تحركات مناوئة: حدود عودة داعش إلى دول المغرب العربي
لا يزال تنظيم داعش الإرهابي وما يتبناه من أفكار متطرفة ومخططات يستهدف من خلالها زعزعة الأمن القومي لبعض الدول، ومنها دول المغرب العربي، أحد أهم مصادر التهديدات الأمنية المتصاعدة في تلك المنطقة ذات الأهمية الإستراتيجية.
أشار التقرير السنوي الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام الخاص بمؤشر الإرهاب العالمي لعام 2024، إلى أن تنظيم داعش الإرهابي بفروعه المتعددة يحتل قائمة التنظيمات الإرهابية الأكثر نشاطا خلال عام 2023، ومن ثم الأكثر تهديدا للأمن القومي للدول سواء تلك التي ينتشر بها، أم تلك الواقعة بالقرب من مناطق تمركز أحد فروعه مثل فرع التنظيم في غرب أفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء، الذي يمثل تهديدا مباشرا لأمن الدول المغاربية وشمال أفريقيا.
يرى مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة أن هناك مجموعة من المؤشرات الدالة على اهتمام تنظيم داعش الإرهابي باستهداف منطقة المغرب العربي أو إحدى دولها خلال الفترة الأخيرة، سواء من خلال تشكيل بعض الخلايا الإرهابية النائمة داخل هذه الدول، والتخطيط لاتخاذ البعض الآخر منها كنقطة انطلاق جديدة لها والتخطيط لتنفيذ عمليات إرهابية جديدة.
وفي الرابع عشر من مايو 2024، أعلنت السلطات المغربية عن نجاح قوات مكافحة الإرهاب في تفكيك خلية إرهابية نائمة موالية لتنظيم داعش الإرهابي مكونة من 4 أفراد، كانت متمركزة بمدينتي “تيزنيت” و”سيدي سليمان”، كانت بحوزتهم معدات شبه عسكرية (سترة تكتيكية، خوذة، منظار تسديد، قناع، مخطوطات ذات طابع متطرف، مجموعة من الدعامات الإلكترونية سيتم إخضاعها للخبرات الرقمية اللازمة)، وقد أشارت السلطات الأمنية المغربية إلى أن عناصر هذه الخلية انخرطت في عمليات مشبوهة بغرض توفير الموارد المالية والدعم اللوجستي استعدادا لتنفيذ بعض العمليات الإرهابية لاستهداف الأمن القومي المغربي.
مؤشرات
ومنذ شهر يناير 2024 تعلن السلطات المغربية عن عمليات متتالية للكشف عن خلايا تابعة لداعش تقوم بتجنيد عناصر جديدة، وإرسال مقاتلين للقتال في صفوف التنظيم في الساحل والصحراء. وكشفت وزارة الدفاع الجزائرية في السادس عشر من مايو 2024، عن تمكن قواتها المسلحة من اعتقال 9 من العناصر الإرهابية المشتبه في انتمائها إلى تنظيم داعش الإرهابي، والتي تسللت إلى البلاد عبر الحدود المشتركة مع مالي، وكان بحوزتها بعض الأسلحة والمخططات لتنفيذ عمليات إرهابية داخل البلاد.
وفي شهر أبريل 2024، تمكنت السلطات التونسية من إلقاء القبض على عدد من العناصر الإرهابية المنتمية إلى تنظيم “جند الخلافة” الموالي لداعش، وعلى رأسها أمير كتيبة “جند الخلافة” محمود السلامي، والذي كان معه عدد من الأسلحة والأحزمة الناسفة، متهمة إياه باستهداف التشكيلات الأمنية والعسكرية وترويع أمن المواطنين في منطقة القصرين شمالي تونس.
وأشار أحد التقارير الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة في شهر فبراير 2024، إلى أن الآلاف من العناصر المسلحة لبعض التنظيمات الإرهابية ومنها داعش أصبحت تنتشر بكثافة في عدد من المناطق المهمة داخل القارة الأفريقية، ومنها منطقة الساحل والصحراء وغرب أفريقيا، وخاصة أفراد تنظيم “الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى” الموالي لتنظيم داعش الإرهابي، الذين وفّرت لهم البيئة الإقليمية المضطربة في تلك المنطقة الفرصة المواتية للانتشار الكثيف بغرض محاولة إعادة ترتيب صفوفهم، واتخاذ منطقة الساحل والصحراء نقطة انطلاق باتجاه كافة أنحاء القارة الأفريقية، ومنها منطقة المغرب العربي وشمال أفريقيا.
◙ المغرب العربي يعد أحد الأهداف التي يسعى داعش للتوغل بداخلها في ضوء الخسائر في منطقة الشرق الأوسط وآسيا
ويدل على ذلك ما تعلن عنه السلطات الأمنية في دول المغرب العربي من إلقاء القبض على عناصر إرهابية متسللة لها أو الكشف عن خلايا إرهابية نائمة بالداخل، ومن ذلك إعلان السلطات الأمنية في تونس خلال الفترة الأخيرة، عن توقيف بعض العناصر الإرهابية الموالية لداعش داخل البلاد، والتي تتبنى خطابا تكفيريا يتم نشره عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتخطيط لتنفيذ عمليات إرهابية داخل البلاد.
توجد الكثير من العوامل والمتغيرات السياسية والأمنية المهمة التي تدفع تنظيم داعش الإرهابي إلى الاهتمام بالتوجه نحو منطقة المغرب العربي وشمال أفريقيا سواء من خلال التسلل إلى داخلها وتشكيل خلايا نائمة موالية له داخل هذه الدول، أم التخطيط لتنفيذ عدد من العمليات الإرهابية هناك.
وتُعد منطقة المغرب العربي أحد الأهداف التي يسعى تنظيم داعش الإرهابي للانتشار والتوغل بداخلها في ظل حدة التنافس الجهادي بينه وبين تنظيم القاعدة، وذلك في ضوء الخسائر التي تعرض لها التنظيمان في منطقة الشرق الأوسط والقارة الآسيوية، وهو ما دفع كلا منهما إلى محاولة الانتشار وتمديد النفوذ في مناطق جديدة، الأمر الذي ترتب عليه دخولهما في حالة تنافس شديدة وخاصة في مناطق النفوذ المشترك، وقيام داعش باستهداف مناطق تمركز بعض الخلايا التابعة للقاعدة، وذلك لرغبة تنظيم داعش في تعزيز صورته أمام أتباعه ومواليه، وبما يساعده على جذب المزيد من العناصر القتالية الجديدة في إطار تجديد الدماء، بعدما تعرض لخسائر مادية وبشرية هائلة، وهو ما ظهر في ليبيا التي شهدت انتشارا لتنظيم داعش هناك وأصبح له ثلاثة فروع وهي: ولاية برقة وولاية فزان وولاية طرابلس، كما يسعى داعش لنشر أفكاره المتطرفة والترويج لها، وخاصة في ما يتعلق بالترويج لفكرة العالمية العابرة للحدود، وذلك من خلال شن أكبر عدد من العمليات الإرهابية التي يستهدف من خلالها المدنيين وأفراد المؤسسات العسكرية والأمنية في الدول التي ينتشر بها.
ومنذ اندلاع الأزمة السياسية في ليبيا في عام 2011، أصبحت البلاد تعاني حالة من السيولة الأمنية والفوضى السياسية التي دفعت التنظيمات الإرهابية إلى اتخاذ ليبيا مقرا لها، واتخاذها كنقطة انطلاق لتنفيذ عملياتها الإرهابية سواء داخل ليبيا أم باتجاه دول الجوار في منطقة المغرب العربي وشمال أفريقيا، ولا تزال حالة الفراغ السياسي والأمني التي تعاني منها ليبيا حتى الآن دافعا رئيسيا لبعض التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها داعش للتخطيط لتصعيد أنشطتها هناك. ورغم تراجع ترتيب ليبيا وفقا لمؤشر الإرهاب العالمي لعام 2024 لتصبح في المركز الـ39 عالميا، فإنها لا تزال تمثل مصدرا لأنشطة التنظيمات الإرهابية المتصاعدة بها، بما يمثل تهديدا مباشرا للأمن القومي لدول المغرب العربي.
وتمثل الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية المتدهورة في دول منطقة الساحل والصحراء دافعا رئيسيا لبروز أنشطة التنظيمات الإرهابية ومنها داعش، وفي مرحلة ما بعد الانقلابات العسكرية التي شهدتها دول الساحل والصحراء وتحديدا خلال السنوات الأخيرة، تصاعد نشاط داعش في تلك المنطقة بشكل ملحوظ، والذي ازداد بصورة أكبر عقب الانسحاب الفرنسي والغربي من تلك الدول، ولاسيما في شمال مالي.
تداعيات محتملة
تثير محاولات تنظيم داعش الإرهابي للانتشار والتوغل في دول منطقة المغرب العربي وشمال أفريقيا، مخاوف تلك الدول من التداعيات المحتملة لتصاعد أنشطة التنظيم الإرهابي في هذه المنطقة. وفي حالة نجاح الخلايا النائمة التابعة لتنظيم داعش الإرهابي في توسيع عضويتها عبر ضم عناصر جديدة من أفراد المجتمعات في دول المغرب العربي (تونس – ليبيا – الجزائر – المغرب)، فسوف يكون باستطاعة هذه الخلايا اتخاذ منطقة المغربي العربي كنقطة انطلاق جديدة تستهدف من خلالها الأمن القومي لدول المنطقة وتهدد مصالحها الوطنية، عبر إشاعة حالة من الفوضى الأمنية، ومن ثم القدرة على زعزعة استقرار الأنظمة السياسية المستقرة في تلك الدول.
وفي حالة نجاح تنظيم داعش في الانتشار داخل منطقة المغرب العربي سيعمل على تعزيز مكاسبه الاقتصادية، وقد يكون أحد مصادر ذلك الاتجاه للسيطرة على بعض حقول النفط والغاز في دول المنطقة، ولاسيما تلك التي تتمتع باحتياطيات هائلة من النفط والغاز الطبيعي مثل الجزائر وليبيا والمغرب.
ومن بين دوافع تنظيم داعش للسعي للانتشار في منطقة المغرب العربي هو حالة التنافس المحتدم بينه وبين تنظيم القاعدة، فإنه في حالة انتشار داعش في المغرب العربي، فإن هذه المنطقة ستتحول إلى ساحة لتصفية الخلافات والصراعات بين مختلف التنظيمات الإرهابية وليس فقط بين داعش والقاعدة، وهو ما سيترتب عليه المزيد من الفوضى الأمنية والسياسية في تلك المنطقة.