توجه إستراتيجي لتحقيق السيادة المائية في المغرب
يسارع المغرب الخطى بهدف ضمان سيادته المائية، فبعد مواسم الجفاف المتتالية التي تعرضت لها البلاد على مدى ست سنوات، وما ترتبت عنها من تبعات اقتصادية خاصة على المستوى الزراعي، بات من الضروري الانتقال إلى السرعة القصوى وإيجاد حلول فعالة، أبرزها تحلية مياه البحر.
يتوجه المغرب نحو تنفيذ خطة جديدة للنهوض بالمجال المائي، من خلال العمل على تشييد محطات لتحلية مياه البحر وتشييد محطات لمعالجة المياه، أو بناء سدود أكثر، في خطوة للتقليص من تبعات الجفاف وتأثيراته على مختلف القطاعات خلال السنوات الأخيرة.
ولعل آخر هذه الخطوات، إعطاء ولي العهد الأمير مولاي الحسن، الإثنين، انطلاقة أشغال إنجاز محطة تحلية مياه البحر بجماعة المهارزة الساحل بإقليم الجديدة.
وأكد المدير العام للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، طارق حمان، أن هذه المحطة تعد الأولى على المستوى الأفريقي، وذات مكانة مهمة لضمان السيادة المائية، وتحقيق أرقام نمو اقتصادية تتماشى مع طموحات المملكة، كونها ستزود منطقة كبيرة بالمياه الصالحة للشرب، علاوة على المناطق الصناعية والأراضي الزراعية.
وأضاف في ندوة صحفية، أن محطة تحلية مياه البحر للدار البيضاء تكتسي أهمية كبرى على المستوى التقني، حيث سيتم تزويدها بأحدث التكنولوجيات في هذا المجال، وسيتم تشغيلها بالطاقة المتجددة، مشددا أن كل الكهرباء اللازمة لتشغيل المحطة سيتم تأمينها من الطاقات المتجددة غير الملوثة للبيئة، مبرزًا أنه تم أخذ جميع الإجراءات المتعلقة باحترام البيئة بعين الاعتبار.
وتابع أن هذه المنشأة سيتم تشييدها بفضل شراكة بين القطاعين العام والخاص.
ويقدر الانتاج السنوي للمحطة الجديدة سنوية بحوالي 300 مليون متر مكعب، سيستفيد منها سكّان يقدر تعدادهم بـ 7.5 مليون شخص. وستُنجز المحطة الجديدة، التي ستمكن من تلبية الطلب المتزايد على الماء في الدار البيضاء الكبرى ومدن سطات وبرشيد والبئر الجديد والمناطق المجاورة، على مرحلتين، على قطعة أرضية تبلغ مساحتها 50 هكتارا، وستكلف استثمارا إجماليا يبلغ 6.5 مليار درهم، تمت تعبئتها في إطار شراكة بين القطاعين العام والخاص.
وأفاد أستاذ العلوم السياسية، رشيد لزرق، أن “إعطاء ولي العهد الأمير مولاي الحسن انطلاق العمل على إنشاء محطة تحلية مياه البحر، إشارة سياسية وإستراتيجية بالتركيز على المشاريع ذات طابع إستراتيجي يقودها العاهل المغربي الملك محمد السادس الذي حدد الأهداف التي تحقق السيادة المائية والأمن الغدائي”، موضحا أن “محطات تحلية ماء البحر هي حلقة من حلقات تحقيق السيادة بمفهومها الواسع في ظل التحديات المتزايدة في مجال الموارد المائية بالمملكة”.
وأكد في تصريح لـه، أن “المملكة المغربية توجهت استراتيجيا لتحقيق السيادة المائية للبلاد من خلال محطات لتحلية مياه البحر بمختلف التراب الوطني، وانخراط ولي العهد في هذا الاتجاه يدخل ضمن مسؤوليات المؤسسة الملكية التي تشرف على المشاريع الإستراتيجية الكبرى المتعلقة في جزء منها بالأمن المائي على نطاق واسع وتوجيه الحكومة للعمل على ذلك”.
ويعمل المغرب على خطة تحلية مياه البحر، بإنشاء 36 محطة بحلول 2026 و2027، بالإضافة إلى محطات لمعالجة المياه العادمة، ومواصلة سياسة بناء وتشييد السدود، وخصص المغرب 143 مليار درهم، بهدف ربط الأحواض المائية بين الشمال والجنوب، حيث سيتم ربط الأحواض التي تتوفر على المياه بنظيرتها التي لا تتوفر عليها.
وكان عزيز أخنوش، رئيس الحكومة المغربية، قد أكد في معرض تقديمه للحصيلة المرحلية للعمل الحكومي، أمام البرلمان بغرفتيه، نهاية أبريل الماضي، أن “الحكومة تباشر عددا من الإجراءات لتعزيز السيادة الوطنية في كل أبعادها، خاصة فيما يتعلق بالسياسة المائية والطاقية، ولعل ما يبرز الطابع المستعجل لقضية الماء ببلادنا، هو حجم العناية الملكية التي حظي بها هذا الملف على امتداد السنتين الماضيتين، خلال جلسات العمل التي ترأسها جلالة الملك محمد السادس حول إشكالية الماء، والتي أثمرت البرنامج الوطني للتزود بالماء الصالح للشرب ومياه السقي 2020 – 2027”.
وتقدر حاجات المغرب من المياه بأكثر من 16 مليار متر مكعب سنويا، 87 في المئة منها للاستهلاك الزراعي، لكن موارد المياه لم تتجاوز نحو 5 ملايين متر مكعب سنويا خلال الأعوام الخمس الأخيرة.
ويُواجه المغرب أزمة مياه بسبب سنوات متتالية من الجفاف، وهي الأزمة التي حمل سياسيون تراكمها لحزب العدالة والتنمية الذي قاد الحكومة في مناسبتين وهي المتهمة بأنها أهدرت سنوات من الحكم دون الاستثمار في تنفيذ برنامج بناء السدود والحفاظ على المخزون المائي.
وعبر أعضاء البرلمان المغربي عن تقديرهم لحساسية الوضع والجهود التي تبذلها الحكومة لمعالجة الأزمة، وطالبوها بالاجتهاد وتسريع وتيرة المشاريع المبرمجة من محطات تحلية مياه البحر، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بضمان وحماية الطبقة المائية من الاستنزاف.
واعتبرت الحكومة أن المغرب يتوفر على واجهتين بحريتين مهمتين، يمكن استغلالهما لتشييد أكبر عدد من محطات تحلية مياه البحر وتأمين الماء الصالح للشراب ومياه الريّ في مجموع المناطق المغربية، مع عزمها إحداث معهد خاص بالبحث في قضايا ومجال السيادة المائية.
وأكد نزار بركة وزير التجهيز والماء، على مساعي الحكومة الحثيثة لتسريع إنجاز المشاريع المبرمجة للتغلب على التحديات المطروحة أمام البلاد في هذا المجال، معلنا أن العمل يجري لإعداد إستراتيجية وطنية واضحة ومحكمة لتفادي المشاكل والتحديات المستقبلية، وأن محطات تحلية مياه البحر ستساهم في حل كل الإشكاليات التي نواجهها، من تراجع الإمكانيات المائية للمغرب التي كان له وقع وأثر على المساحات المزروعة.
وستبلغ القدرة الانتاجية للنصف الأول من المشروع، الذي يُتوقع أن يُشرع في استغلاله في نهاية سنة 2026، 548 ألف متر مكعب من المياه المعالجة يوميًا (200 مليون متر مكعب سنويًا)، لترتفع هذه القدرة الإنتاجية في الشطر الثاني الذي سيبدأ استغلاله في منتصف سنة 2028، إلى 822 ألف متر مكعب يوميًا، أي بزيادة قدرها 100 مليون متر مكعب سنويًا، منها 50 مليون متر مكعب للاستعمال في قطاع الفلاحة.
ويمثل نقص المياه في المغرب تحديا متزايدا يتطلب استراتيجيه جادة وفعالة لمعالجة هذه القضية المهمة، ومن بين أهم الأسباب التي تسهم في زيادة هذا التحدي عوامل كثيرة.
وتعد موجة الجفاف التي يعيشها المغرب هي الأقسى في تاريخ البلاد، الأمر الذي أكّده وزير التجهيز والماء نزار بركة في تصريحات شهر ديسمبر الماضي، فقال: “دخلنا مرحلة دقيقة بعد خمس سنوات متتالية من جفاف لم تعِشه بلادنا من قبل”، مضيفاً بأن “الأشهر الثلاثة الأولى (للموسم الزراعي) أظهرت أننا نتجه إلى سنة جفاف أخرى، لا قدر الله”.
وحسب الأرقام التي أدلى بها الوزير المغربي شهدت الأشهر الثلاثة الأولى من الموسم الزراعي عجزاً في التساقطات بلغ نحو 67 في المئة، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.