الجفاف يتحول إلى تظاهرات احتجاج في الجزائر
شهدت نهاية الأسبوع الماضي اندلاع أعمال شغب عنيفة في مدينة صحراوية جزائرية تعاني الجفاف، وجاء ذلك بعد أشهر من نقص المياه الذي ترك الصنابير جافة وأجبر السكان على الوقوف في طوابير للحصول على مياه تستهلكها أسرهم.
وتقع مدينة تيارت على بعد 250 كيلومترا جنوب غرب الجزائر، ويقل عدد سكانها عن 200 ألف نسمة. وأبرزت الصور ومقاطع الفيديو المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي أن المتظاهرين فيها الذين كانوا يرتدون أقنعة، أشعلوا النار في الإطارات وأقاموا حواجز مؤقتة تغلق الطرق احتجاجا على تقنين مياههم.
واندلعت الاضطرابات بعد مطالبات من الرئيس عبدالمجيد تبون بتخفيف المعاناة القائمة. وناشد حكومته، خلال اجتماع لمجلس الوزراء الأسبوع الماضي، تنفيذ “إجراءات الطوارئ” في تيارت. وتقرر إرسال العديد من وزراء الحكومة في وقت لاحق “للاعتذار من السكان” ووعدهم بتمكينهم من مياه الشرب.
وقال وزير الداخلية الجزائري إبراهيم مراد، في تصريحات نشرتها وسائل إعلام حكومية، الأسبوع الماضي، إن مياه الشرب بتيارت ستتوفر “في غضون أسبوعين أي بحلول عيد الأضحى، بفضل الإجراءات العملية التي سيتم اتخاذها”. وتتزامن أعمال الشغب مع دخول تبون في سباق على ولاية ثانية لرئاسة الدولة الغنية بالنفط والأكبر في أفريقيا من حيث المساحة.
◙ الاضطرابات اندلعت بعد مطالبات من الرئيس تبون بتخفيف المعاناة القائمة وناشد الحكومة بتنفيذ إجراءات الطوارئ في تيارت
وتعدّ شمال أفريقيا من بين أكثر مناطق العالم تضررا من تغير المناخ، واستنزف الجفاف الذي دام عدة سنوات الخزانات الحرجة مع انخفاض كمية الأمطار التي تجددها. وتحصل المنطقة، الواقعة على هضبة صحراوية عالية شبه قاحلة تعاني من الحرارة الشديدة بشكل متزايد، على مياهها من ثلاثة خزانات سدود تتقلص مع ارتفاع درجات الحرارة وقلة هطول الأمطار.
وقال المهندس الزراعي سعيد وراد إن “كفاءة الخزانات تراجعت وانخفضت إلى 20 في المئة من طاقتها”. وأضاف في تصريح صحفي أن “طبقات المياه الجوفية في المنطقة لم تتمكن من التعافي لسنوات بسبب شح الأمطار”. ويتمثل الحل طويل الأجل الذي قد يفيد الجزائر في ضخ المياه عبر أنابيب المياه من السدود الأكبر شمالا وجنوبا من تيارت والتحول إلى إمدادات بديلة، بما في ذلك محطات تحلية المياه التي استثمرت فيها البلاد بكثافة.
ويعتبر الغرب الجزائري والهضاب العليا الغربية، أكثر المناطق المتضررة من موجة الجفاف، مقارنة بوسط البلاد وشرقها اللذين شهدا هطولا للأمطار خلال الأسابيع الماضية، وهو ما أنجح الموسم الزراعي وخفف من أزمة شح ماء الشرب، عكس المناطق المذكورة، حيث تعيش عدة مدن وولايات كمعسكر ووهران وسيدي بلعباس على وقع أزمة مياه، يجري التغطية عليها من طرف السلطات المحلية، الأمر الذي يزيد من حالة الاحتقان الشعبي ولا يستبعد انفجار احتجاجات مماثلة.
وتقع الجزائر على غرار باقي دول شمال أفريقيا، ضمن نطاق مهدد بالجفاف، والذي تضرر مبكرا من تأثيرات التغير المناخي. ويضغط المعطى الديموغرافي والرقعة الجغرافية على الجزائر بشكل أكبر من أجل توفير المياه للسكان وتنشيط القطاع الزراعي، وهو ما يتطلب ضخ إمكانيات مالية ومادية ضخمة لتحقيق المبتغى، فطموحها للوصول إلى توفير كمية أربعة ملايين متر مكعب يوميا من مياه التحلية في غضون العام الجاري، يبقى بعيدا عن الحاجيات الأساسية للبلاد المقدرة بعشرة ملايين متر مكعب.
ويحاول المسؤولون في الأثناء جلب المياه من مصادر قريبة. وتأمل مجموعة كوسيدار، وهي الشركة العامة المسؤولة عن البنية التحتية للمياه في المنطقة، في الانتهاء من خطوط أنابيب جديدة بحلول يوليو لجلب المياه الجوفية إلى تيارت من آبار تبعد 32 كيلومترا. وقال مسؤول في الشركة غير مصرح له بالتحدث عن هذه المسألة إن “الشركة تعمل اليوم على نقل صهاريج كبيرة من المياه إلى المدينة”. وأضاف أن “تيارت وثلاث بلديات محيطة بها تعاني من هذا النقص في المياه منذ أشهر. وعاد الهدوء لكن الوضع لا يزال متوترا”.
وانتشرت أخبار التوترات على وسائل التواصل الاجتماعي لكنها لم تلق تغطية إخبارية تذكر في الجزائر حيث تعتمد العديد من الصحف ومحطات التلفزيون على عائدات الإعلانات من الدولة. وتقلصت حرية الصحافة في البلاد على نحو متزايد وسُجن صحافيوها خلال السنوات الأخيرة.