تجارة الأضاحي نشاط يحرك الأسواق في المغرب

يغذي موسم الأضاحي في المغرب التكهنات بانتعاش الأسواق في ظل زخم هذه التجارة التي توفر فرصة لمربي الماشية لتحقيق عوائد مجزية تعوضهم عن فقدان بعض المكاسب في الفترة الماضية، خاصة في ظل اهتمام السلطات بهذا النشاط وتراجع التضخم.

تتحول الأسابيع القليلة التي تسبق عيد الأضحى في المغرب بصورة عفوية إلى ممر لانتقال جزء من السيولة النقدية من المدن إلى الأرياف، لشراء الأضاحي، ومعها تنتعش حركة التجارة في تلك المناطق.

ويشكل عيد الأضحى في البلاد عادة أداة لازدهار الحركة التجارية والاقتصادية، فضلا عن ارتفاع وتيرة الأنشطة الموازية، الأمر الذي ينعش أعمال مربي المواشي والتجار على حد سواء.

وكانت الأسر المغربية قد أنفقت أكثر من 1.8 مليار دولار بمناسبة عيد الأضحى خلال العام 2023، وفق مندوبية التخطيط، وهو ما ساهم في تحريك عجلة العديد من القطاعات، مثل قطاع المواشي والنقل والتجارة.

وتختلف ظروف المستهلكين بين دولة وأخرى في المنطقة العربية خلال هذا الموسم بالنظر إلى المشاكل الاقتصادية المتنوعة التي تسببت في نهاية المطاف في عزوف البعض منهم عن الشراء ولجوء البعض الآخر إلى حلول الصكوك لتخفيف وطأة التزاماتهم.

1.8 مليار دولار إنفاق الأسر خلال عيد الأضحى الماضي، وفق مندوبية التخطيط

ويراهن مربو الماشية على ازدهار تجارتهم هذا الموسم باعتباره أحد المحطات الرئيسية لهم بسبب حجم النشاط الذي استطاعت السلطات من خلاله أن توفر المعروض الكافي وبأسعار مقبولة في ظل الصرامة التي فرضتها في مراقبة الجودة داخل السوق المحلية.

وتضرر قطاع الزراعة بشكل كبير بالتقلبات المناخية هذا العام نظرا إلى محدودية تساقط الأمطار وارتفاع أسعار العلف المخصص لتربية الماشية ما نتجت عنه صعوبات للمربين.

ويرى خبراء أن السيولة المالية، التي توفرها هذه التجارة تنتقل من المدن إلى القرى والأرياف خلال أيام العيد، مما يساهم في تنميتها ويدعم تماسك أعمال الناس في تلك المناطق.

ويستمد 75 في المئة من سكان الأرياف دخلهم من الزراعة والأعمال المرتبطة بها كتربية المواشي، إذ يشغل القطاع 33 في المئة من إجمالي القوى العاملة النشيطة بالبلاد، كما يسهم القطاع بنحو 13 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وتظهر التقديرات أن معروض المواشي خلال موسم الأضاحي هذا العام سيبلغ قرابة 7.8 مليون رأس، مقابل 6 ملايين طلب، فضلا عن تخصيص الحكومة دعما لمستوردي الأغنام.

ويقول الخبير الاقتصادي المغربي محمد نظيف إن عيد الأضحى يساهم في ديناميكية اقتصادية كبيرة في البلاد، تستفيد منها فئات كثيرة.

وفي تصريح للأناضول يوضح نظيف، أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس في الرباط، أن هذه الحركة يتم تسجيلها على مستوى الأسواق المخصصة للأغنام من جهة، وبالأسواق التجارية الأخرى التي تعرف رواجا خاصة المواد المتعلقة بالعيد، من جهة ثانية.

السيولة المالية التي توفرها هذه التجارة تنتقل من المدن إلى القرى والأرياف خلال أيام العيد، وهو ما يساهم في تنميتها

ويوضح أن أبرز المؤشرات الاقتصادية في العيد، هو انتقال السيولة المالية من المدن إلى القرى، وهو ما يساهم في تنمية هذه الأخيرة.

وتعرف العديد من القطاعات رواجا وحركة في العيد، بحسب نظيف، مضيفا أن “النقل يعرف نشاطا كبيرا بسبب تنقل الأشخاص، فضلا عن الوسائل التي تتكفل بنقل الأضاحي، والمهن الموسمية التي تظهر خلال هذه الأيام”.

وبخصوص الفئات المستفيدة، يعتبر نظيف أنها تتمثل في الكسابة (مربّي الأغنام)، الذين ينتظرون هذه الفرصة السنوية من أجل بيع الأغنام.

ويذكر أن هذه الأيام تشكل مناسبة للعديد من الشباب لإطلاق مهن موسمية، سواء بالتجارة وبيع المستلزمات الخاصة بالعيد، أو توفير خدمات معينة مثل النقل أو المساعدة في عمليات الأضحية.

ويأتي موسم الأضاحي هذا العام مع فتور موجة التضخم في البلاد والتي بلغت 2.4 في المئة بعدما وصلت إلى أكثر من سبعة في المئة عقب اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية قبل أكثر من عامين.

وقالت مندوبية التخطيط في تقرير نشرته مطلع هذا الشهر إنه “وفق متوسط سعر الماشية المخصصة للنحر، يقدر بمبلغ 2400 درهم (240 دولارا) في 2023، فإن إجمالي نفقات الأسر بهذه المناسبة تبلغ أكثر من 18 مليار درهم”.

واعتبرت أن سعر اللحم عرف ارتفاعا بنسبة وصلت إلى حوالي 7.2 في المئة خلال الفترة الفاصلة بين عامي 2021 و2023.

معروض المواشي خلال موسم الأضاحي هذا العام سيبلغ قرابة 7.8 مليون رأس، مقابل 6 ملايين طلب

كما ذكرت المندوبية، في بيان لها مؤخرا، أن ممارسة شعيرة عيد الأضحى ما تزال سائدة في المجتمع، إذ أن 12.6 في المئة فقط من الأسر المغربية لا تمارس هذه الشعيرة، خاصة الأسر المكونة من شخص واحد.

واعتبرت أن “عيد الأضحى من أهم الأعياد الدينية بالنسبة إلى المغاربة.. ولا يقتصر العيد على أبعاده الروحية فقط، بل له تداعيات مالية كبيرة على الأسر المغربية”.

وأوضحت أن نفقة أضحية عيد الأضحى تمثل 30 في المئة من إجمالي النفقات السنوية للأسر المخصصة للحوم.

وحسب نوع الأضحية، تختار 95.6 في المئة من الأسر المغربية الأغنام، و4.3 في المئة منها الماعز، و0.1 في المئة منها الأبقار “فيما تظل أضحية الماعز أكثر شيوعا بين الأسر القروية وكذلك بين فئة الأقل يسرا”.

ومن المتوقع أن تستورد السلطات حوالي 600 ألف رأس بحلول عشية عيد الأضحى المرتقب الأحد في معظم دول العالم الإسلامي، وفق وزارة الفلاحة المغربية.

وبخصوص الأسعار المرتفعة للأضاحي هذه السنة، يوضح نظيف أن ارتفاع الأسعار مردّه إلى التكلفة الإضافية للأغنام، خاصة في ظل ارتفاع أسعار الأعلاف، وأشار إلى أن الجفاف ساهم في ارتفاع الأسعار.

وخلال مؤتمر صحفي، الأسبوع الماضي، قال متحدث الحكومة مصطفى بايتاس إن “الحكومة تولي أهمية لعيد الأضحى، وهو ما جعلها تقوم بمجموعة من الإجراءات لضمان مرور هذه المناسبة في أجواء جيدة”.

وأضاف بايتاس أن كل المؤشرات تؤكد بأن القطيع في وضعية صحية جيدة و”الحكومة قامت بتوفير وتجهيز أسواق لبيع الأضاحي”.

وللعام السادس يواجه المغرب تهديدا حقيقيا من جراء الجفاف، وسط مخاطر تحدق بالقطاع الزراعي الذي يمثل عصب الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

وبحسب تجار المواشي، فإن أسعار الأضاحي تفوق ثلاثة آلاف درهم (300 دولار) للرأس الواحد، بينما تبيع بعض الأسواق الأخرى الكيلوغرام ما بين 65 درهما (6.5 دولار) و83 درهما (8.3 دولار).

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: