برلمانيون يشككون في خطاب الحكومة على خلفية «تلاعبات» في الأغنام المستوردة وغلاء الأسعار
إذا كانت الحكومة المغربية تحاول طمأنة المواطنين المغاربة وهم يستعدون للاحتفال بعيد الأضحى، من خلال الحديث عن مراقبة أسواق الأغنام ووفرة الأضاحي، فإن مراقبين يلاحظون استمرار غلاء الأكباش بشكل صارخ، رغم تشجيع السلطات لعملية استيرادها من بعض البلدان الأوربية كإسبانيا ورومانيا.
ولاحظت صحيفة “بيان اليوم” الناطقة باسم حزب “التقدم والاشتراكية” المعارض، أن الحكومة تستمر في تبني خطابها المعتاد الذي لا يمت للواقع بصلة، مؤكدة أن “السوق يكذّب مرة أخرى وعودها بإجراء تدابير لم تضمن استقرار أسعار الأغنام، بقدر ما أغنت خزينة عينة من المستوردين الذين يبيعون الأغنام الإسبانية والرومانية بأسعار تضمن لهم هوامش ربح مريحة، رغم استفادتهم من إعفاءات حاتمية (نسبة إلى حاتم الطائي) على مستوى رسوم الاستيراد والضريبة على القيمة المضافة، ناهيك عن الدعم المالي”.
النقاش المرتبط بعيد الأضحى لم يعد في السنوات الأخيرة، خاصة بداية من الموسم الماضي، مقتصراً على المواطنين، بل تجاوزه إلى قبة البرلمان، حيث أثار عدد من النواب تفاصيل الإجراءات التي اتخذتها وزارة الزراعة لتيسير الأمر على المواطنين، وهنا يقف الخروف المستورد الذي اختارته الحكومة كحل لخفض السعر المرتفع جداً استناداً إلى العام الماضي.
بيد أن ملاحظين يسجلون أن الدعم لم يكن لجهة المواطن، بقدر ما استفاد منه فئة من المستورِدين الذين اتُّهموا بالتلاعب في الأعداد المستوردة، فلم يدفعوا بكل رؤوس الأغنام إلى السوق، وبالتالي لم تُذبح كلها. ومن ثم، طرح الملاحظون تساؤلاً عريضاً: أين اختفى الباقي من “ميرينوس”؟ في إشارة إلى سلالة أغنام مستوردة من إسبانيا.
هذه التساؤلات لم تبق قيد طاولات المقاهي وصالونات الأسر أو حديثاً عابراً في سوق، بل وصلت إلى المؤسسة التشريعية، حيث طرحها نواب على وزير الزراعة محمد الصديقي في اجتماع لجنة القطاعات الإنتاجية في مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان المغربي)، وحملت معها صيغة التشكيك في نوايا المستوردين الذين استفادوا من دعم اعتبره المغاربة سخياً، ليس فقط بالنظر إلى مبلغ 500 درهم (50 دولاراً)، بل بالنظر إلى الإعفاءات من العديد من الضرائب منها رسوم الاستيراد والضريبة على القيمة المضافة.
النواب البرلمانيون، وفق ما أوردته صحيفة “المساء” المغربية، واجهوا الوزير الصديقي بأسئلة عديدة، منها: لماذا لم تكشف وزارة الفلاحة عن أسماء المستوردين، وإجمالي مبلغ الدعم المخصص لذلك، ولماذا لم تذبح جل الرؤوس المستوردة وبلغ عددها أكثر من 200 ألف رأس لم تنزل إلى السوق ولم تساهم في خفض السعر كما كان متوقعاً؟ ولماذا لم تلزم الحكومة سواء هذه السنة أو السنة الماضية المستوردين بضرورة بيع جميع الأغنام المستوردة؟”.
خلاصة الأجوبة عن معظم هذه الأسئلة ليست الأرقام ولا التبريرات التي يطلقها “الكسابة” (مربّو الماشية)، بل تتمثل في كون المواطن لم يلمس أي تغيير على سعر خروف العيد بعد عملية الاستيراد، وبالنسبة له فإن عملية الاستيراد الهدف منها هو تخفيف عبء السعر، بينما واقع الحال بالاستناد إلى تجربة السنة الفارطة، أبانت عن عدم جدواها إلا بما تيسر من دراهم كفرق بين سعر الخروف المستورد والآخر المحلي.
بالنسبة للجواب الرسمي الصادر عن الوزير محمد الصديقي، رداً على أسئلة البرلمانيين السالفة، فإن وزارة الزراعة كشفت عن لائحة مستوردي الأغنام عبر “المكتب الوطني للحبوب والقطاني”، مؤكداً “ليس لدي أي غرض معين، بل هدفي أن يمر عيد الأضحى بخير”.
كلمة “بخير” هذه، قالها بعض المغاربة وهم يقررون ما يشبه “المقاطعة” للأغنام المستوردة وحتى المحلية، بمعنى الاستغناء عن شعيرة عيد الأضحى المتمثلة في ذبح الأضحية، بينما أبقوا على ما تيسر من مظاهر الاحتفال، وفق تدوينات عديدة كتبها مغاربة وهم في حالة غضب بعد زيارتهم للأسواق، حيث اصطفت الأكباش وفوق رأسها نار السعر التي زادت حرارته عن السنة الماضية ولم تبرد عكس المتوقع والمأمول. لكن مسألة المقاطعة هذه غير واردة، مثلها مثل إشاعة إلغاء الشعيرة، كلها ضرب من “اللغو” بالنسبة للعديد من المغاربة الذين يصرون على الاحتفال بعيد الأضحى بكل ما يلزمه بداية بالخروف، مروراً بالتوابل ووصولاً إلى المشواة.
“تخزين” الأغنام المستوردة ليس مسألة جديدة، وإن كان تردد أكثر مع نقاش البرلمانيين، بل سبقته بيانات صادرة عن أحزاب مغربية، مثل “العدالة والتنمية” المعارض، الذي أبدى تخوفه من “تخزين الأغنام المستوردة المدعومة من طرف الدولة”، معبّراً عن خشيته من التلاعب في الأسعار، وهو ما حصل، وفق ما تداوله رواد مواقع التواصل الاجتماعي الذين نشروا مقاطع الفيديو مباشرة من الأسواق، حيث يحلّق ثمن الخروف بعيداً عن متناول الأسر ذات الدخل المادي المحدود.
واعتبرت صحيفة “الصباح” المغربية أن السلطات المختصة أغفلت ضرورة وضع سقف محدد لثمن الأكباش المستوردة، “لأن الدعم الحكومي يجري في شرايينها”، داعية إلى مساءلة وزير الزراعة وفتح تحقيق لفك “رموز شبكات جمعت أرباحاً بالمليارات من هامش ربح بمعدل 1800 درهم (180 دولاراً) في أكباش يمكن أن تتجاوز أعدادها المليون.