غرق خمسة أطفال يكشف الوضعية المأساوية للطفولة في الجزائر
أعادت حادثة وفاة خمسة أطفال غرقا في شاطئ منتزه ترفيهي في الجزائر الجدل من جديد حول حقوق الأطفال في الترفيه والتسلية في أمان، وطرحت مسألة نقص المرافق الترفيهية خصوصا داخل المناطق الداخلية في البلاد ونقص الإطارات الكفؤة المسؤولة عن تنظيم الرحلات المدرسية. وكشفت الحادثة حسب إعلاميين وكتاب عن سلوك اللامسؤولية واللامبالاة والاستهتار بحياة الناس، وخيانة الأمانة التي سادت عددا من المؤسسات الجزائرية.
أثار غرق خمسة أطفال بمنتزه سياحي في العاصمة الجزائرية، لغطا كبيرا في الجزائر، كما أثار جدلا حول حقوق الطفل في الترفيه والتسلية، وبينما سارع رئيس الدولة لتعزية عائلات الضحايا، وتوجه القضاء لفتح تحقيق معمق، حمّلت جهات مستقلة مؤسسات الدولة مسؤولية الفاجعة، وطرحت مسألة توفير شروط السلامة للأطفال وحقوقهم في الترفيه والتسلية.
وأعلنت السلطات القضائية في العاصمة الجزائرية عن توقيف سبعة أشخاص ووضعهم تحت النظر على إثر وفاة خمسة أطفال غرقا في البحر بشاطئ منتزه ” الصابلات” بالجزائر العاصمة، وعن فتح تحقيق معمق ودقيق حول الواقعة والظروف والملابسات التي صاحبتها لتحديد المسؤوليات ضد كل من يثبت ضلوعه فيها.
وذكر بيان لمجلس قضاء العاصمة بأنه “عملا بأحكام المادة 11 من قانون الإجراءات الجزائية، تنهي النيابة العامة لدى مجلس قضاء الجزائر إلى علم الرأي العام، أنه إثر وفاة خمسة أطفال غرقا على مستوى بحر منتزه الصابلات بمناسبة رحلتين للنزهة خاصة بالأطفال، الأولى نظمت من قبل دار الشباب ‘الشهيد مزاري لحسن’ لبلدية عين بوسيف، والثانية من قبل جمعية ‘المرجان’ الكائنة بالمدية لفائدة أطفال تلاميذ، أمرت نيابة الجمهورية لدى محكمة حسين داي بفتح تحقيق ابتدائي معمق ودقيق حول هذه الواقعة والظروف والملابسات التي صاحبتها، وبالأخص مدى توافر الشروط القانونية والتنظيمية المتعلقة بحماية الأطفال المعنيين بمثل هذه النشاطات والمحافظة على سلامتهم الجسدية مع تحديد المسؤوليات ضد كل من يثبت ضلوعه في واقعة الحال”.
غرق خمسة أطفال أبرياء ليس مجرد حادث عرضي، بل يكشف عن سلوك مريع، سلوك اللامسؤولية واللامبالاة والاستهتار
وأضاف “النتائج الأولية للتحقيق الابتدائي، أسفرت عن توقيف سبعة أشخاص تم وضعهم تحت النظر في انتظار استكمال إجراءات التحقيق والتي سيتم إطلاع الرأي العام بنتائجها في حينه”.
وأثارت حادثة وفاة الأطفال الخمسة غرقا، ونقل اثنين آخرين إلى مستشفى بالعاصمة، صدمة قوية في الشارع الجزائري، الذي أبان عن تعاطف كبير مع عائلات الضحايا، وأثار جدلا حول وضعية الطفولة خاصة في المناطق الداخلية المحرومة من وسائل الترفيه والتسلية، فضلا عن شروط وظروف تنظيم مثل هذا النشاط الذي يستهدف في الغالب التنفيس عن أطفال المدارس بعد شهور التحصيل والاجتهاد التربوي، لكنه يسجل أحيانا حوادث أليمة تعكس اختلالا في التكفل بالشأن الطفولي.
والحادثة استرعت اهتمام كبار مسؤولي الدولة، حيث توجه الرئيس عبدالمجيد تبون، ورئيس مجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان) صالح قوجيل، برسائل تعزية إلى عائلات الضحايا وأعربا عن تضامنهما معها.
وفي رد فعل أوّلي أعلنت مديريات ولائية للتربية، عن وقف الرحلات السياحية لفائدة أطفال المدارس إلى غاية إشعار آخر، دون أن تقدم بديلا أو تفسيرا آخر، خاصة وأن الموسم الدراسي يوشك على نهايته بعد أسابيع قليلة، وهو ما قوبل بانتقاد مدونين على شبكات التواصل الاجتماعي، الذين أكدوا على أن “الحل لا يكمن في حرمان الأطفال من حقهم في الترفيه والتنزه، وإنما في تنظيم النشاط وتحمل المسؤوليات”.
وفيما تضاربت الروايات حول الحادثة التي أودت بحياة خمسة أطفال ينحدرون من محافظة المدية (جنوب العاصمة)، فإن الأشخاص الذين تم توقيفهم هم من مؤطري الرحلتين، ويشهد لهم بحسب عريضة وجهها أولياء التلاميذ للرأي العام بـ”الحرص والاستقامة”، كما رفضوا تحميلهم مسؤولية الحادث الأليم.
وحظي الموقف الحزين بتفاعل لافت، حيث ذكر الكاتب والإعلامي أحميدة عياشي، في منشور له على صفحته الشخصية، بأن “موت خمسة أطفال_غرقا في شاطئ صابلات، كيف حدث ذلك؟ أهكذا وصل بنا الحال، والتسيب والإهمال؟”.
وأضاف أن “غرق خمسة أطفال أبرياء، ليس مجرد حادث عرضي، بل يكشف عن سلوك مريع، سلوك اللامسؤولية واللامبالاة والاستهتار بحياة الناس، أجل ما حدث هو نتيجة سياسة اللاعقاب والإهمال وخيانة الأمانة التي سادت مؤسساتنا، كيف نأتمن على أولادنا وهم لعبة بين أيدي جمعيات (خيرية) غير مسؤولة، كيف ندرج هذا الحدث ضمن المتفرقات وكأنه أمر عادي؟”.
وتابع “إن ما حدث أمر جلل، قد يؤدي في بلدان يطبق فيها القانون بصرامة إلى سقوط رؤوس وليس فقط عقاب أشخاص في أسفل السلم، لقد رأينا في الدول التي تحترم النفس البشرية، كيف دفع وزراء بسبب هكذا أحداث مناصبهم، واضطروا إلى الاستقالة بسبب حادث مرور، فكيف تحدث هذه الفضيحة في منتزه بات يشكل واجهة الجزائر السياحية، وندرج ذلك ضمن حوادث المتفرقات؟”.
ودفع الحادث الحزين، بوضعية الطفولة الجزائرية خاصة في المناطق الداخلية إلى الواجهة، خاصة في ظل شح المرافق الترفيهية والهياكل التنظيمية التي تتكفل بهذه الفئة في مواسم العطل والإجازات، كما طرح بقوة دور المؤسسات المختصة سواء في هيكلة النشاط أو التوزيع العادل للإمكانيات والمرافق بين ربوع البلاد.
وتساءل عياشي في منشوره “أين كان مسؤولو منتزه الصابلات؟ كيف تغيب الرقابة عن شاطئ تؤمه عشرات العائلات من أنحاء الوطن وليس العاصمة وضواحيها؟ يجب أن تسأل وزارات الرياضة والتضامن والشباب والسياحة ومسؤولي منتزه الصابلات، وهؤلاء الذين جاؤوا متأخرين عن الأطفال الذين من المفروض أن يكونوا رفقتهم ويضعونهم تحت رقابتهم المباشرة، كيف تركوهم يهرعون إلى البحر وحدهم وهم دون سن 12 عاما؟”.
وأردف “ما حدث أمر غير مقبول، ولا يمكن التغاضي عنه، إن قلبي مع الأمهات المفجوعات والمغدورات، إن قلبي مع الآباء المكلومين وهم الذين وضعوا فلذات أكبادهم بين أيدي غير مسؤولة.. كل تضامني مع عائلات الأطفال الغرقى، وتعازيّ الخالصة لأهالي الضحايا، والآن، ما العمل؟ سننتظر نتائج التحقيقات، ثم نرى كيف ستتصرف الحكومة تجاه هذه الفضيحة، ونحن على أبواب الاحتفال بعيد الطفولة”.