اليأس من التغيير في الجزائر يبعد الوجوه الوازنة ويحجب الجيل الجديد

تواصل شخصيات سياسية من الوزن الثقيل في الجزائر التواري عن الأنظار رغم حساسية المرحلة التي تمر بها البلاد، وحاجة المجتمع إلى كل أفراده من أجل توفير خيارات متعددة ومتنوعة في الانتخابات الرئاسية.

وقد اقتنعت وجوه سياسية بارزة بعدم استعداد السلطة للتغيير وتوفير شروط المنافسة الحقيقية، الأمر الذي يجعل من الاستحقاق الرئاسي مجرد محطة روتينية لتمديد عمر النظام.

وفتحت اللجنة الوطنية المستقلة للإشراف على الانتخابات أبوابها منذ السبت أمام الراغبين في خوض غمار الانتخابات الرئاسية المقررة في السابع من سبتمبر القادم، لسحب استمارات التزكية، مباشرة بعد توقيع الرئيس عبدالمجيد تبون مرسوم استدعاء الهيئة الناخبة، وهو ما يعتبر إيذانا ببداية السباق بين الطامحين إلى شغل كرسي قصر المرادية.

الجزائر دون وجوه بارزة تعوّد عليها الرأي العام، ودون وجوه جديدة بإمكانها استمالة الجزائريين للانتخابات

وفيما سارعت “أرانب السباق” إلى سحب الوثائق المذكورة والتقاط صور في وسائل الإعلام، يواصل المنافسون الفاعلون الصمت بشكل مريب، الأمر الذي يعمق حالة اللامبالاة لدى الشارع الجزائري تجاه الانتخابات، رغم ما للأمر من خطورة على تثبيت الوضع القائم والتسليم للسلطة بفرض الأمر الواقع.

وتبدو الجزائر في هذا الاستحقاق دون وجوه بارزة تعوّد عليها الرأي العام، ودون وجوه جديدة بإمكانها استمالة الجزائريين للانخراط في المعترك السياسي، ولم يبق في الواجهة إلا مرشح سلطة محتمل التف حوله من يوصفون بـ”الزبائن” و”الانتهازيين”، وهم مجموعة من الشخصيات والأحزاب التي تنازلت عن طموحها وبرامجها وانساقت خلف مرشح زعمت أنها وجدت فيه الشروط التي تبحث عنها في الرئيس الذي تريده.

ويحاول البعض تقديم نفسه في ثوب المعارضة السياسية، على غرار مرشحي حركة مجتمع السلم الإخوانية وجبهة القوى الاشتراكية، وهما حزبان بدا أنهما يحرصان على نيل ثقة السلطة أكثر من حرصهما على أداء دور المعارض لها.

وقدم حزب جيل جديد في بيانه الأخير قراءة تحليلية قريبة من الواقع السياسي للبلاد، فقد ذكر أن “على الجزائر أن تهيئ نفسها لتغييرات كبرى في الوجوه وفي الممارسات السياسية”.

وأضاف “ليس من الطبيعي أنه في الوقت الذي أوشكت الطبقة الحاكمة على نهاية مسارها، ألا يبرز أي حزب سياسي من الحراك ولا أي وجوه سياسية جديدة بينما الهياكل الحزبية والشبكات التي كانت رائدة في مساندة العهدة الخامسة لا تزال تمسك بمقاليد السلطة”.

حح

هذا هو الوجه الجديد عشية الانتخابات الرئاسية؛ “لا قديم تجدد ولا جديد برز”، استحقاق يجري التحضير له بآليات ووسائل مستهلكة، بينما التحديات الداخلية والخارجية تفرض نقلة سياسية نوعية، سواء بسلطة تروج لجزائر جديدة والقطع مع العهد القديم، لكن بأدوات قديمة، أو بمعارضة مستعدة لضخ دماء جديدة وتجاوز خطاب المظلومية والتشكي من القمع والتضييق.

ويعود آخر ظهور للمعارضة والشخصيات المستقلة إلى بيان صدر عام 2020، دعا السلطة إلى “التهدئة ورفع القيود عن الحريات السياسية والإعلامية”، ومنذ ذلك الحين لم يجد الجزائريون سيد أحمد غزالي ولا أحمد بن بيتور ولا طالب الإبراهيمي ولا مولود حمروش ولا أيا من الوجوه المعارضة، ليشعروا بأنهم تُركوا فريسة للسلطة تفعل بها ما تريد بعدما انطفأت جذوة الحراك الشعبي.

وأمام هذه الوضعية التي زادت من فقدان الثقة بالسلطة والمعارضة معا، واضطرار الشارع إلى الانطواء على نفسه، تأسست حالة جديدة من اللامبالاة والاكتفاء بالتفاهة والتنكيت على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما عبرت عنه قراءة حزب جيل جديد بالقول “شيئا فشيئا تحول الحماس السياسي لسنوات التسعين إلى لامبالاة عند النخبة والشعب حتى وصل التعبير عنها إلى حد العدمية بشأن الحياة العامة”.

تسليم المشعل في الجزائر.. فرية الشيوخ على الشباب

وأضاف الحزب “خلال العشريتين الأوليين من هذا القرن الحادي والعشرين، تمت تهيئة فضاء المجتمع السياسي (أحزاب سياسية، نقابات، جمعيات، وغيرها) بالتهميش أو بشكل من أشكال الفساد”.

ولم تكن الأحزاب السياسية التي شكلت ائتلافات السلطة سوى أجهزة الواجهة، دون مشروع ودون برنامج سياسي منسجم. كانت أمامها فقط مرافقة النظام السياسي بخطابات جياشة ومشاركة انتخابية شكلية.

وكان ينظر إلى المؤسسات السياسية على أنها درع في وجه فوضى ديمقراطية سِيء فهمها وسيء اكتسابها. لذلك تحصنت السلطة في برجها العاجي تاركة الشعب في الهامش بعد أن وزعت عليه أوهام دولة اجتماعية ممتدة في الزمن بفضل الريع (النفط).

وتابع حزب جيل جديد “كان على الحراك أن يكون اللحظة التي تعالج فيها صدمات الماضي وفرصة الانطلاق من جديد لبلد أعيق طويلا من طرف شياطينه الداخلية؛ لقد أجهضت للأسف انفعالات الجموع الغفيرة وتحطيم البنية السياسية للمجتمع والهرج السياسوي، لذا وجدت الهيئة الرئاسية نفسها بين خيار ضمان الأمان رفقة المجتمع السياسي المشكل منذ ثلاثة عقود أو المخاطرة ببناء نظام سياسي جديد بوجوه سياسية غريبة عن الفضاء التكنوقراطي للنظام القائم”.

وبهذه المقاربة تتجه الانتخابات الرئاسية الجزائرية إلى تكريس اختيار السلطة للأمن والأدوات الجاهزة، ويبدو أن العودة إلى الجاهز تقدم لها ضمانات أكثر من مستقبل واعد ولو كان مليئا بالارتياب والشكوك، وهذا الخيار هو الذي يبعد شخصيات وازنة عن الانخراط في الاستحقاق، لأن امتلاكها خبرةَ الماضي وتصور المستقبل يجعلها محل شك يدب في الجزائر ويفوّت عليها أي فرصة للتغيير.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: