تعول الحكومة المغربية على ميثاق الاستثمار الجديد لتطوير وتنمية إنتاج حليب الأطفال محليا، بما يسهم في تحقق الاكتفاء الذاتي وتقليل الإنفاق مع جعل أسعاره تتواءم مع القدرة الشرائية، خصوصا بعدما زادت تكاليف توريده بفعل الوضع العالمي المتقلب.
يعتزم المسؤولون في المغرب إعطاء قطاع تصنيع حليب الأطفال في البلاد جرعة تحفيز من أجل تغطية الطلب المحلي بشكل كلي ولمواجهة التكاليف الباهظة لشرائه من الخارج.
وعرفت أسعار هذه المادة في السوق المحلية منذ عام 2020 زيادات متتالية تتراوح بين 7 و28 في المئة، أي ما يعادل ثلاثة دراهم و24 درهما (0.3 و2.73 دولار).
وكشف وزير الصناعة والتجارة رياض مزور أثناء جلسة برلمانية أن أغلب منتجات هذه المادة الحيوية يتم استيرادها، وأن هناك مجموعة من البرامج والتدابير التي تهدف إلى تطوير القطاع.
ولفت إلى أن إنتاج حليب الرضع يعد من القطاعات الواعدة، وتتمثل خاصة في تحفيز الاستثمار وتشجيع البحث والتطوير، وكذلك الحرص على توفير المواد الأولية ومدخلات التصنيع.
وشدد مزور على أن الاستثمارات في قطاع أغذية الأطفال وخاصة تصنيع الحليب تستفيد، علاوة على المنح المتاحة لكل القطاعات، من منحة خاصة بالقطاعات المستقبلية الواعدة، وذلك بعد إدراجها ضمن الأنشطة المستفيدة من التشجيعات.
وأكد أنه تم تخفيف شروط الاستفادة من بعض المنح بالنسبة إلى هذه القطاعات، أبرزها تخفيض النسبة المطلوبة للاستفادة من منحة الاندماج المحلي إلى 20 في المئة.
وبالإضافة إلى ذلك تستفيد الشركات المنخرطة في هذه الاستثمارات من امتيازات ضريبية وجمركية خلال فترة إنجاز مشاريعها الاستثمارية.
ولفت مزور إلى أن قطاع تصنيع الحليب من الصناعات الحيوية الهامة والواعدة، نظرا إلى الدور الذي يلعبه في تلبية الاحتياجات المحلية من هذه المنتجات الضرورية لضمان تغذية صحية ومتوازنة للأطفال والرضع.
وشهدت أسعار حليب الأطفال الرضع زيادة ملحوظة منذ أواخر شهر يناير الماضي، حيث تراوح ثمن العلبة الواحدة بين 78 و148 درهما (7.6 و14.4 دولار)، حسب الفئات العمرية وحسب كل صنف من المنتجات.
وجراء هذا الوضع استبدلت بعض الأسر الحليب المعقم المعروض في الصيدليات بحليب البقر رغم خطورته على صحة الأطفال.
والتمست الأمهات المتضررات بسبب زيادة الأسعار من وزارة الصحة والحكومة التدخل لفرض رقابة على الشركات المنتجة وفي الوقت نفسه مراعاة وضعهن الاجتماعي مع تضرر القدرة الشرائية بسبب الزيادات المتكررة التي شهدتها مختلف المواد الأساسية.
وتؤكد الجامعة الوطنية لجمعيات حماية المستهلك أن “حليب الرضع هو منتج أساسي لكل رضيع في أشهره الأولى، وبالخصوص الأمهات اللواتي يعانين من مشاكل يصعب عليهن معها إرضاع أطفالهن عن طريق الرضاعة الطبيعية، أو لنقص حليب الأم الطبيعي”.
وقالت في بيان إن “الحليب المخصص للرضع في الأشهر الأولى يعتبر بمثابة دواء في القانون المغربي، وبالتالي من الواجب على الجهات المسؤولة أخذ هذه المسألة المتعلقة بحياة الرضع بعين الاعتبار”.
ودعا النائب من حزب الأصالة والمعاصرة عادل الدفوف إلى تعزيز مراقبة الحليب الموجه إلى الأطفال في الأسواق المغربية، لافتا إلى أن الأسر لجأت إلى شرائه عبر الإنترنت أو استهلاك الحليب الموجود عند البقال، ما ينعكس سلبا على صحة الأطفال الرضع.
ويقدر المجلس الوطني لاتحاد صيادلة المغرب أن قرابة 20 في المئة من الأسر التي لديها مواليد جدد، حيث تستقبل البلاد سنويا قرابة 700 ألف رضيع، بإمكانها شراء هذا الحليب، إذ يكلف استهلاكه بشكل يومي قرابة 50 دولارا شهريا.
وفي هذا المضمار أثارت حنان أتركين، عضو الفريق النيابي لحزب الأصالة والمعاصرة، هذه المسألة في تساؤل قدمته إلى وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح العلوي.
واستفسرت أتركين خلال الجلسة البرلمانية حول السبل والوسائل التي ستتخذها وزارة الاقتصاد من أجل ضبط أسعار حليب الأطفال بشكل يتماشى مع القدرة الشرائية للمغاربة.
وركزت في تساؤلها على اندفاع بعض الأسر إلى محاولة إيجاد حلول بديلة لاقتناء الحليب من الصيدليات بهدف إرضاع أطفالها، من ضمنها شراء الحليب مباشرة من الإنترنت أو اللجوء إلى أنواع غير صالحة للرضع، والتي تلحق أضرارا بصحتهم.
وأكد بعض الصيادلة في تصريحات لـه” أن الحليب من العلامة التجارية “نان” وصل سعره في عام 2020 إلى 7.3 دولار، ليبلغ في العام التالي 7.6 دولار.
وأشارت المصادر إلى أنه في بداية 2023 عرفت الأسعار زيادة صاروخية، حيث وصلت إلى 9.55 دولار. وهناك أنواع أخرى، منها “نورسيي” بحجم 900 غرام، بلغ سعر العلبة منها 16.46 دولار مؤخرا.
وبخصوص حليب “نوفالاك” النوع الأول حجم 400 غرام فقد بلغ سعره في عام 2020 حوالي 6.8 دولار، لينتقل في 2021 إلى 7.8 دولار وفي 2022 عرف زيادة بثلاثة دراهم. أما بالنسبة إلى الحليب صنف “نوفالاك” المخصص للأطفال الذين هم في حالات صحية خاصة فقد وصل إلى 9.7 دولار.
وعزا رئيس فريق حزب الحركة الشعبية بمجلس النواب إدريس السنتيسي التصاعد المطرد لحليب الأطفال إلى عوامل تدخل في تركيبتها الحيوية والأساسية ومن ضمنها المرتبطة بالاستيراد. ودعا الحكومة إلى التفكير في إمكانية تصنيع حليب الأطفال لتخفيض الكلفة وجعله في متناول الأسر ولمَ لا تصديره.
وأرجعت الشركات المنتجة لحليب الأطفال ارتفاع ثمن الحليب المصنع إلى غلاء المواد الخام أو الأولية التي يستوردونها من الخارج، بسبب تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية.
وحاول مزور تبرير ذلك بالإشارة إلى أن هذه الصناعة تتطلب تكنولوجيا متقدمة ومعايير صحية عالية، إلا أنه يتم إنتاج بعض هذه المنتجات محليا.
وتنتج شركة نستله المغرب حليب الرضع، وخاصة منهم الذين تتجاوز أعمارهم السنة، بوحدتها الصناعية المتواجدة في مدينة الجديدة تحت علامتها التجارية “نيدو”.
ويعتقد وزير الصناعة أن تحفيز نمو هذا القطاع في المستقبل يحتاج إلى دعم الشراكات بين القطاعين العام والخاص، مع تشجيع البحث وكذلك الحرص على توفير المواد الأولية ومدخلات التصنيع.
وأطلقت الوزارة برنامجا لدعم الابتكار الصناعي، ما يعزز القدرة التنافسية للصناعات الغذائية. ومن المقرر اعتماد خارطة طريق جديدة لتطويرها، والتي ستتضمن تحديثات ومبادرات جديدة تحقق نموها المستدام.