عوامل أسرية ونفسية ومجتمعية تدفع المراهقين في المغرب إلى الانتحار

ماموني

يرجع الباحثون والمختصون في علم النفس بالمغرب الزيادة في حالات الانتحار ببعض المناطق دون غيرها إلى افتقار سكانها إلى المرافق الترفيهية والثقافية والفنية، حيث يشعر المواطنون في هذه المنطقة بأنهم مهملون ومحبوسون. ويؤكد الباحثون أن عوامل أسرية ونفسية ومجتمعية تدفع المراهقين في البلد إلى الانتحار، منها الهدر المدرسي والخلافات العائلية والعنف الجنسي.

شهدت الأيام الماضية حالتي انتحار في صفوف الطلاب، إحداهما لطالبة بمدينة آسفي المغربية أنهت حياتها بطريقة مأساوية بعد ضبطها في حالة غش في امتحان البكالوريا، ما يفتح الباب أمام تساؤلات حول الأسباب الحقيقية وراء هذه الظاهرة وسبل تطويقها ومكافحة الوصم الذي يتعرض له الأشخاص المعنيون بهذا السلوك. وتختلف أسباب الانتحار بين الهدر المدرسي والخلافات العائلية والعنف الجنسي وتشيع محاولات الانتحار عند الأطفال والمراهقين.

وأكدت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية غياب دراسة وطنية علمية شاملة حول ظاهرة الانتحار بالمغرب، مشيرة إلى أن تقييم الوضعية الذي قامت به بخصوص السلوكيات الانتحارية أظهر أن هناك بعض الدراسات المتفرقة والمحدودة ترابيا، وإحصائيا تقدر نسبة انتشار محاولات الانتحار بحوالي 2.1 في المئة في منطقة الدار البيضاء، وحوالي 6.5 في المئة في أوساط طلاب الإعداديات المغربية.

وبحسب وزارة الصحة، فإن الهدر المدرسي والخلافات العائلية والعنف الجنسي من الأسباب الشائعة عند الأطفال الذين قاموا بمحاولة الانتحار، وتم استقبالهم بمصلحة الطوارئ بمستشفى الأطفال التابع للمركز الاستشفائي ابن سينا بالرباط، موردة أنه تم استشفاء 43 حالة محاولة انتحار عند الأطفال أقل من 14 سنة في ظرف سنتين بمصلحة الطب النفسي للأطفال والمراهقين التابع للمركز الاستشفائي ابن رشد بالدار البيضاء.

وكشفت دراسة حول ظاهرة الانتحار بإقليم شفشاون أن العوامل النفسية تقف على رأس العوامل المسببة لهذه الظاهرة، والتي تتمثل في مجموعة من الاضطرابات النفسية المعقدة، أبرزها الاكتئاب الحاد، واضطراب ثنائي القطب، واضطراب ما بعد الولادة والإجهاض.

 

جواد مبروكي: الانتحار ظاهرة معقدة ويمكن أن تنسحب على كل الطبقات والفئات الاجتماعية والعمرية
جواد مبروكي: الانتحار ظاهرة معقدة ويمكن أن تنسحب على كل الطبقات والفئات الاجتماعية والعمرية

 

وأبرزت الدراسة، التي أشرفت عليها جمعية أصدقاء السوسيولوجيين ووكالة إنعاش وتنمية أقاليم الشمال، أن هذه الظاهرة تعتبر مركّبة يتداخل فيها ما هو نفسي بما هو اجتماعي وما هو بيولوجي بما هو سوسيواقتصادي، وبأن العوامل الاجتماعية تعد من المسببات الرئيسية لظاهرة الانتحار، ومن أهم هذه العوامل العنف المنزلي، الذي يخلف آثارا نفسية خطيرة على نفسية الفرد، وخاصة المرأة والأطفال.

وإلى جانب العوامل النفسية والاجتماعية، كشفت نتائج الدراسة التي أعدها الباحثان مصطفى العوزي وعبدربه البخش، أن الهشاشة الاقتصادية تعتبر بدورها واحدا من العوامل المسؤولة عن ظاهرة الانتحار، مستدلة بإحدى الحالات التي تمت دراستها، والتي انتحرت نتيجة التحول الذي مس طبيعة النشاط الاقتصادي الذي يزاوله سكان المنطقة (زراعة القنب الهندي)، بعد أن عرف تراجعا تفاقم مع مرور الوقت وأصبح يشكل ثقلا على نفسية الأفراد.

وتبقى حالات الانتحار في المغرب محدودة مقارنة بدول أوروبية، حيث عرفت مدن الشمال ومنها إقليم شفشاون ارتفاعا في حالات الانتحار على مدى السنوات السبع الأخيرة، وسجلت كل من تطوان وطنجة 5 حالات انتحار، 4 منها في ظرف 3 أيام فقط، ضمنها حالة طالبة بتطوان أنهت حياتها لسبب مرتبط بعلاماتها الدراسية.

وقال جواد مبروكي، الطبيب النفسي والخبير في التحليل النفسي، إنه من المحتمل أن تكون هذه الزيادة في الانتحار في هذه المنطقة بسبب الافتقار إلى المرافق الترفيهية والثقافية والفنية، حيث يشعر المواطنون في هذه المنطقة بأنهم مهملون ومحبوسون، مشيرا إلى تأثير الشبكات الاجتماعية والوصول إلى المعلومات واكتشاف أنماط الحياة المختلفة الأخرى في جميع أنحاء البلاد والعالم، مما يؤثر سلبًا على سكان هذه الجهة ويسبب لهم الإحباط والاكتئاب مع زيادة خطر الانتحار.

وأكد جواد مبروكي أن الانتحار ظاهرة معقدة ويمكن أن تنسحب على كل الطبقات والفئات الاجتماعية والعمرية، وأن الوصول إلى المراكز العلاجية في الطب النفسي أمر صعب في تلك المناطق، مما يضاعف الأمراض النفسية والانتحار كمضاعفات لدى الأشخاص في وضع هش يزيد من العنف الأسري، إضافة إلى أن الإدمان على المواد المهلوسة يمكن أن يفضي إلى الانتقال إلى الفعل الانتحاري.

وحسب الدراسة، المنجزة من جمعية أصدقاء السوسيولوجيين ووكالة إنعاش وتنمية أقاليم الشمال، فإن غياب الوعي بأهمية الصحة النفسية يعتبر عاملا مساهما في بروز وتفاقم ظاهرة الانتحار، ذلك أن العديد من الأفراد ممن يعانون اضطرابات نفسية غير واعين بها، كما أنهم غير واعين بأهمية التدخل الطبي النفسي والعلاج السيكولوجي.

 

وزارة الصحة المغربية أعدت وفق مقاربة تشاركية الإستراتيجية الوطنية للوقاية من الانتحار، وتهم الشق المتعلق بالتوعية
◙ وزارة الصحة المغربية أعدت وفق مقاربة تشاركية الإستراتيجية الوطنية للوقاية من الانتحار، وتهم الشق المتعلق بالتوعية

 

وفي هذا الإطار أعدت وزارة الصحة وفق مقاربة تشاركية الإستراتيجية الوطنية للوقاية من الانتحار، وتهم الشق المتعلق بالتوعية للحد من الظاهرة، عبر تكوين قادة الرأي المؤسساتيين والجماعاتيين حول السلوكيات الانتحارية (الأئمة والمرشدون الدينيون والمنظمات غير الحكومية، والفنانون ونجوم الرياضة…) في أفق إشراكهم في حملات التحسيس والتوعية.

وتعمل المؤسسات المعنية على إعداد برامج تربوية لتقوية المهارات الاجتماعية والنفسية عند الأطفال والمراهقين، وتقوية التدخلات المتعلقة بالاستماع والدعم النفسي والاجتماعي للأشخاص المعرضين لحوادث الانتحار، وتوفير الخدمات الصحية في إطار الصحة النفسية، وتحسين جودة العلاج، والتكثيف من الأنشطة الاجتماعية الجانبية بالوسط المدرسي، وتكوين المهنيين في مجال تدبير الأزمات النفسية والسلوك الانتحاري.

وبالرغم من المعطيات المتوفرة لدى المؤسسات الرسمية المعنية حول ظاهرة الانتحار في المغرب، فإن الباحثين مصطفى العوزي وعبدربه البخش أشارا إلى أن الفهم السوسيولوجي لهذه الظاهرة يبقى محدودا، وأن الأرقام والإحصاءات المتوفرة، على أهميتها، تحتاج إلى تحليل سوسيولوجي يأخذ بعين الاعتبار الأسباب والنتائج الكامنة وراء هذه الأرقام.

ورغم أن الانتحار تحت ضغوط الامتحانات لم يرق إلى مستوى الظاهرة، فقد أوصت الدراسة بضرورة تعميق الدراسة والبحث حول ظاهرة الانتحار، وذلك بانخراط مجموعة من الهيئات العلمية والمؤسسات الحكومية بشكل يمكّن من ضبط الظاهرة والتحكم فيها بوصفها معضلة اجتماعية، وبإحداث خلايا الدعم النفسي والاجتماعي بالمستوصفات المحلية بتراب إقليم شفشاون باعتباره أكثر إقليم يشهد ظاهرة الانتحار في المغرب.

وأضحى تزايد حالات الانتحار في المغرب يثير قلقا على نطاق واسع، وسط حديث عن ضغوط نفسية واضطرابات عقلية تدفع الكثيرين إلى وضع حد لحياتهم، بشكل مفاجئ. ويرى خبراء أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تسببت بها جائحة كورونا والإحساس باليأس والتهميش، كلها عوامل ضاعفت من أرقام هذه الظاهرة التي لم يسلم منها الأطفال ولا الأشخاص المتدينون.

وفي السنة الماضية دقت منظمة الصحة العالمية ناقوس الخطر، وقالت إنه في كل 40 ثانية هناك حالة انتحار عبر العالم، كما ذكرت أن معدلات الانتحار في الدول النامية وفي شمال أفريقيا مرتفعة جدا مقارنة بدول أخرى

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: