حجاج من دون تصاريح يختبئون لأداء مناسك الحج

تسعى السلطات السعودية، ضمن جهودها لإحكام تنظيم مناسك الحجّ، إلى إنهاء ظاهرة الحج من دون تصاريح والتي برزت بشكل ملحوظ مع لجوء أعداد متزايدة من المسلمين إلى اتّباع طرق غير قانونية لدخول البقاع المقدّسة والالتفاف على الإجراءات المعقّدة والمكلفة ماديا التي يتطلّبها الحصول على فرصة لأداء المناسك.

ويختبئ المصري السبعيني محمد في حيّ العزيزية في مكة المكرمة منذ أسبوعين، يأكل أطعمة معلّبات أتى بها من بلاده، في انتظار أداء فريضة الحج الشهر الحالي من دون تصريح قانوني، وهي ممارسة قرّرت السلطات السعودية مكافحتها هذا العام.

وتتيح المملكة أداء الحج حصرا للسكان ممن لديهم تصاريح والأجانب الحاصلين على تأشيرات مخصّصة. لكنّ توسّعها في إصدار تأشيرات عامة منذ العام 2019 فتح مجالا أوسع لأداء الحج بشكل أقلّ كلفة، لكن غير قانوني، لآلاف الأجانب.

وشارك 1.8 مليون حاج في موسم الحج في العام 2023، بالإضافة إلى “حوالي 100 ألف حاج غير نظامي”، وفق ما أفاد به مسؤول أمني سعودي.

السلطات فرضت منذ نهاية الشهر الماضي تصريحا خاصا للدخول إلى مكة المكرمة

ومنذ نهاية الشهر الماضي فرضت السلطات تصريحا خاصا للدخول إلى مكة المكرمة التي تضم الكعبة وصعيد عرفات حيث يؤدي المسلمون الركن الأعظم للحج الذي يحلّ في منتصف يونيو هذا العام.

لكن المصري محمد، وهو موظف حكومي متقاعد قدم إلى السعودية بتأشيرة زيارة لابنه المقيم في الرياض، دخل العاصمة قبل ذلك التاريخ بعدما اتفق مع وكيل سفر على تأمين مسكن له وإدخاله خلسة إلى عرفات مقابل 3500 ريال سعودي (933 دولاراً).

ويقول محمد، الذي فضّل ذكر اسمه الأول فقط ويقيم في غرفة بمبنى سكني مع سبعة أشخاص آخرين، “أسعى للحج الرسمي في مصر منذ أكثر من 10 سنوات ولا يصيبني الحظ”.

ويتوقّف أمل المصريين في الحج على قرعة تجريها السلطات لاختيار الحجّاج استنادا إلى برنامج حكومي يبدأ من 175 ألف جنيه مصري (3700 دولار)، فيما يُكلف “الحج السياحي” مبالغ باهظة يقول محمد إنه “لا يستطيع تحمّلها”.

ولا يستطيع محمد الخروج راهناً بشكل طبيعي في مكة خشية أن توقفه دوريات الأمن التي تقوم بفحص عشوائي لتصاريح الحجاج، وهو يعتمد في طعامه اليومي على أطعمة مُعلبّة من الفول واللحوم المحفوظة جلبها معه من بلده.

شعار “لا حجّ بدون تصريح” ينتشر في وسائل الإعلام والمراكز التجارية والشوارع بلغات عدة

وتحمل بعض مناسك الحج مشقّة، إذ لا يمكن للرجال وضع قبّعات منذ لحظة الإحرام ونيّة الحج.

ويزداد الأمر صعوبة بالنسبة إلى الحجاج غير النظاميين، إذ لا تتوافر لهم مخيمات مُكيّفة على غرار الحجاج النظاميين، في منى أو عرفات، ما يجعلهم يفترشون الطرق والمساجد في أجواء صحراوية شديدة الحرارة تصل هذا العام إلى 45 درجة مئوية.

لكنّ الرجل السبعيني الذي يعاني من مرض في القلب يؤكّد لوكالة فرانس برس أنه “مستعدّ لكل مشقة. الجو حار. سأشرب الكثير من المياه. الأهم أن أؤدي الحج”.

ويقول الشاب المصري أيمن، الذي أدّى الحج بشكل غير قانوني العام الماضي مستفيداً من حيازته تأشيرة دخول سياحية، إن التجربة كانت “قاسية للغاية”.

ويتابع الموظف البالغ 37 عاما، والذي دخل مكة متسلّلاً في قطار، “الأمر كان قاسياً للغاية. لا خدمات، لا أسرّة، لا مُكيّفات، لا حمامات”.

ويستذكر ضاحكاً كيف كان يركّز على “الإفلات من عناصر الأمن عوضاً عن التركيز على الصلوات والابتهالات”.

يعمل وكلاء سفر على إدخال الآلاف من الحجاج إلى عرفات مستفيدين من الازدحام الشديد وصعوبة التأكد من تصاريح جميع الذين يدخلون الأماكن المقدسة في طوابير من الحافلات أو مشيا على الأقدام.

ومنذ الشهر الماضي أوقفت السلطات 20 شخصاً على الأقل، أغلبهم مصريون، اتهمتهم بـ”النصب والاحتيال”، بحسب الإعلام الرسمي.

وتعرّضت سميرة، وهو اسم مستعار لمصرية ستينية، لعملية نصب، فقد دفعت 120 ألف جنيه (2538 دولاراً) للحج بعد أن أوهمها وكيل بقدرته على تيسير ذلك بتأشيرة الزيارة التي حصلت عليها ومن دون ترخيص، لكنّ السلطات أوقفتها وأبعدتها عن مكة.

وقالت في اتصال هاتفي مع وكالة فرانس برس هامسة من حافلة للشرطة “داهمت الشرطة البناية وأوقفتنا جميعاً وستُرحّلنا”. وخسرت بذلك المال وفرصة الحج معاً.

ويقول وكيل سفر اشترط عدم كشف هويته “لا يزال هناك مليون طريقة لإدخال الحجاج (المخالفين) إلى عرفات”. ويضيف “لدي 100 حافلة تدخل إلى عرفات هل يمكن تفتيشها كلّها؟… مستحيل”.

وبمواجهة تلك الحيل أطلقت السعودية حملة تحذّر من “الحج دون تصريح”. وهي تفرض منذ سنوات غرامات تبدأ من 10 آلاف ريال (نحو 2600 دولار) على الحجّاج المخالفين أو من يعمل على نقلهم إلى مكة.

وينتشر شعار “لا حجّ بدون تصريح” في وسائل الإعلام والمراكز التجارية والشوارع بلغات عدة.

ودخلت هيئة كبار العلماء على الخط، وأصدرت في أبريل الماضي فتوى مفادها أنّه “لا يجوز الذهاب إلى الحج دون أخذ تصريح”، معتبرة أن هذا سيعدّ “إثما”، ومشيرة الى أنه يلحق الضرر بـ”عموم الحجاج”.

وحذّر مسؤول في وزارة الحج والعمرة، تحدث طالباً عدم كشف هويته، من “التبعات الكارثية” للحج غير القانوني.

وقال “مساحة مكة محدودة للغاية ووجود أعداد كبيرة بشكل غير قانوني يعيق تنظيم الحشود ومسار الحافلات وقد يتسبّب في حوادث تدافع”.

تنظيم الحشود

الحج غير القانوني يُكلّف الحكومة من حيث الإيرادات، ويعيق الحصول على أقصى قدر من السيطرة على الحشود وحركاتها وهوياتها

على مرّ العقود وقعت عدّة حوادث خلال مواسم الحج راح ضحيتها المئات بسبب تدافع خلال الرجم أو في الأماكن الضيقة. وكان آخرها في العام 2015، حين تسبّب تدافع أثناء شعائر رمي الجمرات في منى بوفاة نحو 2300 من الحجيج في أسوأ كارثة على الإطلاق في موسم الحج.

ويعتبر الحجّ أحد أكبر التجمّعات الدينيّة السنويّة في العالم، وهو يشكّل مصدر دخل رئيسيا للمملكة. وتُقدّر إيرادات المناسك والعمرة والزيارات الدينيّة الأخرى على مدار العام بمليارات الدولارات سنوياً. وتتخلّله أحيانا عمليات احتيال، إذ يُفاجئ الكثير من الحجاج الوافدين بتدني الخدمات المقدّمة مقارنة بما وُعدوا به.

ويقول الخبير في الشؤون السعودية بجامعة برمنغهام عمر كريم إنّ الحج غير القانوني “يُكلّف الحكومة من حيث الإيرادات” ويعيق “الحصول على أقصى قدر من السيطرة على الحشود وحركاتها وهوياتها”.

ويرى أن الحملة الحالية لمكافحته “تتماشى مع النهج الشامل لتحديث وتنظيم جميع مجالات الحياة داخل المملكة”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: