فوز اليمين المتطرف في أوروبا يهدد بالمزيد من تأزيم العلاقات مع دول المغرب العربي
شهدت الانتخابات الأوروبية صعود تيار اليمين المتطرف في عدد من الدول، وسط توقعات بانعكاسات مهمة على العديد من الملفات المرتبطة بجملة من القضايا والسياسات، التي تربط الاتحاد بالعديد من الدول.
بروكسل – يهدد تحقيق أحزاب اليمين المتطرف والأحزاب القومية لمكاسب في انتخابات البرلمان الأوروبي بين 6 و9 يونيو الجاري، ركائز السياسة الخارجية الأوروبية، إذ قد يدفعها إلى التشدد أكبر فيما يتعلق بقضايا الأمن والعلاقة مع دول المغرب العربي خاصة بشأن ملف الهجرة.
وتعد دول شمال أفريقيا في صدارة التغيرات التي قد تطرأ رغم عدم سيطرة اليمين المتطرف على الأغلبية، إلا أن الخبراء يتوقعون تغيرا في السياسات، والمزيد من الضغط في قضايا الهجرة، إذ تمثل دول المغرب العربي محطة مهمة في الملف، باعتبارها دول عبور.
وحشدت الأحزاب اليمينية المتطرفة الناخبين حول قضايا جدلية، أبرزها ضرورة تشديد سياسات الهجرة غير النظامية واللجوء.
وبما أن البرلمان الأوروبي يلعب دورا حاسما في صياغة القوانين واتخاذ القرارات على المستوى الأوروبي، فإن نتائج هذه الانتخابات لها تأثير على مجمل سياسات التكتل الأوروبي.
ولتفادي تعطل أو عرقلة إصدار التشريعات قد يضطر الاتحاد الأوروبي إلى مواءمة تشريعاته الحالية مع مطالب اليمين المتطرف وهي عملية دقيقة وصعبة في آن واحد من أجل ضمان استقرار مؤسساته.
بما أن البرلمان الأوروبي يلعب دورا حاسما في اتخاذ القرارات، فإن نتائج الانتخابات لها تأثير على مجمل السياسات
وترى بدرة قعلول، رئيسة المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية في تونس، إن “الساحة الأوروبية تشهد تحولات دولية هامة بعد صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة، التي استغلت المناخ العام وتقلبات البيئة الداخلية والخارجية”.
وأضافت قعلول أن “هذا الصعود يؤثر حتما على المناخ السياسي، الذي تعمل فيه المفوضية الأوروبية ضمن مصالح الاتحاد الأوروبي الاقتصادية والسياسية المرهونة بارتباطات مع دول حوض المتوسط منها تونس والجزائر وليبيا والمغرب، حيث تسعى هذه الأحزاب إلى تبني رؤى أمنية وسياسية واقتصادية توصف بال”الجريئة والقاسية، وسط تحذيرات من أن ذلك قد يضعها في موضع مواجهة وصدام مع جميع القوى السياسية الأخرى بهدف تعزيز موقعها ضمن الخارطة السياسية المستقبلية”.
وتابعت “بات معروفا لدى دول المغرب العربي السياسة الممنهجة التي يتخذها الاتحاد على تنوع خلفياته الحزبية، ومهما كانت أيديولوجياته السياسية مع حكومات شمال أفريقيا خصوصا وأن إيطاليا وألمانيا، قد خططتا لنقل إجراءات اللجوء لدول أفريقية، بإرسال المهاجرين الذين يتم إنقاذهم في البحر المتوسط إلى شمال أفريقيا، دون أن يكون هناك تنسيق أمني يذكر أو تفعيل لاتفاقيات تعاون في المستوى الأمني، ما يعني أن المرحلة المقبلة ستشهد سجالا بشأن هذا الأمر”.
وحذرت قعلول من أن “دول المغرب العربي ستكون في تبعات هذه الآثار، وعليها التحوط والتعامل مع هذا التيار الأوروبي الجديد بسياسة أكثر نضجا، نحو المزيد من الضغط في تسوية الملفات التي بقيت عالقة، وفي مقدمتها الهجرة والحدود واحترام السيادة الداخلية، والإنهاء مع منطق الوصاية والتبعية والنهب، حيث يمكن للاتحاد المغربي العربي إنشاء قوة دولية وازنة، لها سياستها ومقدراتها ومقرراتها، متى كانت أكثر تنسيقا في إدارة علاقاتها وتحالفاتها الإستراتيجية”.
الأحزاب اليمينية المتطرفة حشدت الناخبين حول قضايا جدلية، أبرزها ضرورة تشديد سياسات الهجرة غير النظامية واللجوء
ومن جانبه، يقول محمد الطيار، الخبير الأمني المغربي، إن “نجاح اليمين المتطرف في الانتخابات التشريعية بالبرلمان الأوروبي، هي سابقة في تاريخ البرلمان”.
ويضيف الطيار أن “الخطوة لها انعكاساتها على العديد من الجوانب، منها الصلاحيات التشريعية الخاصة بالهجرة”.
ويلفت إلى أن “اليمين المتطرف حصل على 40 في المئة من الأصوات في فرنسا وحدها، ما جعل ماكرون يستشعر الخطر، وحل البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية جديدة”.
وشدد على أن “فوز اليمين المتطرف يدفع نحو اتخاذ إجراءات أكثر صرامة، التي تؤثر بشكل مباشر على دول شمال أفريقيا، والدول الأفريقية عامة، مخلفة انعكاسات اجتماعية واقتصادية هامة”.
وتوجد تونس في قلب سياسات الهجرة الأوروبية إذ أنها منطقة عبور للعديد الأفارقة، لاسيما من دول جنوب الصحراء، بحثا عن حياة أفضل في أوروبا، وهربا من نزاعات مسلحة وأزمات سياسية واقتصادية في دولهم، ويلقى العديد منهم مصرعهم في عملية محفوفة بالمخاطر.
وتوصل الاتحاد الأوروبي، منتصف يوليو 2023، إلى اتفاق مع تونس للتعاون على الحد من تدفق الهجرة غير النظامية إلى شواطئ أوروبا على البحر المتوسط.
وجرى توقيع الاتفاق بعد اجتماع في تونس بين الرئيس التونسي قيس سعيد ورئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لاين ورئيس الوزراء الهولندي مارك روته ونظيرته الإيطالية جيورجيا ميلوني.
وفي سبتمبر 2023، أعلنت المفوضية الأوروبية تخصيص 127 مليون يورو مساعدات لتونس، ضمن مذكرة تفاهم بشأن قضايا، بينها الحد من توافد المهاجرين غير النظاميين.
ومع صعود اليمين المتطرف لا يتوقع مراقبون أن تستجيب تونس للمزيد من الضغوط الأوروبية بشأن سياسات الهجرة.
ويقول الناشط المدني التونسي مجدي الكرباعي “لا نتحدث في تونس عن ضغوطات؛ فالحديث عن ضغوطات يتم عندما نتحدث عن سياسة هجرة مخالفة لسياسة الهجرة الأوروبية”.
وأضاف الكرباعي” “أوروبا صدَّرت أزمتها في المهاجرين والتصرّف فيهم وأزمة مهاجري أفريقيا جنوب الصحراء إلى تونس وليبيا”.
ومن جانبه، يرى متحدث “تحالف أحرار” أحمد الهمامي “تونس ليست منعزلة عن العالم الذي تحكمه معاهدات دولية، وأوروبا تعاني الهجرة بصفة كبيرة، والأفارقة يصلون إليها عبر تونس والجزائر والمغرب”.
وأضاف الهمامي “لا نضع تونس وأوروبا في نفس الوضع. وضعنا خاص ولابد أن تأخذ تونس إجراءات حماية وفق القانون الدولي، وهؤلاء المهاجرون هم بشر يبحثون عن تحسين وضعهم الاقتصادي والاجتماعي”.
وأردف “نرجو ألا تتفاقم أزمة الهجرة غير النظامية، ويجب أن نجد حلولا مباشرة مع ليبيا والجزائر؛ ليست لنا حدود مع أي من دول أفريقيا جنوب الصحراء”.
ويرى منتقدون أن تونس تحصل على مقابل ضعيف لتعاونها مع الاتحاد الأوروبي في مكافحة الهجرة غير النظامية.
وقال الهمامي “وضعنا ليس وضع لبنان ولا مصر، التي لديها 125 مليونا من السكان، ولبنان دولة فرنكفونية بحتة ذات صبغة خاصة”.
واعتبر أن “الاتفاقية ليست مادية، بل ذهب الرئيس في اتفاقات استثمار وخلق فرص شغل للشباب في تونس، حتى لا يخاطر الشباب بنفسه في البحر”.
واستطرد “الاتفاق بين تونس والاتحاد الأوروبي، وخاصة إيطاليا، ذو صبغة اقتصادية بحتة، وتمكنا من زيادة عدد زيارات الدخول إلى أوروبا، والطلبة التونسيون يتمتعون بتأشيرات أكثر”.
ويرى مراقبون أن محاولة مؤسسات الاتحاد الأوروبي فرض سيناريو “حرس الحدود” دون مكاسب حقيقية لدول المنطقة تنذر بأزمات أوسع.