ترشح لويزة حنون: إجراء روتيني أم رسالة إلى تبون
أعلن حزب العمال اليساري الجزائري ترشيح أمينته العامة لويزة حنون لخوض سباق الانتخابات الرئاسية المقررة شهر سبتمبر القادم.
ولئن كان ترشح حنون في السابق أمرا روتينيا، خاصة أنها تترشح للمرة الرابعة، إلا أن تزامنه مع تأخير الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون لإعلان ترشحه، والتسريبات عن غموض الجبهة الداخلية للسلطة، دفع متابعين للشأن الجزائري إلى ربط ترشيح حنون المبكر بأزمة التوافق على شخصية ممثلة للدولة العميقة.
وحنون مقرّبة من عقلية الحكم في الجزائر، ويمكن أن توظف الخلافات حول أداء تبون أو شروط إعادة ترشيحه من دوائر النفوذ العسكرية والاستخبارية الجزائرية لصالحها، وهي ترى أنها الأقدر ويمكن أن تنفذ ما تطلبه الدوائر المعنية بكفاءة أفضل من الطريقة المتعثرة لتبون.
وتستفيد حنون من تقييمات سلبية للولاية الأولى للرئيس الحالي، والتي اتسمت بالكثير من الأزمات خاصة ما تعلق بخسارة الجزائر لتأثيرها في القضايا الإقليمية وتوتر علاقاتها مع دول الجوار وفشلها في دخول مجموعة بريكس.
ولا يستبعد المتابعون أن يكون ترشح حنون اختبارا لموقف تبون نفسه للتعجيل بموقفه، وخاصة التفاعل مع ما تطلبه الدوائر المتنفذة من السلطة مقابل إعطائه الضوء الأخضر للترشح ثانية.
◄ زعيمة حزب العمال مقربة من عقلية الحكم في الجزائر، ويمكن أن توظف الخلافات حول أداء تبون لدعم ترشيحها
وحنون على صلة وطيدة بدوائر النفوذ، فهي محسوبة على رموز جهاز الاستخبارات السابق، الذي كان يقوده الجنرال المتقاعد محمد مدين (توفيق)، وتم سجنها بإيعاز من قيادة الجيش السابقة التي كان يقودها الجنرال الراحل أحمد قايد صالح، رفقة مديري جهاز الاستخبارات الجنرالين (توفيق)، وبشير طرطاق، إلى جانب سعيد بوتفليقة، شقيق ومستشار الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، وذلك في أعقاب مبادرة حول بلورة خارطة طريق سياسية للخروج من أزمة الحراك الشعبي حينها.
وعُرفت حنون بكونها أحذ أذرع السلطة من خلال خوض معاركها الخارجية وشن حملات تهدف إلى صرف الأنظار عن القضايا الداخلية والبحث عن “عدوّ خارجي” وتضخيم نظرية “المؤامرة”.
والتقت حنون خلال الأشهر الأخيرة مع الرئيس الحالي، في مناسبتين، تناولت فيهما حسب ما جاء في تصريحاتها الأوضاع الداخلية للبلاد والظروف الإقليمية والدولية السابقة، حيث طالبت الرجل الأول في الدولة للمبادرة بخطوات انفتاح حقوقي وفتح المجالين الإعلامي والسياسي.
ورغم اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الجزائرية بعد تقديمها بثلاثة أشهر، إلا أن الوضع السياسي في البلاد لا زال يطبعه الغموض إلى حد الآن، ورغم محاولة السلطة تحريك المياه الراكدة عبر الإعلان عن تقديم الموعد لأسباب تقنية، حسب ما روّجت له دوائرها، إلا أن حالة الجمود لا زالت تخيم على المشهد.
ولم يعبّر إلا عدد محدود من الشخصيات الحزبية المصنفة في خانة “المجهرية”، لخوض السباق، بينما لا زال قادة الأحزاب الكبرى في انتظار الإعلان عن مرشح السلطة للقفز على قارب الدعم والتأييد، بينما تتجه المعارضة والشخصيات المستقلة الوازنة إلى مقاطعة الاستحقاق.
وأعلن حزب العمال الجزائري عن ترشيح زعيمته لويزة حنون لخوض غمار الانتخابات الرئاسية المقررة في الأسبوع الأول من شهر سبتمبر القادم، لتكون بذلك ثاني امرأة تقرر الترشح للاستحقاق، بعد زعيمة حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي زبيدة عسول، لكن دون حظوظ أمام مرشح السلطة.
ويعد هذا القرار هو الرابع من نوعه في التاريخ السياسي لزعيمة حزب العمال، التي قضت نحو ثلاثة عقود على رأس الحزب رغم دعوات التجديد والتداول الديمقراطي على قيادة الحزب، لكنها كانت في كل مرة تخرج بنسب انتخاب ضئيلة جعلها واحدة مما يعرف بـ”أرانب السباق” التي تتقدم دائما بغرض تنشيط السباق وإضفاء الشرعية السياسية عليه.
وسجل حزب العمال اليساري في الاستحقاقات الأخيرة تراجعا لافتا في المجالس المحلية والوطنية، بسبب تراجع شعبيته والنزيف البشري الذي يعاني منه، كغيره من الأحزاب السياسية التي تعمل على وضع رجْل في المعارضة وأخرى في السلطة، خاصة وأن المرأة تحكم قبضتها الحديدية على الحزب، ولم تسمح بالتداول على قيادته.
وتعتبر لويزة حنون القيادية الحزبية الوحيدة التي عمّرت أكثر من ثلاثة عقود على رأس الحزب الذي أسسته، الأمر الذي هز صدقية الخطاب السياسي الذي تروّج له، فيما يتعلق بالتغيير في شكل السلطة الحاكمة ومضمونها، فضلا عن انخراطها في دعمها غير المباشر لها، كما كان الأمر في رئاسيات العام 2014.
◄ حنون على صلة وطيدة بدوائر النفوذ، فهي محسوبة على رموز جهاز الاستخبارات السابق، الذي كان يقوده الجنرال المتقاعد محمد مدين (توفيق)
وقررت اللجنة المركزية لحزب العمال في الدورة العادية للمجلس الوطني المنعقدة بالعاصمة، ترشيح الأمينة العامة للحزب لويزة حنون بالأغلبية كمرشحة في الانتخابات المقبلة.
وكانت لويزة حنون (70 عاما) أول امرأة جزائرية قد خاضت الانتخابات الرئاسية ثلاث مرات من قبل في أعوام 2004 و2009 و2014، وتراوحت مواقفها بين المعارضة الشكلية ودعم السلطة في الكثير من الخيارات السياسية والاقتصادية، حيث اتهمت في انتخابات العام 2014 بأنها كانت تؤدي حملة دعائية للرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، وتنتقد بشدة منافسه علي بن فليس، بدل أن تخوض خطابا سياسيا لشخصها وحزبها.
وسجنت حنون تسعة أشهر بين سنتي 2020 و2021 على خلفية الحراك الشعبي الذي شهدته الجزائر عام 2019، بعدما أدانها القضاء العسكري في البداية بـ15 عاما سجنا عن تهمتي “التآمر على سلطة الجيش، والتآمر على سلطة الدولة”، قبل أن يقضي مجلس الاستئناف العسكري بسجنها ثلاث سنوات منها تسعة أشهر ويوم واحد نافذة عن تهمة “عدم تبليغ عن جناية”، بعدما برأها من تهمتي “التآمر على سلطة الدولة، والتآمر على سلطة الجيش”.