الحلقة الأضعف: المهاجرون هاجس دائم لدى الناخبين الفرنسيين
مكاسب اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية في 9 يونيو، التي حصل خلالها حزب الجبهة الوطنية الفرنسي على 31.4 في المئة من الأصوات، تعتبر نتائج غير متوقعة وتثير مخاوف المهاجرين بشأن المستقبل مع دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى انتخابات تشريعية مبكرة أواخر الشهر الجاري.
يغذي موضوع الهجرة في فرنسا، وهو من أبرز مخاوف الناخبين، حملة الانتخابات التشريعية التي يتصدرها اليمين المتطرف. ويرى باحثون أن هذا “الخوف من الغرباء” تعاظم في جو “القلق “العام المسيطر و”العجز” السياسي، رغم أنه ليس جديدا.
وإلى جانب التصدع السياسي الذي تمر به فرنسا عقب الولاية الثانية للرئيس إيمانويل ماكرون والتي حقق فيها اليمين المتطرف نتائج غير متوقعة، تعزز الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يمر بها الفرنسيون أطروحات اليمين المتطرف بشأن الهجرة.
ويحمل اليمين المتطرف المهاجرين واللاجئين مسؤولية تدهور القدرة الشرائية للفرنسيين ويروجون بأن هؤلاء يستأثرون بنصيب الأسد من المساعدات الاجتماعية والاقتصادية التي تحصلها الدولة من الضرائب. ويلقى هذا الطرح شبه إجماع حتى ممن لا يصوتون لليمين المتطرف، لكن الحفاظ على قناعاتهم، حسب محللين، لن يصمد طويلا في ظل الصعوبات الاقتصادية التي تواجههم.
وتتفرع أطروحات اليمين المتطرف الفرنسي بشأن المهاجرين إلى أبعد من تحميلهم مسؤولية تردي الأوضاع الاقتصادية عبر امتصاص موارد الدولة المالية في شكل مساعدات ودعم إلى تحميلهم مسؤولية ارتفاع نسبة الجريمة في البلاد وزيادة منسوب جرائم التطرف الديني وخلق مجتمعات دينية موازية تتعارض مع لائكية الدولة ومبادئ الديمقراطية الفرنسية.
ويحذر مراقبون من أن المؤشرات الاقتصادية وتراجع المقدرة الشرائية للفرنسيين سياسات حكومية يدفع ثمنها المهاجرون بدرجة أولى، فكلما حقق اليمين المتطرف نتائج انتخابية جيدة كلما ضاقت الحلقة على المهاجرين أكثر حتى بوجود تيارات يسارية. ويشير هؤلاء المراقبون أنه بتحقيق نتائج انتخابية جيدة تزيد لعبة التحالفات لتمرير القوانين صعوبة وهو ما يؤدي في نهاية المطاف إلى الاذعان لأطروحات اليمين المتطرف لتجنب الشلل الحكومي.
وفي استطلاع أجراه معهد “إيبسوس” في السادس والسابع من يونيو حول العوامل الحاسمة للتصويت في الانتخابات الاوروبية التي حقق فيها اليمين المتطرف (التجمع الوطني) فوزا كبيرا، شكلت الهجرة “الموضوع الرئيسي” لدى 23 في المئة من الفرنسيين الذين أكدوا نيتهم التصويت، متقدمة على القدرة الشرائية (18 في المئة). واعتبر 43 في المئة من المستطلعين أن هذا العنوان هو واحد من ثلاثة أسباب تدفعهم إلى التصويت.
وتاريخيا، جعل التجمع الوطني من ملف الهجرة أحد عناوينه المتقدمة. ويواظب رئيس الحزب جوردان بارديلا، الأوفر حظا لتولي رئاسة الوزراء في حال أحرز التجمع الغالبية المطلقة في الجمعية الوطنية (البرمان)، على انتقاد “هجرة كبيرة خارجة عن السيطرة”، آملا خصوصا بإلغاء حق من يولدون على الأراضي الفرنسية في الحصول على الجنسية.
وأصدرت فرنسا عددا قياسيا من تراخيص الاقامة العام الفائت بلغ 323 الفا و260، في ارتفاع بنسبة 1,4 في المئة مقارنة بالعام 2022، وذلك في موازاة ازدياد عمليات الترحيل في شكل ملحوظ (أكثر من 17 ألفا بزيادة نسبتها عشرة في المئة)، بحسب أرقام وزارة الداخلية.
ورأى عالم الانتروبولوجيا ميشال أجييه أن الخطاب المناهض للهجرة له صدى واسع، وخصوصا أنه أدرج منذ عشرين عاما وسط مناخ من القلق، عززه “شعور دائم بانعدام الأمن” بسبب الكوارث الطبيعية والأشكال المختلفة من الإرهاب. وأضاف مدير الدراسات في مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية “هذا الخوف يؤدي إلى إنتاج كبش فداء، لكن هذا الأمر ليس جديدا”.
في رأيه أن العنصر الجديد هو “إرث ما بعد المرحلة الاستعمارية الذي يؤدي إلى نوع من العنصرية التي تقف وراء هذا الهاجس لدى اليمين المتطرف حيال قضايا الهجرة”. وتابع أجييه المتخصص في العلاقات بين العولمة الإنسانية والمنفى “حين نقول أن هناك عددا كبيرا من المهاجرين، لا نتحدث هنا عن الأميركيين والانكليز والهولنديين والإسبان والأوكرانيين (..) لا نتحدث عن (أفراد) بيض، علما أن هؤلاء يفدون بأعداد كبيرة، ولكن لا يتم استقبالهم بالطريقة نفسها”.
وأظهرت أرقام المعهد الوطني للإحصاء (اينسي) أن سبعة ملايين مهاجر كانوا يعيشون في فرنسا العام 2022، أي 10,3 في المئة من إجمالي عدد السكان. وحصل 35 في المئة من هؤلاء على الجنسية الفرنسية (2,5 مليون).
وأقل من نصف هؤلاء المهاجرين (48,2 في المئة) ولدوا في إفريقيا، في حين ولد 32,2 في المئة في أوروبا. وتتصدر الجزائر (12,5 في المئة) والمغرب (11,9 في المئة) والبرتغال (8,2 في المئة) وتونس (4,7 في المئة) وإيطاليا (4 في المئة) الدول التي ولد فيها المهاجرون، بحسب المعهد المذكور.
ولاحظ أجييه أن فقدان المعايير المجتمعية مع تفكك الأسر وتطور النزعة الفردية أفضى إلى انعزال مجموعة معينة. وقال “منذ تسعينات القرن الفائت، في غالبية انحاء العالم، ازداد انعدام الارتباط بين الدول ومواطنيها بحيث بات هؤلاء يشعرون بمقدار أقل من الحماية”.
وذلك أيضا هو رأي سواني بوتو، الباحثة في المركز الوطني للبحث العالمي (سي ان ار اس) التي سلطت الضوء على الشعور بالهشاشة الاجتماعية والاقتصادية، لافتة إلى أن “الاجنبي يجسد العولمة المتصلة بعدم الاستقرار في مكان واحد، وتراجع الرواتب، والتنافس على العمال على الصعيد الدولي”.
وأكدت عالمة الاجتماع المتخصصة في مسائل الهجرة أن “المهاجرين هم خصوم ضعفاء، لا صوت سياسيا لهم”. ومنذ 1980، صدر 29 قانونا عن الهجرة في فرنسا، أي بمعدل قانون واحد كل سبعة عشر شهرا، بحسب متحف تاريخ الهجرة. وتذكّر جمعيات لمساعدة المهاجرين على الدوام بأن تهميش هؤلاء والتشدد في إجراءات توطينهم في فرنسا بهدف ثنيهم عن المجيء، يؤديان إلى تأثير معاكس ويتسببان باندماج بطيء.
وعلقت سواني بوتو “هؤلاء الأفراد لن يحظوا بحق العمل قانونيا وحق السكن وتلقي العلاج. وينشأ من كل ذلك اقتصاد مواز يسهل الانحراف”. وأضافت “يكفي أن نكف عن تأجيج هذه المخاوف ونتحول في السياسة نحو موضوعات أخرى حتى تزول من تلقاء نفسها”.