المغرب يمنح السجناء السابقين فرصا للاستقرار الأسري والاجتماعي بالتشغيل
يواجه السجناء السابقون عراقيل بعد خروجهم من السجن لذلك يعمل المغرب على إعادة إدماجهم في المجتمع من خلال خطط لتشجيع الشركات على تشغيلهم ومشاريع استثمارية في مختلف أنحاء المملكة لتمكين هذه الفئة من تحقيق الاستقرار المادي لهم ولعائلاتهم.
يجد السجناء السابقون صعوبة في الحصول على فرصة عمل بعد انقضاء فترة العقوبة، وبالتالي يواجهون عقبات في اندماجهم بالمجتمع، وهو ما يتسبب لهم في مشاكل أسرية واجتماعية واقتصادية، ويرفع من احتمالية عودتهم إلى ارتكاب أفعال إجرامية، وكحل لهذه المعضلة الاجتماعية تحاول الحكومة فتح نقاش حول منح الشركات مزايا إضافية مقابل تشغيل السجناء المفرج عنهم.
وأكد وزير العدل المغربي عبداللطيف وهبي بمجلس المستشارين أن وزارته بصدد فتح نقاش مع الأمانة العامة للحكومة، حول جواز منح الشركات تسهيلات في الصفقات العمومية مقابل توظيف السجناء السابقين.
واستحضر وهبي خلال التصويت على التعديلات والبت في مشروع قانون العقوبات البديلة بلجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، حالات مواطنين حاملين لشهادات ودبلومات ويعانون للحصول على فرصة عمل لأنهم كانوا سجناء سابقين.
وفي هذا الإطار، قال المسؤول الحكومي إن سجناء يقصدونني حاملين دبلوماتهم ويطالبون بالعمل، وأنا أتجرع المرارة عندما أراهم، مضيفا أن هذا الإشكال طرح مع هيئة الإنصاف والمصالحة.. ولدينا الآن فكرة نناقشها مع الأمانة العامة للحكومة لإيجاد حل.
واعتبر وزير العدل عبداللطيف وهبي، أننا سنرى هل يجوز قانونا منح الشركات تسهيلات في الصفقات العمومية مقابل توظيف المعتقلين السابقين، أي أن كل شركة توظف 100 أو 200 سجين سابق، ستربح نقطة في الصفقات العمومية.
وأكدت شريفة لمويير، الباحثة في العلوم السياسية، أن السجناء السابقين يواجهون عراقيل حقيقية إثر خروجهم من السجن بعد إتمامهم العقوبة الحبسية، لذلك فسياسة إعادة الادماج التي يتبناها المغرب تقوم على مد يد العون للسجناء السابقين للبدء من جديد بالاندماج داخل المجتمع بمؤسساته.
وأوضحت الباحثة أن الصعوبات التي يواجهها هؤلاء الأفراد للاندماج داخل المجتمع من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم الوضع الأمني أكثر والحال أن مقاربة إعادة الاندماج تحتاج إلى مقوم رئيسي وهو رد الاعتبار لهاته الفئة مجتمعيا وقانونيا واقتصاديا، لأن أهم إشكال يقف أمام صحيفة السجل العدلي التي تؤثر بالسلب على مستقبل السجناء السابقين.
وفي مارس الماضي تم إطلاق برنامج المعهد العالي للقضاء بالرباط، أعلن عنه مركز النورديك لتحويل النزاعات، بحضور تمثيليات من وزارة العدل ومؤسسة الوسيط والمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، إضافة إلى سفارة المملكة الهولندية باعتبارها ممولة المشروع، ويهدف البرنامج إلى تقوية قدرات المؤسسات الوطنية في مجال المتابعة القضائية، وإعادة التأهيل وإدماج العائدين من بؤر التوتر.
وعن أهمية هذه الشراكة، أكد عبدالواحد الجمالي الإدريسي، منسق مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء، أنها توثق انطلاق برنامج يهتم بفئة من نزلاء المؤسسات السجنية، إذ إنها تسعى كذلك إلى اندماجهم في النسيجين الاقتصادي والاجتماعي، وذلك في رعاية لاحقة تمتد إلى ما بعد الإفراج عنهم، ما يحيل دون عودتهم إلى مستنقع الجريمة.
وفي إطار الموازنة بين مكافحة الجريمة وإعادة التأهيل والإدماج، اعتبر الإدريسي أن عملية إدماج السجناء هي أحد جوانب السياسة العقابية الحديثة، كما أن الإنسان لم يعد يخشى دخول السجن، إلا أن السجين عند خروجه من سجنه، سيجد نفسه في مجتمع ينبذه ويرفض الانضمام إليه.
وعلى مستوى تأهيل السجناء، أوضحت المندوبية العامة للسجون، في تقرير أنشطتها برسم سنة 2023، أن عدد السجناء الحاصلين على شواهد تعليمية بلغ ما مجموعه 1689، مقابل 1297 خلال الموسم الماضي، أي بزيادة تقدر بـ30 في المئة، منهم 633 سجينا حصلوا على شهادة البكالوريا، وهو ما يشكل نسبة 46.14 في المئة من مجموع السجناء المرشحين الأحرار.
وأكد التقرير أن برنامج التكوين المهني يستأثر بعناية خاصة في منظومة برامج التأهيل المعتمدة في المؤسسات السجنية، وذلك لما يوفره من فرص حقيقية للسجناء المستفيدين لاكتساب معارف ومهارات مهنية تسهل اندماجهم السوسيو – اقتصادي بعد الإفراج عنهم.
خطة لتدريب السجناء في مجال إحداث الشركات من أجل تمكينهم من المعارف والآليات التي تخولهم إنشاء وخلق مشاريع مدرة للدخل
كما شهدت سنة 2023، وفق التقرير ذاته، تنظيم النسخة الرابعة من برنامج “فرصة وإبداع” بشراكة مع وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، والذي يروم تأهيل السجناء الحرفيين وإبراز كفاءاتهم الفنية والحرفية، وقد بلغ عدد السجنـاء الـمستفيدين في إطار المرحلة الأولى للبرنامج والتي تهم تكوين المكونين، 113 سجينا وسجينة تم انتقاؤهم بناء على شرط الخبرة الحرفية في مجالات متنوعة (الحدادة الفنية، الجلد، النقش على الخشب، الفخار، الطرز والخياطة التقليدية).
وترى لمويير أن مقاربة الإدماج تحتاج إلى إجراءات فعالة لحل هذ المشكلة من خلال إعطاء الحق في فرصة ثانية لهاته الفئة مع إدماج فعال للتقليل من ظاهرة العودة إلى طريق الإجرام لدى هؤلاء السجناء، وما يشكله من تهديد حقيقي لأمن المواطنين، مشيرة إلى أن خطة الإدماج التي يشرف عليها العاهل المغربي الملك محمد السادس لفائدة السجناء السابقين بتعزيز القدرات المعرفية والتقنية لنزلاء المؤسسات السجنية، تحتاج إلى انخراط الحكومة ومؤسسات الدولة المعنية في صميم إستراتيجيات ومقاربات جديدة من شأنها فسح المجال لهم أكثر، وبالتأكيد أن فتح أبواب الشركات أمامهم من شأنه المساهمة أكثر في اندماج مجتمعي ناجح وفرضا المساهمة في الاستقرار الأسري.
وشدد وزير العدل أمام مجلس المستشارين، على ضرورة التحرك لإيجاد حل لهذه الفئة، موضحا أن من خرج من السجن يقولون عليه أنت “حباس”، هات وثيقة حسن السير والسلوك إذا أردت فرصة للعمل، مستحضرا قصة سيدة زج بها زوجها في السجن بسبب شيكات بدون رصيد، وعندما خرجت منه لم تجد عملا.
والتزاما منها بتعزيز فرص إدماج السجناء بالنسيج السوسيو – اقتصادي بعد الإفراج عنهم، تحرص المندوبية العامة للسجون على تدريب السجناء في مجال إحداث الشركات من أجل تمكينهم من المعارف والآليات التي تخولهم إنشاء وخلق مشاريع مدرة للدخل، وذلك بشراكة مع مؤسسة دار المقاول ومؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء.
وأشار تقرير المؤسسة إلى أن مشروع برنامج “السجون المنتجة” يعتبر أحد أبرز مساعي المندوبية العامة لتعزيز فرص تأهيل السجناء لإعادة الإدماج السوسيو – مهني بعد الإفراج عنهم، وتغيير الصورة النمطية السائدة عن المؤسسة السجنية، وتكريس هذه الأخيرة كمؤسسة منتجة للثروة ومساهمة في التنمية الوطنية.
وذكر التقرير أن تنفيذ أولى لبنات هذا المشروع عام 2022 جاء من خلال توقيع أول اتفاقية شراكة مع إحدى شركات القطاع الخاص بشأن إحداث وحدة إنتاجية متخصصة في تحويل النباتات العطرية وتقطير الزيوت الأساسية بالسجن المحلي بتاونات، مشيرا إلى أنه تم سنة 2023 الشروع في إنجاز أشغال إحداث هذه الوحدة في أفق تشغيلها عما قريب.
وشهدت مناطق عديدة من المملكة مشاريع متنوعة لفائدة السجناء السابقين، فقد تم توزيع معدات وتجهيزات خاصة بمشاريع مدرة للدخل خصصتها مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء لصالح سجناء سابقين بإقليم آسفي، وذلك بدعم من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. وتتعلق بالتكوين المهني والصحة والتعليم والدعم في المجالات الاجتماعية والصحية والإدارية والمهنية.
وتم التنفيذ العملي لهذا البرنامج وفق “مشروع حياة فردي”، الذي أسند تطويره إلى المراكز الجهوية للدعم وإعادة الإدماج التابعة للمؤسسة، لصالح كل مستفيد على حدة، وذلك لضمان إعادة إدماج هذه الشريحة من المجتمع في النسيج الاجتماعي والاقتصادي.
وتم تقديم شروحات وافية للعامل والوفد المرافق له بخصوص هذه المبادرة، الهادفة إلى إعادة الإدماج الاجتماعي والاقتصادي والمهني وتعزيز التشغيل الذاتي على مستوى الإقليم، حيث وصل المبلغ الإجمالي للاتفاقيات بين مؤسسة محمد السادس لإدماج السجناء وعمالة الإقليم إلى مليون درهم (حوالي 100 ألف دولار أميركي).
وقالت نائبة منسق مركز المصاحبة وإعادة الإدماج بآسفي زكية مراني في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، بالمناسبة، إن “هذه العملية تندرج في إطار اتفاقية الشراكة المبرمة بين عمالة إقليم آسفي ومؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء، وكذلك ضمن برنامج محاربة الهشاشة، وذلك في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية”.
وأضافت مراني وهي أيضا أخصائية اجتماعية، أن هذه المشاريع تتعلق بالصيد البحري والصناعة والمطعمة، مشيرة إلى أن هذه المبادرة، التي تتم تنفيذا للتعليمات الملكية السامية، تهدف إلى إعادة إدماج المستفيدين في النسيج الاجتماعي والاقتصادي.
من جهته، أوضح رئيس قسم العمل الاجتماعي بعمالة آسفي عبدالرحيم حبابة أن هذه المشاريع تندرج في إطار تنفيذ الاتفاقية المبرمة بين اللجنة الإقليمية للتنمية البشرية بآسفي ومؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء.
وذكر حبابة بأن هذه المبادرة استفاد منها 10 سجناء سنة 2022، بينهم 4 نساء، و7 سجناء سنة 2023، كاشفا أنه سيتم قريبا إنجاز 10 مشاريع أخرى مدرة للدخل، وتسليمها لصالح هذه الشريحة من المجتمع. وأضاف أن “اللجنة الإقليمية للتنمية البشرية تواكب هذه الفئة من المجتمع من خلال التكوين في مجموعة من الورشات وتمويل العديد من المشاريع، وذلك لإدماجها في النسيج الاقتصادي وتمكينها من تأمين قوت عيشها بصفة دائمة”.
وسلط حبابة الضوء على الدور الرئيسي الذي تلعبه المؤسسة في إعادة إدماج السجناء السابقين، مؤكدا “التزام اللجنة الإقليمية للتنمية البشرية بالبقاء منفتحة لدعم ومواكبة هذه الشريحة، بهدف إعادة إدماجها في المجتمع”.
ويبذل المغرب جهودا كبيرة في إصلاح السجناء وتحرير المدانين منهم بقضايا إرهابية من الفكر المتطرف، ففي عيد الفطر الماضي، أصدر العاهل المغربي الملك محمد السادس عفوا شمل 18 شخصا مدانا بقضايا الإرهاب، في خطوة تأتي في إطار إستراتيجية المملكة لمكافحة التطرف عبر برنامج “مصالحة”، لإعادة تأهيل وإدماج السجناء المدانين بقضايا التطرف.
وكان المغرب قد أطلق برنامج “مصالحة” عام 2017، مستهدفا “المتشددين الراغبين في مراجعة أفكارهم”، عبر ثلاثة محاور تشمل المصالحة مع “الذات” و”النص الديني” و”المجتمع”، تحت إشراف المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، بالتعاون مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان (مؤسسة دستورية)، والرابطة المحمدية للعلماء (مؤسسة دينية رسمية).
ووفقا لبعض المحللين، فإن برنامج “مصالحة” يُعتبر خطوة مهمة في جهود مكافحة التطرف، حيث يركز على مواجهة الفكر المتطرف بالفكر الديني المعتدل، بهدف تعزيز بيئة سالمة ومتسامحة في المجتمع المغربي.
وحسب وزارة الخارجية الأميركية، يعتمد المغرب “إستراتيجية شاملة” لمكافحة التطرف العنيف، تولي الأولوية للتنمية الاقتصادية والبشرية، بالإضافة إلى مكافحة التطرف والعنف وفرض الرقابة على المجال الديني.