استغراق قيادة الجزائر في أوهامها.. علتها المزمنة
السّفيرُ عمر هلال، المندوب الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، في مداخلته أمام لجنة 24 للأمم المتحدة الثلاثاء 11 يونيو الجاري، لم يكن دبلوماسيا، وهو يضع أمام أعضاء اللجنة، وأمام الجزائر أساسًا، الحقائق المتصلة بتطورات المُنازعة الجزائرية حوْل الصحراء المغربية.. السفيرُ لم يُجامِل، لم يقلل ولم يهول، ولم يذهب إلى الحقائق عبْر الطرُق المُلتوية. كان واضحًا في مغاربيَته الحريصة على مَصلحة الجزائر المُتشابكة مع المصالح المغربية والمغاربية عامة. في مناسبات دولية متعددة، كانت لناصر بوريطة، وزير الخارجية المغربي، نداءات وتمنيات لقيادة الجزائر، بأن “تغادر” موقع الضد للمغرب، الذي علاه الصدأ وبليت لغته، وتعطن مضمونه.
إدمان القيادة الجزائرية عداءها للمغرب يحْجب عنها تبيُّن المسار الواقعي الملْموس لمعطيات نزاع الصحراء المغربية. بل يمنعُها، أيضا، من نهج الصواب في تدبير الشأن الداخلي الجزائري. السفير عمر هلال، لاحظ ذلك، فهبَّ للتغيير ولوْ بلسانه، المُعبِّر عن قلبه، والنصيحة واجبةٌ على المسلم مع الأقْربين كما الأبْعَدين. بالمُختصر المفيد، قال هلال بأن على الجزائر أن تصحُو من “سَكرة” رِعاية وتوجيه “الشَّغب” الانفصالي للإضرار بالمغرب. بعد حواليْ نصف قرن من تلك النزعة المرضية، خابت مساعي القيادة الجزائرية، وهي اليوم تحصد الفشل.
لم تفلح كل “الجهود” الدبلوماسية والمالية الجزائرية، وهي تُطلق عداءها ضد المغرب، من الفَوَّهة الانْفصالية، سوى توسيع في الاقتناع الدولي بعدالة القضية الوطنية المغربية، كما تعبر عنه قرارات مجلس الأمن المتعاقبة منذ 2017، وكما يتبين من تهاطُل التَّأييد للمُبادرة المغربية بمُقترح الحكم الذاتي في العلاقات الخارجية الثنائية المغربية.
◄ القيادة تُغذِّي التَّرقُّب، المُوَلِّد للتَّعَب وللانصراف الشعبي عن الاهتمام بالانتخابات أصْلا.. هي قيادة لا تحتاج إلى انتخابات حقيقية، بحملة حقيقية وبمُرشّحين حقيقيين، ولها سابقة في انتخاب الرئيس تبون
كُلْفة “العِناد” القيادي على الجزائر ضَخْمَة وثقيلة.. ضخمة ماليا، ومُقْتَطَعة من المال العام الجزائري لفائدة قضية خاسِرة، ومُنْتِجَة لخصَاصات مُهوِلة في الأوضاع المعيشيَّة للشَّعْب الجزائري، لا تتناسب ودولة “غازية”.. وهي ثقيلة سياسيا، بما تخلفه للقيادة الجزائرية من صعوبات في إدارة علاقاتها الخارجية، في عالم يستدعي توسيع دائرة الصداقات وليس تقليصَها، وبما يُسقطه انْهماك تلك القيادة في العداء للمغرب، من إهمال وسوء تدبير للشأن العام الجزائري، وبالتالي يسدُّ فيها شرايين الدورة الشعبية فيها.
عمر هلال “فقَّه” القيادة الجزائرية إلى بديهيات ثلاث مفروض عليها استيعابُها: أن الصحراء مغربية، كانت، في التاريخ وفي الجغرافيا، وستبقى إلى الأبد. وأن مقترح الحكم الذاتي المغربي هو الحل الوحيد، الواقعي والمقبول، في مسعى حل النزاع. وأن المغرب سيواصل تنمية أقاليمه الجنوبية، وفي مسار ديناميكي، يرقى بها الآن إلى منصات تنموية وطنية وأفريقية، ومُستقطِبَة للتطلعات الإستراتيجية الاقتصادية الدولية.
الخبير المرموق والصديق العزيز، الموساوي العجلاوي، سيُكْمل تنبيهات السفير هلال، في حوار مع موقع 360 المغربي، وهو يكشف ما تتعامى القيادة الجزائرية عن ملاحظته، أن 100 دولة تدْعَم مبادرة الحكم الذاتي المغربي، وضمنها 30 دولة أفريقية.. ما يعني أن الأغلبية الساحقة من دول العالم مع الحل المغربي، لواقعيته ولعدالته، ولأنه يمتلك قوة الدوام، ويؤمن المخرج السلمي من توترات ومخاطر النزاع. أقول الأغلبية الساحقة من دول العالم المُهتمة أصلا بالنزاع، إذ أن أكثر من ثلث الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، غير مهتمة بالموضوع ولا رأي لها فيه، ولربّما لا رأي لها في أي موضوع خارج أوضاعها الخاصة.
◄ كل “الجهود” الدبلوماسية والمالية الجزائرية لم تفلح، وهي تُطلق عداءها ضد المغرب، من الفَوَّهة الانْفصالية، سوى توسيع في الاقتناع الدولي بعدالة القضية الوطنية المغربية
الجزائر مقبلة على انتخابات رئاسية، يُفترض أن تكون لحظةً سياسية تقويمية لأوضاع البلاد وتدارُس مآلاتها. ويُفترض أن تعُمَّ البلاد المُناقشات، الحوارات وحتى السجالات، وتسْتَقْطِب نخبة التدبير السياسي وضمْنها الأحزاب والجمعيات والفعاليات. ويُفترض أن يكون سؤال عناد القيادة الجزائرية في ركوب المَطيّة الانفصالية ضد المغرب مطروحًا، من جهة الفائدة منه للبلاد أو من عدمها.
لا أثر في الإعلام الجزائري لأي نقاش سياسي، لا جِدِّي ولا هزْلي، كما لو أن البلاد لا تنتظرُها انْتخابات رئاسية.. ربما أن القيادة الجزائرية لا ترْغب في مُواجهة أسئلة تدبيرها للبلاد، والتي قد تكشف حقيقة أن لا فائدة منها، لتدبير الشأن العام الجزائري.. وهي القيادة التي دبّرت البلاد، بكل فشالاتها الخارجية والداخلية، بعيدا عن أعين ونقاشات وقرارات الشعب الجزائري ولعقود، منذ 1962.. ولن تُغيِّر مَسْلَكها، والذي يؤمِّن لجنرالاتها نفوذهم وانتفاعهم منه.
هي غير جاهزة للمساءلة لا الشعبية ولا الذاتية ولا حتى للشكليات الانتخابية. وسياساتها العدائية ضد المغرب، وضمْنها شقُّ مناوشاتها الانفصالية ضده، هي طبيعة فيها من المنشأ وعليها شبَّت وبها شابت.. هي فيها أساس ورافعة لها. لا بل إن أزمة صراع أجنحتها، أو قُلْ اضطراباتها وأوجاعها، لا يهدِّئها إلا استمرار تنفسها العداء للمغرب، هو إدمانها الذي تعوَّدت عليه، وتخاف أن تذهب إلى المجهول إن هي أصْغت لشعبها، للحكمة، للعقل، للواقع، لوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، لعمر هلال، وللموساوي العجلاوي.. ولمقالات لي في نفس الاتجاه متكررة، نشرتها صحيفة “العرب”.
حتى الآن، القيادة الجزائرية عاجزة عن الاتفاق على مُرشحها للرئاسيات. عبدالمجيد تبون طال جلوسُه في صالون “الانتظار” يسمع توسلات أحزاب الموالاة له، ولم يصله بعد الإذن القيادي بالتجاوب معها. والقيادة تُغذِّي التَّرقُّب، المُوَلِّد للتَّعَب وللانصراف الشعبي عن الاهتمام بالانتخابات أصْلا.. هي قيادة لا تحتاج إلى انتخابات حقيقية، بحملة حقيقية وبمُرشّحين حقيقيين، ولها سابقة في انتخاب الرئيس تبون، بلا حملة انتخابية وبأضعف مشاركة شعبية، وهي غير مُستعدة لمواجهة الحقائق على الأرض.. يهمُّها أن تبقى على الأرض جاثمة على مصير الجزائر.