هوس الجزائر بالمغرب يقتل آفاق المصالحة
لا تزال الجزائر متمسكة بدعم جبهة بوليساريو الانفصالية في مواجهة المغرب رغم فشلها في تحقيق أي نتائج على أرض الواقع. ومع تزايد اعتراف الدول بسيادة المغرب على صحرائه لا يزال النظام الجزائري متمسكا بسياسة الهروب إلى الأمام ما يقتل أمل المصالحة.
منذ ما يقرب من خمسة عقود، استخدمت الجزائر النزاع حول الصحراء المغربية كواجهة لاستعداء المغرب. لكن وراء دعم الجزائر للقضية الصحراوية تكمن حالة أكثر تعقيدا بكثير، تتمثل في تصميم المؤسسة الجزائرية على الانتقام من المظالم التاريخية ومنع المغرب من استعادة الأراضي التي من شأنها أن تزيد من عمقه الإستراتيجي وتجعل منه الزعيم الإقليمي لمنطقة المغرب العربي بلا منازع.
ويقول سمير بنيس، محلل سياسي متخصص في الشؤون العربية في تقرير نشره المعهد الأطلسي إن أحدث علامة على هوس الجزائر بالمغرب كان قرارها مصادرة قمصان نادي كرة القدم المغربي نهضة بركان بعد أن سافر لاعبوه إلى الجزائر في 19 أبريل للعب مباراة نصف نهائي كأس الكونفدرالية الأفريقية ضد اتحاد الجزائر.
وبررت الجزائر قرارها بالقول إن معدات الفريق كانت تحمل خريطة “غير شرعية” للمغرب، بما في ذلك الصحراء المغربية.
وتدخل الاتحاد الأفريقي لكرة القدم، وأمر الجزائر بالتخلي عن قضيتها والسماح لنهضة بركان باللعب بالقمصان. ومع ذلك، تجاهلت الجزائر الحكم، وانتهزت أي فرصة لإظهار دعمها لما تصفه بتقرير مصير الشعب الصحراوي.
وقد أكد الكثيرون أن أحد الدوافع الرئيسية لعداء الجزائر تجاه المغرب هو التركيبة الأيديولوجية للمؤسسة الجزائرية وإستراتيجيتها في السعي للحصول على الشرعية الشعبية.
دعم الجزائر لجبهة البوليساريو الانفصالية هو تتويج لإستراتيجية النخبة الجزائرية الرامية إلى تحقيق الأولوية الإقليمية من خلال إنشاء دولة تابعة في جنوب المغرب
وتتمثل الفلسفة التشغيلية للجزائر في تحفيز الحماسة القومية ضد أعدائها. وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية، كانت في حاجة مستمرة إلى خلق أعداء خارجيين لحشد الدعم الوطني وتحويل الرأي العام عن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تواجهها البلاد.
وعلى الرغم من أهميته إلى حد كبير، فإن هذا التحليل يتجاهل البعد النفسي لهذا العداء المزمن بين البلدين.
ولدى القادة العسكريين والسياسيين في الجزائر مظالم لم يتم حلها ضد المغرب، مما يساهم في التوترات.
وبالإضافة إلى ذلك، يعد المغرب أحد أقدم الأنظمة الملكية في العالم، وقد تمكن من الحفاظ على سيادته طوال معظم تاريخه. ولا يمكن قول الشيء نفسه عن الجزائر، البلد الذي يبلغ من العمر اثنين وستين عاما.
وهذا يجعل النظام الجزائري مترددا في استكشاف الماضي بشكل كامل، خوفا من أن يؤدي الغوص العميق في تاريخ البلاد إلى إعطاء مصداقية لادعاء بعض النقاد بأن الجزائر الحديثة هي من صنع فرنسا الإمبريالية.
وكان المغرب داعما قويا لحركة التحرير الجزائرية، حيث ساهم ماليا ولوجستيا في المجهود الحربي ضد الهيمنة الفرنسية. وبعد ذلك، كان المغرب بطلا لما وصفه البعض بأنه إيمان قوي بإلحاح وحتمية التضامن الإسلامي، وتجاهل التحذيرات والصفقات السرية من فرنسا، وألزم نفسه بتحرير الجزائر بدلا من ذلك.
ومع ذلك، بعد الاستقلال، سارعت القيادة الجزائرية إلى تبييض هذه الحلقة الموثقة جيدا من التضامن والكرم المغربيين، وقدمت رؤى لا تقدر بثمن حول ما أصبح لاحقا رغبة الجزائر العميقة في أن تكون زعيمة المغرب العربي بلا منازع.
وخلقت هزيمة المغرب للجزائر في حرب الحدود المعروفة باسم حرب الرمال عام 1963 حاجزا نفسيا، حيث نشأت أجيال من النخب العسكرية والسياسية الجزائرية مع فكرة الانتقام من الإذلال الذي عانت منه الجزائر المستقلة حديثا على أيدي المغرب.
وبمرور الوقت، تحول استياء الجزائر من المغرب بسبب هزيمتها إلى رغبة جذرية في الانتقام من خلال تعزيز النزعة الانفصالية على الأراضي المغربية.
ولذلك، فإن دعم الجزائر لجبهة البوليساريو الانفصالية هو تتويج لإستراتيجية النخبة الجزائرية الرامية إلى تحقيق الأولوية الإقليمية من خلال إنشاء دولة تابعة في جنوب المغرب.
وبينما تعلن دعمها لـ”الكفاح من أجل التحرير” لـ”الشعب الصحراوي المضطهد”، فإن الهدف الأساسي للجزائر هو إبقاء المغرب تحت المراقبة من خلال إثارة وإطالة أمد النزاع حول منطقة الصحراء المغربية لمنع الرباط من إعادة فتح قضية النزاع الحدودي الجزائري المغربي الذي لم يتم حله.
وفيما يتعلق بالجزائر، فإن إنهاء نزاع الصحراء المغربية من شأنه أن يوفر للمغرب مستوى من العمق القاري الإستراتيجي الذي من شأنه أن يعزز بشكل كبير مكانته كقوة إقليمية مهيمنة.
وقد دعمت الجزائر بثبات جبهة البوليساريو طوال العقود الأربعة الماضية لمنع المغرب من تسوية النزاع الإقليمي.
ودخل التنافس الجزائري المغربي مرحلة جديدة في عام 2017 عندما انضم المغرب إلى الاتحاد الأفريقي.
وقد استغلت الجزائر غياب المغرب عن الاتحاد الأفريقي للدفع باتجاه “أجندة أفريقية موازية” بشأن مسألة الصحراء المغربية. وقد استلزم ذلك الضغط من أجل القضية الصحراوية لجبهة البوليساريو، والتي قدمتها على أنها صراع لإنهاء الاستعمار ضد ما تصفه بالاحتلال المغربي.
وبالنظر إلى أن الموقف الرسمي للاتحاد الأفريقي بشأن الصحراء المغربية قد تحول لصالح المغرب منذ عام 2018، فإن بعض التحريض الجزائري المناهض للمغرب يتحدث عن تفاقم الفوضى الدبلوماسية والشعور العميق بخيبة الأمل.
ويبدو أن الجزائر غاضبة لأن المغرب، في الفترة القصيرة التي مضت منذ عودته إلى الاتحاد الأفريقي، قد دمر فعليا كل العمل الذي قامت به الدبلوماسية الجزائرية على مدى ثلاثة عقود لحمل الاتحاد الأفريقي على الدعم الكامل لاستفتاء تقرير المصير الذي من شأنه أن يتوج بإقامة دولة مستقلة في منطقة الصحراء المغربية.
ويمكن رؤية استياء الجزائر من النفوذ القاري المتنامي للمغرب في ثلاثة جهود إقليمية بذلتها الأولى في السنوات الأخيرة لاحتواء القيادة الصاعدة في الرباط. الأول هو محاولة إحياء مشروع خط أنابيب الغاز عبر الصحراء الكبرى في عام 2022 لعرقلة مشروع خط الأنابيب الواعد بين نيجيريا والمغرب. والثاني هو التخطيط لإنشاء مناطق تجارة حرة مع النيجر ومالي لمواجهة مبادرة المغرب الأطلسية لمنطقة الساحل. وأخيرا، كان سعي النظام الجزائري إلى إنشاء اتحاد مغاربي دون المغرب.
وعلى الرغم من كل هذه الجهود المضادة، والتي أبرزها الافتتاح المتوقع للمزيد من القنصليات الأفريقية في أقاليم الداخلة والعيون، تظل الحقيقة أن الدبلوماسية المغربية الأفريقية تحقق نتائج تعزز المعنويات.
وفي المقابل، تراجع النفوذ الدبلوماسي للجزائر في جميع أنحاء القارة. والأهم من ذلك أن دبلوماسية المغرب الأفريقية تمتد الآن إلى دول مثل كينيا، وإثيوبيا، ورواندا، ونيجيريا، خارج ما يسمى بمنطقة الراحة التقليدية الفرنكوفونية. وفي الأشهر والسنوات المقبلة، ستضاعف الجزائر جهودها لإقناع بعض هذه الدول بإعادة النظر في تعاونها مع المغرب.
ولعل أهم الضربات التي تلقتها الدبلوماسية الجزائرية جاءت من خارج أفريقيا. وتشمل هذه الضربات الموقف الثابت المؤيد للمغرب والذي ينعكس في جميع قرارات الأمم المتحدة بشأن الصحراء المغربية منذ عام 2007، والقرار الأميركي الحاسم في عام 2020 بالاعتراف بالسيادة المغربية على المنطقة، وإعلان إسبانيا عام 2022 عن الدعم الكامل لخطة الحكم الذاتي المغربية.
وفي حين أن التطور الأول كان تدريجيًا ويفتقر إلى النهاية المطلقة بسبب وجود أصوات هامشية مؤيدة للبوليساريو داخل الأمم المتحدة، إلا أن الحدثين الأخيرين هزا الجزائر.
ومع ذلك، فإن هذه التطورات وغيرها من التطورات الناشئة مجتمعة تشير بوضوح إلى أن أحلام تقرير المصير قد دُفنت وأن التسوية هي الطريق الوحيد القابل للتطبيق لحل ممكن سياسيًا ودائم لملف الصحراء المغربية.
وفي مواجهة مايبدو على نحو متزايد وكأنه انتكاسة دبلوماسية لا رجعة فيها، غيرت الجزائر تكتيكاتها من خلال مواجهة المغرب في ساحات قتال بديلة.
وفي الأشهر الأخيرة، استخدمت الجزائر منصة رياضية غير تقليدية لتصفية حساباتها مع المغرب.
والهدف هو فتح جبهة سردية ثانية لحشد التعاطف الشعبي والدعم لجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر.
ومؤخرا، أجرى مندوب الجزائر الدائم لدى الأمم المتحدة مقارنة بين فلسطين والصحراء المغربية، مما يعكس طموح النظام الشامل لتشويه الحقائق التاريخية والمساواة بين قضيتي الصحراء المغربية والقضية الفلسطينية.
ومن غير المرجح أن تجبر هجمات الجزائر المستمرة على المغرب الأمم المتحدة على إعادة النظر في دفنها الضمني، ولكن الواضح بشكل متزايد، لخيار تقرير المصير في الصحراء المغربية.
وفي الوقت نفسه، هناك دلائل متزايدة على أن الكثيرين في المغرب، بعد أن سئموا تجاهل العداء الذي لا هوادة فيه من جانب الجزائر تجاه الرباط، قد يبدأون في دفع المغرب للتخلي عن صبره الذي طال أمده والأمل الناتج عن المصالحة الأخوية بين البلدين.
وقد وصل العداء بين البلدين إلى مستويات مثيرة للقلق، مما يثير شبح اندلاع حريق عسكري. وعلى هذه الخلفية القاتمة، يتعين على الولايات المتحدة أن تقود حملة دبلوماسية نشطة.
ومن أجل تهدئة الأمور بين البلدين وضمان عدم خروج الوضع الحالي عن السيطرة، يجب على الولايات المتحدة أن تولي المزيد من الاهتمام لتعاونها العسكري مع المغرب، مع الإشارة إلى الجزائر بأن واشنطن ستبذل كل ما في وسعها لمنع اتخاذ أي إجراءات من شأنها زعزعة استقرار المنطقة. ومثل هذه الخطوة يمكن أن ترسل للجزائر إشارة لا لبس فيها عن التزام واشنطن بالتعاون الأمني مع الرباط.
وثانيًا، يجب على الولايات المتحدة الضغط على الحكومة الجزائرية للالتزام بأحكام قرار مجلس الأمن الدولي بشأن قضية الصحراء المغربية منذ عام 2018، والتي تدعو جميعها الجزائر إلى التعاون الكامل مع الأمم المتحدة في سعيها نحو حل سياسي واقعي قائم على التسوية.