رحيل صفاء… صرخة لم تسمع
كان أملها أن ترتدي البذلة السوداء للدفاع عن المظلومين والمضطهدين قبل أن ينهي “العبث” حياتها
فجأة، تحولت لحظة تتبع ومراقبة سير امتحانات الباكلوريا لهذه السنة، إلى لحظة يخيم عليها الحزن والأسى، بعدما انطفأت شمعة كانت كلها أمل وحيوية لمعانقة المستقبل، وقبل ذلك معانقة والدها بفرحة النجاح، وكان العيد بالنسبة إليها عيدين، عيد باكلوريا وعيد الأضحى، لكن تحولت الفرحة إلى قرحة، وتحول الأمل إلى ألم يعصر قلوبنا.
رحلت صفاء حبوب، تلك التلميذة التي لم تكمل ربيعها السابع عشر، دون أن تسمع صرختها، التي هي صرخات المئات بل الآلاف ممن يعانون ضغوطا نفسية رهيبة، وتحول الامتحان في نظرهم إلى صراط يتطلب المرور منه سرعة البرق الخاطف.
في لحظة من اليأس والضياع، شاء أن تسقط نجمة جديدة قبل أن تتلألأ بأملها، وينقطع حبل الحياة الذي كان يربطها بنا.
بعد معاناة طويلة مع الضغوطات النفسية بسبب شبح الامتحانات، تحولت التلميذة صفاء التي كانت تحلم بمستقبلٍ مشرق، تحلم بأن تعانق فضاء الجامعة، وتدرس القانون، لتصير محامية تدافع عن الضعفاء والمظلومين والمضطهدين، إلى جثة تتلقفها أمواج كورنيش أموني بآسفي، والذي تحول إلى وجهة لكل هارب من ضغوط الحياة بهذه المدينة، التي صارت تصنع الموت والقرح أكثر من الفرح.
ففي زحمة الأفكار وضغوط الامتحان، وما سبقه من هدر للزمن المدرسي نتيجة كثرة الإضرابات، والحلول الترقيعية التي لجأت إليها الوزارة الوصية، لترميم الزمن المهدور، كانت صفاء، التي تتابع دراستها بثانوية ابن خلدون، مسلك العلوم الإنسانية، كباقي التلميذات، يغمرها الخوف والفزع، أمامها ورقة بيضاء، تعبر عن حلم وطموح ينتظر الفرج. حلم معانقة البذلة السوداء.
تلميذة تعانق الكتب والدفاتر، وتحرص على الحضور إلى حصص الدراسة، بانتظام وتؤدي واجباتها الدراسية، تسعى لنيل العلم والفهم الواضح، ولكن في لحظة من ضياع الأمل، تغلبها الخيانة والهم الكثيف، الذي خيم عليها طيلة مدة الاستعداد للامتحانات، فتلجأ للغش بأمل في البقاء، أمل في النجاح، لكن فجأة تنقضي حياتها الدراسية في لحظة، ويقيدها الفشل، وينتهي أمامها الأمل، وتشعر وكأن صدى حارس الفصل أو حارسته، يتردد في أذنها. “ستمنعين من اجتياز الامتحان مستقبلا”.
بصوت قاس وقلب جليد، ينطقون بالحكم والعقاب، أمام تلميذة لا تقدر على الاستيعاب حتى، فتنهار أحلامها وأمانيها، وتغرق في بحر الأسى والألم.
لم يكن لتلك اللحظة مرجع، لتهبط بأجنحة اليأس إلى الأرض، فتحمل بعبء الخيبة والفشل، وتنبش في أعماق الوجدان الجريح.
تركوها مهزومة منكسرة محبطة، تغادر المؤسسة. ترمق أعين الأمهات اللواتي كن يتقلبن فوق الجمر، ينتظرن أبناءهن، يسارعن إلى استفسارها. تستحضر صورة والدتها المتوفاة، ووالدها، الأمل الذي بنته عليها أسرتها الفقيرة. لكنها تصطدم بالواقع، فتختار الهروب، فلا أحد يدرك حجم الانهيار الداخلي، والمأساة التي صنعها نظام تعليمي، وتختار معانقة أمواج البحر، مستسلمة لواقع رديء يأبى الارتفاع.