ثلاث مرشحات للرئاسة الجزائرية: تأنيث لقصر المرادية أم تجميل للمشهد الانتخابي
سجل السباق إلى قصر المرادية سابقة من نوعها بترشح ثلاث جزائريات، الأمر الذي يمنح الانتخابات المنتظرة زخما أكبر، ويقول مراقبون إنه من المبكر الجزم بطبيعة هذه المشاركة هل هي نابعة من إرادة للتغيير أم مجرد إضفاء لمسحة جمالية على الاستحقاق.
انضمت سيدة أعمال جزائرية إلى لائحة المرشحات للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها بعد ثلاثة أشهر، لتكون بذلك المرأة الثالثة بعد لويزة حنون وزبيدة عسول، في سابقة من نوعها حيث لم يسجل مثل هذا الحضور النسوي في الاستحقاق الرئاسي الجزائري. وتطرح المشاركة النسوية في الانتخابات الرئاسية المقبلة في الجزائر تساؤلات حول ما إذا كان ذلك يعكس رغبة حقيقية في تأنيث قصر المرادية، أم مجرد تزيين للمشهد الانتخابي لا غير.
وأعلنت سيدة الأعمال ورئيسة الكونفيدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية سعيدة نغزة، عن خوضها للانتخابات الرئاسية المقررة في السابع من شهر سبتمبر القادم، في خطوة فاجأت الرأي العام، قياسا بالحضور السياسي المحدود للمرأة، وتفرغها للشأن الاقتصادي منذ ظهورها في واجهة رجال ونساء المال والأعمال في البلاد.
وبهذا القرار تشهد الانتخابات الرئاسية في الجزائر تحولا لافتا، خاصة إذا ما استطاعت السيدات الثلاث تجاوز اختبارات المرور إلى السباق النهائي، بما أن العديد ممن يعلنون عن نيتهم خوض المعترك يفشلون في استيفاء الشروط اللازمة، وعلى رأسها جمع 60 ألف تزكية من الوعاء الانتخابي تتوزع على 28 محافظة، أو الحصول بدلها على 600 تزكية من منتخبين في مجالس محلية أو وطنية.
وتمثل المغامرة التي قررت سيدة الأعمال خوضها، أول مشاركة صريحة لها في المشهد السياسي، بعدما أثارت لغطا في الفترة الماضية، بسبب رسالة وجهتها إلى رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون، عبر شبكات التواصل الاجتماعي، انتقدت فيها بعض الخيارات الاقتصادية والاجتماعية للحكومة وتعمدها حظر الاستيراد دون مراعاة حالات الندرة والغلاء الفاحش للأسعار.
وكانت المحامية والحقوقية زبيدة عسول، المحسوبة على التيار العلماني الداعم للحراك الشعبي والمطالب بالتغيير السياسي في البلاد، أول امرأة تعلن ترشحها للاستحقاق الرئاسي، وتلتها زعيمة حزب العمال اليساري لويزة حنون. ولم يكن ترشح عسول وحنون مفاجئا للرأي العام قياسا بتعوده على حضورهما في المشهد السياسي، لكن انضمام نغزة إلى المجموعة أثار اهتمام المتابعين، ليس لحضور سياسي ما، بل للجدل الذي أحاط بها خلال الأشهر الماضية، لما دخلت في سجال مع خصوم لها في رئاسة الجمهورية ورئيس حركة البناء الوطني عبدالقادر بن قرينة.
ويعكس اهتمام المرأة الجزائرية بشغل قصر المرادية، رغبة في كسر الصورة النمطية وإحداث تغييرات في الذهنيات. ويسجل للمرأة الجزائرية حضور في مختلف مؤسسات الدولة بداية من المناصب الرسمية العليا كالحكومة والبرلمان والقضاء، وقيادة الأحزاب السياسية وفواعل المجتمع المدني، وهيمنتها على العديد من القطاعات، لكن ذلك لا يلغي الذهنية الذكورية التي لا تزال تبصم بإكراهاتها على المجتمع.
◙ سعيدة نغزة أثارت لغطا في الفترة الماضية، بسبب رسالة وجهتها إلى الرئيس عبدالمجيد تبون وانتقدت فيها بعض الخيارات
ويشكل ترشح ثلاثة نساء للسباق الرئاسي تجربة محفوفة بالتأويلات والقراءات المتباينة، بين من يراها خطوة جادة لتأنيث قصر المرادية، وبين من يراها مجرد قطعة ديكورية لتزيين المشهد الانتخابي، وتسويق صورة إيجابية عن الممارسة الديمقراطية وحقوق المرأة الجزائرية للرأي العام الدولي. وتعد سيدة الأعمال سعيدة نغزة، أول مرشح من المرشحين المعلن عنهم إلى حد الآن، الذين بإمكانهم تحريك المياه الراكدة وكشف بعض الأوراق والممارسات التي اتخذت من مواقعها في قصر الرئاسة غطاء لتصفية الحسابات مع من يخالفونهم الرأي.
ورغم سيرتها المناوئة لتكتل رجال المال والأعمال الذي كان يحيط بالرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، وعلى رأسهم رئيس ما كان يعرف بـ”منتدى رؤساء المؤسسات” رجل الأعمال المسجون علي حداد، إلا أن نغزة اتهمت بأنها “إحدى أذرع العصابة”، وأنها من “دعاة نهب وتبديد المال العام”، وهو ما يسجل في برقية لوكالة الأنباء الرسمية، أخذت على عاتقها منذ عدة أشهر مهمة تصفية الحساب بين سيدة الأعمال وبين خصومها في رئاسة الجمهورية.
ونغزة التي تعرضت إلى مضايقات بحسب مصادر متابعة للقضية، عبرت في تسجيل لها عن استغرابها واندهاشها من اتصال “رئيس حركة البناء الوطني عبدالقادر بن قرينة، بها ليطلعها على حيازته على الرسالة التي بعثت بها إلى رئيس الجمهورية، ولومه لها على عدم الاتصال به لتسوية الأمر، بدل اللجوء إلى شبكات التواصل الاجتماعي لكشف المستور”.
وذكرت سيدة الأعمال في إعلان ترشحها أمام وسائل الإعلام، أنها “اتخذت هذا القرار بعد تفكير طويل، وإدراك تام، وبحجم الآمال الكبيرة التي يتطلع إليها الشعب الجزائري، وأنا على علم بعظم المسؤولية التي يترتب عليها السير في هذا السبيل”. وأضافت “أمضيت مسيرة طويلة في تسيير مؤسسات اقتصادية وكان لي الشرف أن أترأس منظمات وطنية ودولية، من خلالها أتيحت لي فرصة معاينة وتشخيص اقتصادات ناشئة للعديد من الدول التي تشهد سباقا تكنولوجيا غير مسبوق، مما سيحدد تصنيفا جديدا للعالم”.
وتابعت “من واجبنا تغيير الذهنيات، كما يجب أن نشمر عن سواعدنا، ونواجه بكل شجاعة وإصرار جميع هذه المعارك المتعلقة بمستقبلنا. ولدي ثقة تامة في قدرة شعبنا على التغلب على كل هذه التحديات، وسنكمل حلم شهدائنا الأبرار لتحقيق دولة جمهورية ديمقراطية واجتماعية مثل ما آمنوا بها”.
ومنذ السجال الذي تفجر بين المرأة وبين خصومها في الدوائر المحيطة برئاسة الجمهورية، تعمقت العلاقات سواء بين الرئيس تبون نفسه أو بين محيطه مع التنظيم الجديد لرجال المال والأعمال، المنضوي تحت لواء “مجلس التجديد الاقتصادي”، الذي يقوده رجل الأعمال كمال مولى، في حين تم تجاهل المرأة كسيدة أعمال وكرئيسة تنظيم مهني، كما تعرضت لهجوم متعدد الجهات، الأمر الذي يرجع لكشفها أوراقا ستكون صداعا لمرشح السلطة وللفريق المحيط به في رئاسة الجمهورية.