نزاع بين الإخوان وجبهة التحرير على الغطاء السياسي لترشيح تبون
طفا على سطح الأحداث في الجزائر سجال مفاجئ بين أبرز الفاعلين في معسكر الموالاة، وهما حركة البناء الإخوانية وجبهة التحرير القومية؛ فبعد تقديم الأولى الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون على أنه مرشحها للانتخابات الرئاسية القادمة دعته الثانية إلى الترشح لولاية ثانية، بينما الرجل مازال يمدد لعبة التشويق السياسي. وكان الأمر سيظل عاديا لولا الحديث عن ارتباط القوتين بدوائر نافذة، تتخذ من كلتا الواجهتين آلية للتفرد به وبالمشهد العام في السنوات القادمة.
وطالب عبدالكريم بن مبارك، الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني (الأفَلان)، الرئيس الحالي بالترشح لولاية رئاسية ثانية، وهو منسوب ملحوظ في جرأة الحزب السياسية، بالإعلان عن موقفه وإشهار سلاح المناورة في وجه الغريم حركة البناء الوطني التي تحاول الظهور في ثوب الغطاء السياسي والحزبي لمرشح السلطة المحتمل في الاستحقاق المذكور.
ومنذ حقبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، حينما كانت أحزاب الموالاة تتحرك بأريحية كاملة وترفع حرج التمسك بالسلطة عن مرشحها بدعوته إلى الترشح، تعد هذه هي المرة الأولى خلال عهد الرئيس تبون التي يدعوه فيها حزب سياسي إلى الترشح لولاية رئاسية ثانية، في خطوة لإسقاط جدار صد العودة إلى ممارسات العهد السابق بعدما حاول الرئيس تبون ترك مسافة فاصلة بينه وبين قوى الموالاة والقطع مع ممارسات الماضي.
مسارعة الطرفين إلى استباق توفير الغطاء الحزبي لمرشح السلطة نابعة من إملاءات لدوائر نافذة في الدولة العميقة
ويبدو أن الصراع حول حصرية توفير الغطاء السياسي والحزبي لمرشح السلطة المحتمل قد اندلع بين حركة البناء الإخوانية وجبهة التحرير القومية. ورغم أن الطرفين عضوان في ما عُرف بـ”تحالف قوى الأغلبية” الذي تأسس مؤخرا إلا أنهما لم يستطيعا بلورة موقف توافقي بين الحلفاء الأربعة، وعمدا إلى اتخاذ مواقف فردية تعكس رغبة كليهما في التفرد بالرئيس في المرحلة القادمة.
ويرى متابعون للشأن السياسي الجزائري أن مسارعة الطرفين إلى استباق توفير الغطاء الحزبي للمرشح المحتمل نابعة من إملاءات خفية تصدرها دوائر نافذة، تعمل على صنْع إطار معين للرئيس في المرحلة المقبلة عبر واجهة سياسية، خاصة بعد أن ثبت عدم قدرتها على التحكم في فسيفساء المجتمع المدني الذي اتخذه تبون حليفا له في الولاية الجارية، ولا يُستبعد أن يكرر العملية في التجربة الجديدة، رغم سعي الموالاة للتقرب منه أكثر.
وقال عبدالكريم بن مبارك، الرجل الأول في حزب الأغلبية، خلال كلمة له في اجتماع الدورة الثالثة للجنة المركزية “باسمكم جميعا واعتبارا للحصيلة الإيجابية المحصلة وعلى أكثر من صعيد، فإننا نلتمس من رئيس الجمهورية الترشح لعهدة ثانية”.
وأضاف “لقد سبق وقلت في اللقاءات التي جمعتني مع المناضلين، إن دعمنا لرئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون يتجاوز مفهوم الولاء والمساندة إلى التزام الوعد الذي قطعه مناضلو الحزب على أنفسهم أنهم لن يبدلوا تبديلا عن إيمان وقناعة، وأننا اليوم عائلة سياسية واحدة لها هدف واحد وهو خدمة الجزائر الجديدة، رغم أن البعض راهن على الفشل لكن حزبنا خرج مرفوع الرأس شامخا”.
ومنذ انتخابه على رأس الحزب في المؤتمر الحادي عشر عمل بن مبارك على ترميم علاقة الحزب بالرجل الأول في الدولة، وإزالة الشكوك بسبب انحياز الحزب في الانتخابات الماضية لصالح المرشح عزالدين ميهوبي، رغم أن تبون ينحدر حزبيا من جبهة التحرير الوطني.
ولم يتوان بن مبارك في الإشادة بما أسماه “الحصيلة الإيجابية للرئيس تبون خلال الولاية الرئاسية الحالية، وسلسلة المكاسب والإنجازات المحققة في السنوات الأخيرة”، وهو خطاب يعكس رغبة القيادة الجديدة للأفَلان في تدارك مسافة الفراغ التي تكونت خلال السنوات الأخيرة، والتي يحاول منافسون سياسيون استغلالها لصالحهم، من خلال تقديم أنفسهم كغطاء حزبي للمرشح المحتمل تبون، كما هو الشأن بالنسبة إلى حركة البناء الإخوانية.
واستند المتحدث في الكلمة التي ألقاها أمام كوادر حزبه على ما وصفه بـ”صحة الرؤية التي اعتمدناها من حيث الفعالية وربط المناضلين، وهدفنا من خلال التغييرات التي جرت داخل الحزب ليس توزيع المناصب بل إضفاء الحيوية على الهياكل، وأن حزبنا كان ومازال القوة الوطنية الأقوى في البلاد وذلك بسبب احتضانها لقيم الثورة التحريرية”.
وتابع “حزبنا هو القوة السياسية الأولى وهذا حقنا الشرعي والمشروع ولم يتبرع أحد علينا والفضل في ذلك للشعب الجزائري.. أقولها وأكررها فلتذهب الرؤى الحزبية الضيقة إلى الجحيم مقابل أن تكون الجزائر قوية ورائدة”.
ولفت بن مبارك إلى أن حزب جبهة التحرير الوطني منفتح على كل المبادرات السياسية، ومن أجل تثمين المكاسب المحققة أطلقت مبادرات سياسية بغرض تحقيق المصلحة العليا للجزائر، وأن التحالف لم يتأسس من أجل إقصاء أي مكون سياسي آخر.
ولا يزال الرئيس تبون، الذي وقع منذ أسبوع على مرسوم استدعاء الهيئة الناخبة، يلتزم الصمت تجاه مسألة ترشيحه، مكرسا بذلك أسلوبه في التشويق السياسي، رغم أن كل المؤشرات توحي بأنه سيكون مرشح السلطة، خاصة وأنه يبقى الوجه الوحيد المتاح حاليا للاستمرار في مواقعها.
ومن جهة أخرى فتحت لجنة الإدارة والإشراف على الانتخابات أبوابها أمام الراغبين في خوض الاستحقاق لسحب استمارات التزكية، ويكون قد تقدم لها إلى غاية نهاية الأسبوع 15 راغبا -من بينهم ثلاث نساء- أغلبهم من المغمورين وما يعرف بقادة الأحزاب الصغيرة، بينما لم تتقدم إلى حد الآن أيّ شخصية وازنة بإمكانها إرباك مرشح السلطة.