا، المدير المركزي للطريق السريعة تزنيت – الداخلة، في تصريح لـ”العرب” أنه تم التغلب على التحديات التي قلصت وتيرة الأشغال المتعلقة بالمشروع، بفضل خبراء وكوادر في وزارة التجهيز والنقل.
ومن بين الإكراهات التي واجهت المشروع الجائحة وارتفاع الأسعار وندرة المواد الأساسية والصعوبات التقنية، خاصة بالمناطق المتواجدة جهة كلميم وادي نون كونها بالأطلس الصغير.
ويضم المشروع 16 من الكباري الكبرى والجسور الضخمة، كما يتضمن إنجاز منشأة فنية وإمدارات للمدن التي ستعبرها الطريق السريعة تزنيت وكلميم وطانطان والوطية والعيون.
ومن المخطط له أيضا تزويد الأقاليم الجنوبية بمحور من الطرق يتصف بأعلى المعايير الدولية ودرجة عالية من السلامة.
وتجاوزت كلفة المشروع الإجمالية 9 مليارات درهم (880 مليون دولار)، ومن المتوقع أن يكون له تأثير إيجابي مباشر على المناطق الجنوبية، منها تطوير الشركات المحلية وتوفير فرص عمل وتحسين مؤشرات السلامة للنقل البري.
وستمكن الطريق أيضا من ترك تأثير إيجابي ومباشر على سكان المنطقة البالغ تعدادهم 2.2 مليون نسمة والموزعون على عشرة أقاليم.
ويتضمن المشروع عدة عناصر بنيوية، منها 30 مقطعا طرقيا و7 باحات استراحة، و18 محطة لتفريغ مياه الأسماك، بالإضافة إلى 1572 وحدة لتفريغ مياه الأمطار.
وتطلب إنجاز هذا المشروع استخدام 5.6 مليون متر مكعب من مواد البناء و4.3 مليون طن من الإسفلت، مع تشغيل أكثر من 3500 آلة.
وتهدف هذه الطريق السريعة إلى تقليص مدة التنقل، وتجنب الانقطاعات على مستوى الطرق بسبب العوامل الطبيعية، وتسهيل نقل البضائع من مدن الجنوب وإليها، مع تحسين الربط مع أهم مراكز الإنتاج والتوزيع.
وقال فنشا إن هذا “المشروع الإستراتيجي سيعود بالنفع على السكان مع تشجيع الاستثمارات العمومية، وسيساهم في تحسين مؤشرات السلامة للطرقات، وتقليص مدة السفر بالنسبة إلى أصحاب الأعمال.
وتتيح الطرق السريعة سهولة الربط بالموانئ، التي تُعد بوابات التجارة الدولية. ولذلك، تُعد مقوما أساسيا للشركات التي تشكل جزءا من سلاسل القيمة والأسواق الإقليمية والأفريقية.
وأكد نزار بركة وزير التجهيز والماء أن شبكة الطرق السريعة ومنها الرابطة بين تزنيت والداخلة، تلعب دورا مهما في مواكبة النمو الاقتصادي الذي تعرفه البلاد عبر الاستجابة للطلب المتزايد للتنقل على المحاور الرئيسية لشبكة الطرق.
وتُظهر دراسات أن الشركات لا تهتم كثيرا بالحوافز التي تقدمها الجهات العامة للعمل بالقرب منها، وبناء على ذلك، تبدو الطرق السريعة مفيدة للغاية في زيادة فرص العمل بين الشركات المنشأة حديثا الواقعة على مسار هذه الطرق.