الانتخابات الرئاسية تفجر تيار الإخوان في الجزائر
أحدثت الانتخابات الرئاسية المقررة مطلع شهر سبتمبر القادم رجة قوية في صفوف الإخوان الجزائريين، أفضت إلى انشطار التيار بين مؤيد لمرشح السلطة وبين معارض لها، قبل أن يتم انقلاب أبيض داخل الحركة الأم، التي رشحت رئيسها الحالي، بدل السابق الذي كان يهيئ نفسه لخوض الاستحقاق قبل عدة أشهر.
وأعلنت حركة مجتمع السلم (حمس) أكبر الأحزاب الإخوانية في الجزائر ترشيح رئيسها الحالي عبدالعالي حساني شريف، لخوض سباق الانتخابات الرئاسية بدل أن يكون رئيسها السابق عبدالرزاق مقري، الذي عبّر منذ أشهر عن طموحه في خوض الاستحقاق باسم الحركة.
وجاء القرار مفاجئا للرأي العام والمتابعين للشأن السياسي في البلاد، كون الأنظار كانت متجهة كلية إلى الرئيس السابق، الذي قاد “حمس” منذ العام 2012، ولم يتنح إلا العام الماضي تاركا المجال لخلفه حساني، في أعقاب المؤتمر الثامن للحركة، لكنه أبقى على خطه السياسي المعارض للسلطة، وعبّر في أكثر من مناسبة عن طموحه في خوض الاستحقاق.
ويعد قرار الحركة الإخوانية ترشيح رئيسها الحالي أولى ارتدادات الانتخابات الرئاسية الجزائرية على التيار الإخواني في البلاد. فبعد إقرار الجناح المنبثق عنها والمتمثل في حركة البناء الوطني بقيادة عبدالقادر بن قرينة، بترشيح الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون لولاية رئاسية ثانية، بقيت “حمس” ثابتة على مبدأ المشاركة ولكن برئيسها الحالي، الأمر الذي اعتبر انقلابا أبيض داخل صفوفها، قياسا بفوارق التجربة السياسية و”الكاريزما” بين الرجلين.
وتستند الحركة الإخوانية على وعاء برلماني يضعها في مرتبة القوة السياسية الثالثة في البلاد، بعد جبهة التحرير الوطني والمستقلين، وعلى عدد معتبر من المنتخبين المحليين، الأمر الذي يسهل مأمورية مرشحها في تجاوز عقبة تزكيات الترشيح سواء كانت للمنتخبين أو المناضلين والأنصار، غير أن حظوظها في منافسة مرشح السلطة تبقى ضئيلة جدا، ولا يمكن أن تتعدى حدود دور “أرنب” سباق.
وجاء الترشيح في بيان مقتضب نشرته الحركة عبر حسابها الرسمي على فيسبوك السبت، عقب دورة استثنائية لمجلس الشورى الوطني للحركة استمرت حتى ساعة متأخرة من الليلة قبل الماضية، وخصصت لبحث موقفها من الانتخابات الرئاسية.
وأرفقت “حمس” بيانها بصورة لرئيسها وعليها عبارة “عبدالعالي حساني شريف.. مرشح حركة مجتمع السلم لرئاسيات 7 سبتمبر 2024”.
ولفتت في بيان آخر، إلى أن “الحركة، وبعد عرض ورقة تقدير الموقف التي أعدها المكتب التنفيذي الوطني، والنقاش الحر والمسؤول، قرر مجلس الشورى الوطني فيها بالأغلبية الواسعة المشاركة في الانتخابات الرئاسية وترشيح رئيس الحركة عبدالعالي حساني شريف”.
وبهذا ينضم رئيس حركة “حمس” إلى لائحة عدد ممن عبروا عن نيتهم خوض سباق الانتخابات الرئاسية، على غرار بلقاسم ساحلي، عن تحالف حزبي قريب من السلطة، والمحامية والحقوقية المحسوبة على تيار الحراك الشعبي زبيدة عسول، وزعيمة حزب العمال اليساري لويزة حنون. وفي المقابل لم تفصح السلطة إلى حد الآن عن مرشحها ولو أن كل الفرضيات تتوجه إلى الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون.
وكان الرئيس الجزائري التقى منتصف الأسبوع الماضي، مع قادة نحو 30 حزبا سياسيا لأول مرة منذ انتخابه رئيسا للبلاد في 2019، حيث تبادل معهم الانشغالات والتصورات الحزبية المطروحة، وهو ما اعتبر بحثا عن إجماع لدى الطبقة السياسية حول شخصه، لاسيما وأن اللقاء أعقبه ميلاد تحالف حزبي داعم للسلطة، كما قررت حركة البناء الوطني الإعلان عن ترشيحه لولاية رئاسية ثانية حتى قبل أن يعلن رسميا عن ذلك.
ودعت “حمس”، في بيانها “السلطة السياسية إلى اغتنام فرصة الانتخابات الرئاسية القادمة لفتح الآفاق السياسية والإعلامية، وتعزيز الحريات بما يقوّي الجبهة الداخلية والمسار الديمقراطي للجزائر”.
كما حثت ” السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، على تحمل مسؤوليتها في توفير البيئة الانتخابية الضامنة لنزاهة الانتخابات، بما يساهم في استرجاع ثقة المواطن بمؤسسات الدولة”.
وكان رئيس حركة “حمس” الحالي من بين الزعامات السياسية في لقاء تبون الأول من نوعه، كما سبق له أن كان ضيفه في أكثر من مناسبة بمكتبه في قصر المرادية.
وتتوجه الأنظار إلى فرضية مراجعة “حمس” لخطابها السياسي ومواقفها التي تبنتها منذ اعتلاء مقري لقيادتها، وإمكانية مراجعة الرئيس الحالي لمواقف الحركة، وإعادتها إلى حضن السلطة، كما كانت عليه خلال حقبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، حيث ظلت لعدة عهدات رئاسية تمثل أحد أضلاع التحالف الحزبي المؤيد والداعم له إلى جانب كل من جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي.
وتكرر سيناريو التشظي داخل التيار الإخواني الجزائري في العديد من المحطات، حيث انبثقت عنه العديد من الأحزاب السياسية، الأمر الذي يترجم حالة الخلافات الداخلية المزمنة وتعرضه لسيناريو الانفجار الداخلي، بسبب تضارب وتباين الأفكار والتصورات، خاصة بين ما يعرف بـ”الحمائم” ودعاة مبدأ “المشاركة” الذين يفضلون العمل إلى جانب السلطة، وبين “الصقور” الذين يفضلون موقع المعارضة، خاصة في السنوات التي تلت ما يعرف بموجة الربيع العربي.
ومن حركة المجتمع الإسلامي في مطلع التسعينات تحولت إلى حركة مجتمع السلم للتكيف مع مقتضي دستوري حظر التوظيف الديني للأحزاب، وفيما ولد الحزب بغرض تفكيك الحزب الإسلامي المنحل “جبهة الإنقاذ”، إلا أنه ظل قريبا ومؤيدا للسلطة خلال العشرية الدموية، ثم حليفا لها إلى غاية العام 2012، ومنه انبثقت عدة أحزاب وحركات، كحركة التغيير، وتجمع أمل الجزائر، ثم حركة البناء الوطني، ولا يستبعد انشقاق آخر بعد سحب البساط من رئيسها السابق مقري.