تعكس مؤشرات البطالة، التي تم الإعلان عنها مؤخرا في المغرب، أن الحكومة تواجه تحديا شاقا لكبح ارتفاعها خلال الفترة المقبلة، وخاصة في الأرياف، بعدما طبع الجفاف آثاره السلبية على تلك المناطق، حيث يعتمد السكان هناك اعتمادا شديدا على الزراعة.
أدى فقدان الآلاف من الوظائف في أرياف المغرب إلى اتخاذ مؤشر البطالة منحنى صعوديا في الربع الأول من العام الحالي، الأمر الذي يضغط على المسؤولين من أجل معالجة هذه المعضلة قبل أن تتفاقم.
وارتفع معدل البطالة إلى 13.7 في المئة خلال الفترة بين يناير ومارس الماضيين، مقابل 12.9 في المئة على أساس سنوي، حيث فقد سوق العمل 159 ألف فرصة عمل في القرى.
وأرجعت المندوبية السامية للتخطيط في آخر نشرة حول وضعية سوق العمل أسباب ذلك إلى الجفاف الذي انعكس على فرص العمل في مجالي الزراعة والغابات على وجه التحديد.
وسُجّلت أعلى مستويات البطالة باالجهة الشرقية بنحو 21.4 في المئة وجهات الجنوب بـ20.4 في المئة، وبدرجة أقل، تفوق جهتان المعدل المسجل، ويتعلق الأمر بجهات الدار البيضاء – سطات بواقع 15.4 في المئة، وجهة فاس – مكناس بنحو 15.9 في المئة.
في المقابل، سجلت أدنى مستويات البطالة بجهات مراكش – أسفي بنحو 8.2 في المئة، وطنجة – تطوان – الحسيمة بواقع 10.8 في المئة، ودرعة – تافيلالت بحوالي 11.3 في المئة.
ويستمد 75 في المئة من سكان الأرياف دخلهم من الزراعة، إذ يشغل القطاع 33 في المئة من إجمالي القوى العاملة النشطة بالبلاد، فيما تشكل الصادرات الزراعية 14 في المئة من إجمالي الصادرات السنوية، ويسهم القطاع بنحو 13 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وفسر يونس السكوري وزير الإدماج الاقتصادي فقدان 200 ألف وظيفة من خلال طرح مليون فرصة معلنة في البرنامج الحكومي من 1.18 مليون فرد عاطل حاليا.
وقال إنها “فرص عمل غير مؤدى عنها، وتركزت في العالم القروي، وترتبط بشكل مباشر بتوالي سنوات الجفاف والظروف المناخية الصعبة”.
وراهنت الحكومة على برامج مثل “أوراش 1” و”أوراش 2″، وكذلك “انطلاقة” و”فرصة” وغيرها، لإنعاش وتيرة التشغيل والتشغيل الذاتي، وتخفيض معدل البطالة.
ومع ذلك، لا تزال وضعية سوق العمل تعاني من آثار الجفاف، حيث تم توفير 78 ألف فرصة عمل في المدن المغربية، كما تراجع الحجم الإجمالي للشغل بواقع 80 ألف فرصة عمل.
ويعاني المغرب من موجة جفاف أثّرت على مساحة الرقعة الزراعية المتاحة، وتراجعت مساحة مناطق زراعة الحبوب المعتمدة على مياه الأمطار من 1.5 مليون هكتار إلى 930 ألف هكتار فقط هذا العام، ما أثّر بدوره على فرص العمل المتاحة في القطاع.
ووصف الخبير الاقتصادي المغربي رشيد ساري ارتفاع نسبة البطالة بـ”المعدل التاريخي” ولم يسبق أن سجّله المغرب، مشيرا إلى أن “اليد العاملة في المجال الزراعي رفعت نسبة البطالة، كون هذه الشريحة تأثّرت بشكل كبير بتبعات الجفاف”.
13.7 في المئة معدل البطالة بين يناير ومارس الماضيين، ارتفاعا من 12.9 في المئة قبل عام
وأوضح أن التغييرات المناخية التي مست القطاع بسبب نضوب الآبار وقلة الموارد المائية أدت بمجموعة من الضيعات إلى توقف نشاطها وأعلنت إفلاسها.
وقال “لقد انعكس ذلك على أزمة التشغيل في الأرياف، خاصة أن الزراعة تحتل المرتبة الأولى على مستوى التشغيل في المغرب بنسبة 40 في المئة”.
ولامتصاص البطالة، أفاد المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية، بأن عدد الشركات التي تم تأسيسها خلال الشهرين الأولين من سنة 2024، على مستوى جهة كلميم – وادنون، بلغ ما مجموعه 119 شركة جديدة شملت قطاع الزراعة والصيد بواقع 2.19 في المئة.
وتحدث السكوري عن عدم تكافؤ حظوظ التشغيل بين الوسطين الحضري والقروي، مسجلا أن معدل البطالة في الأرياف استقر عند نحو 5.2 في المئة، بينما تراجع المعدل في المدن من 16 إلى 15 في المئة.
وباستثناء مجالات الزراعة والغابات والصيد، التي فقدت مجتمعة 206 آلاف فرصة عمل، أكدت بيانات مندوبية التخطيط أن القطاعات الاقتصادية الأخرى ساهمت في توفير فرص العمل.
ووفر قطاع الخدمات حوالي 63 ألف فرصة عمل في الربع الأول، متبوعا بقطاع الصناعة بما فيها الصناعة التقليدية بحوالي 34 ألف فرصة عمل، ثم قطاع البناء والأشغال العمومية بواقع 25 ألف فرصة عمل.
ويقول خبراء إن ضعف القدرة الشرائية للمواطنين تسبب في إضعاف نشاط الشركات، إلى جانب ارتفاع معدل البطالة، حيث كان لها تأثيرات متعددة على الاقتصاد المحلي ما يتطلب تدخلا حكوميا عاجلا لمعالجة المعضلة.
ومن وجهة نظر حكومية اعتبر سكوري أن الأرياف تحظى بعناية خاصة من طرف الحكومة مع وجود 63 مؤسسة للتكوين المهني، لافتا إلى توفير 22 وحدة للتدريب للتخفيف من آثار القابلية للتشغيل.
وأكد أنه علاوة على ذلك، أقرت السلطات في ميزانية العام الماضي، إجراءات خاصة تتعلق بقرى الدعم والتكوين، التي ستنطلق على صعيد عدد من المناطق.
وكانت الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات قد أطلقت برنامجا تم بموجبه مواكبة 4421 صاحبة فكرة ومشروع، وإتمام 2749 ملفا لدراسة الجدوى ووضع 1922 ملفا للتمويل في المناطق الريفية.
ورغم ذلك، يعتقد ساري أن على الحكومة “مراجعة سياستها في برامج التشغيل وأن تعيد النظر في برنامج “أوراش” و”فرصة” واللذين لم تكن لهما نتائج على الأمد البعيد، بحيث تغيب فيهما رؤيا البعيدة المدى”.
كما شدد على ضرورة إعادة النظر في السياسة الزراعية بشكل جذري مع إقامة مشاريع وأنشطة اقتصادية أخرى داخل القرى لفائدة اليد العاملة بهذا القطاع للحد من العاطلين، مشيرا إلى أن القطاع الزراعي وبالنظر إلى التقلبات المناخية أصبح مشكلة هيكلية.
ويتوقع المغرب نموا اقتصاديا خلال هذا العام بنحو 3.4 في المئة، مقابل 3.7 في المئة المتوقعة في الميزانية، وذلك نتيجة تأثر القطاع الزراعي بمواسم الجفاف للسنة السادسة على التوالي.
وتبدو هذه الأرقام متفائلة قياسا بما توقعه البنك الدولي عند حوالي 2.4 في المئة وصندوق النقد الدولي عند 3.1 في المئة، مع ترجيح تباطؤ حاد في القطاع الزراعي المتأثر بظروف الجفاف والحرارة غير العادية وضعف المحاصيل الرئيسية.