فرنسيين مقيمين في المغرب العربي يصوتون لليمين المتطرف
قبل عامين فوجئ أكثرنا بأن نسبة معتبرة من الفرنسيين المقيمين في تونس والمغرب قد صوتت في رئاسيات 2022 لزعيمة حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف مارين لوبان، وليس للرئيس ماكرون. لذلك كتبنا آنذاك مستغربين كيف أن هؤلاء القوم يقيمون عندنا ويصوتون ضدنا! فقد كان الظن أن من يختارون بمحض إرادتهم الإقامة في بلادنا لا بد أن يكون لديهم من سعة الأفق الإنساني ومن راسخ الاقتناع بفضائل التنوع والتعدد ومن حميم الاطلاع على ثقافة أهلنا وقيمهم وأسلوب عيشهم ما يجعلهم في منجى من السقوط في فخ العنصرية والاستعلاء والتمركز حول الذات. إذ كيف يكره الأجانبَ من يختار العيش في بلاد الأجانب؟! وكيف يكره المغاربيون من يفضل العيش بين ظهرانيهم على أن يعيش في بلاده؟!
وربما بدا من المحتمل قبل عامين أن تكون تلك ظاهرة عابرة، أي تعبيرا انتخابيا عن وضع اجتماعي ظرفي أو تصويتا احتجاجيا ضد سياسات أو توجهات محددة. أما اليوم فقد ثبت أن الظاهرة ليست عابرة. ذلك أن نسبة الأصوات التي حصل عليها اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية يوم 9 من هذا الشهر في عموم البلدان الإفريقية الفرنكوفونية هي أعلى من النسبة التي حصل عليها هناك سواء في الانتخابات الأوروبية عام 2019 أم في الرئاسيات الفرنسية عام 2022. أما أغرب النتائج دلالة بالنسبة لنا، نحن أهل المغرب العربي، فهو أن ما لا يقل عن 23 بالمائة من الفرنسيين القاطنين في أغادير و16 بالمائة من القاطنين في مراكش صوتوا لحزب التجمع الوطني. صحيح أن أكثرية الناخبين الفرنسيين المقيمين في تونس والمغرب والجزائر وليبيا وموريتانيا صوتت لحزب «فرنسا الأبية» اليساري الذي حصل على أكثرية الأصوات أيضا في كل من السنغال، ومالي، وغينيا، والنيجر، وبوركينا فاسو. وصحيح أن النسبة التي حصل عليها حزب فرنسا الأبية في عموم المغرب لا تقل عن 38 بالمائة وأنها قاربت 50 في المائة في فاس وطنجة. كما أن زعيم الحزب جان ـ لوك ميلنشون كان قد فاز في الجولة الأولى من رئاسيات 2022 بالمرتبة الأولى في المغرب، حيث حصل على نسبة 42 بالمائة من الأصوات في الدار البيضاء، و48 بالمائة في الرباط، و52 بالمائة في فاس و54 بالمائة في طنجة، مسقط رأسه.
ولكن الجدير بالملاحظة، في المقابل، هو أن هذا الحزب اليساري المعروف بمساندته للقضية الفلسطينية، والذي لم يتهيب الخروج على الإجماع السياسي الفرنسي للتنديد بحرب الإبادة الإسرائيلية في غزة، لم ينل في انتخابات هذا الشهر إلا المرتبة الأخيرة في كثير من العواصم والمدن الافريقية الفرنكوفونية الكبرى، مثل ليبرفيل (الغابون) ياوندي (الكامرون) كينشاسا (جمهورية الكونغو) برازافيل وبوانت ـ نوار (الكونغو) كوتونو (البنين) نجامينا (تشاد) بانغي (إفريقيا الوسطى) أنتاناناريفو (مدغشقر) بور لوي (موريشيوس) أبيدجان (ساحل العاج) ولومي (الطوغو). والسبب أن أغلبية الأصوات في هذه البلدان قد مُنحت لليمين المتطرف ممثلا في أحد حزبيه، التجمع الوطني بزعامة مارين لوبان أو «ريكونكيت» بزعامة ابنة أختها ماريون مارشال لوبان.
ولا يخفى أن تسمية حزب ماريون (وعرابها الإيديولوجي أريك زمور) ليست بريئة. فمفردة «ريكونكيت» لا تعني مجرد استرجاع البلاد (من أيدي الأجانب الذين غزوها، مثلما تزعم سردية اليمين المتطرف المريضة، ولا يزالون يدنسون أقداسها بإقامتهم فيها غزاة محتلين غاصبين) بل إنها تحيل بالخصوص إلى معاني «ريكونكويستا» التاريخية، أي إلى حروب «الاسترداد» التي خاضها الكاثوليك الإسبان لاستعادة الأندلس بطرد المسلمين منها نهائيا. ورغم أن جد ماريون لأمها (جان-ماري لوبان) معروف بكراهيته لليهود (وللعرب والأمازيغ طبعا) فإن أباها روجي أوك الذي توفي عام 2014، قد كان يتخفى خلف قناع المراسل الصحافي، ولكنه كان في الحقيقة من عملاء الاستخبارات الفرنسية والموساد الإسرائيلي حسب اعترافه في مذكراته التي روى فيها كيف اختُطف في لبنان عام 1987 وبقي رهينة لمدة عام، وكيف أفرج عنه مقاتلو «حزب الله» مقابل مبلغ مالي ضخم دفعه القذافي سدادا لدين نحو إيران. ولأن الرجل لم يكن عديم الشأن لدى الدولة العميقة، فقد عينه الرئيس ساركوزي سفيرا في إريتريا من 2009 إلى 2012.
الصورة إذن واضحة، بل فاضحة: بما أن فرنسيّي الخارج لا يختلفون عن فرنسيي الداخل في الاتجاه المتزايد، أو الاستدارة التامة، نحو أقصى اليمين العنصري، فإن المتوقع آخر هذا الشهر أن المقيمين عندنا سيستمرون في التصويت ضدنا.