من يتحمل مسؤولية عدم تمثيل الجالية في الحكومة المغربية ؟
الملك: ماذا أعددنا لهم؟
في خطابه الأخير، أشاد الملك محمد السادس بجهود الجالية المغربية بالخارج في الدفاع عن الوحدة الترابية، وارتباطهم القوي بالوطن، وتعلقهم بمقدساته، وحرصهم على خدمة مصالحه العليا، رغم المشاكل والصعوبات التي تواجههم، متسائلا: “ماذا وفرنا لهم لتوطيد هذا الارتباط بالوطن؟”.
ولا يزال تاريخ الأحد 6 نونبر 2005، محفورا في ذاكرة الكثير من مغاربة المهجر، حين أعلن الملك محمد السادس، آنذاك عن اتخاذ قرارات استراتيجية لفائدة الجالية، منها تخصيص تمثيلية ملائمة للمغاربة المقيمين بالخارج في مجلس النواب، وإحداث دوائر تشريعية انتخابية بالخارج، وتمكين الأجيال الجديدة من الجالية المغربية من حق التصويت والترشح في الانتخابات.
خطاب الملك آنذاك، أعاد الكرامة لمغاربة العالم، واعتبرهم مواطنين كاملي المواطنة ولديهم حقوق، ولذلك اتخذ قرارات وليس إشارات، وكان من المفروض على الحكومة آنذاك أن تطبقها في الانتخابات التشريعية لسنة 2007.
غير أنه بعد مُضي 19 سنة على هذا الخطاب، و13 سنة على الدستور الجديد للمملكة، اتضح للجميع أن الطبقة السياسية والمؤسسات المنوط بها تنزيل تلك الحقوق فَشلت في تحقيق تطلعات مغاربة العالم، وهو ما حدا بنا إلى إعادة إثارة هذا الموضوع، من خلال البحث عن أجوبة لأسئلة من قبيل: من يعرقل مشاركة الجالية في الحياة السياسية؟ ومن يتحمل مسؤولية ذلك؟ هل الأحزاب، أم الحكومات المتعاقبة؟ أم الدولة؟ أم هناك أسباب أخرى غير معلنة، وهل هناك رغبة رسمية في إشراك هذه الفئة في الحياة السياسية؟ وهل يرغب مغاربة العالم فعلا في المشاركة؟
تمرين على المشاركة لم يعش طويلا
غالبية المهاجرين من الجيل الأول بفرنسا يتذكرون عقا الغازي – في أول تجربة لمشاركة الجالية في البرلمان المغربي- ذلك النقابي الشرس في معامل السيارات بفرنسا والذي كان محط إزعاج للرئيس الفرنسي “فرانسوا ميتران”، كان “عقا” ابن بلدة القصيبة الذي وافته المنية سنة 2018، من بين 4 نواب آخرين تمكنوا من الظفر بمقاعد في مجلس النواب المغربي سنة 1984، ليكونوا بذلك ممثلين للجالية في البرلمان في الفترة من 1984 إلى 1992.
إلى جانب عقا الذي ترشح باسم الاتحاد الاشتراكي في دائرة “باريس”، قبل أن يستقطبه “الزايغ” إلى الحركة الشعبية. فاز أيضا إبراهيم أبرباش عن حزب الوسط الاجتماعي بمقعد عن المهاجرين المغاربة في “ليون”، ومرزوق أحيدار عن الاتحاد الدستوري بدائرة “بروكسيل”، ورشيد لحلو عن حزب الاستقلال في “مدريد”، وعبد الحميد نعيم عن التجمع الوطني للأحرار في “تونس”.
كشف أحد المهاجرين المغاربة الذين عاصروا هذه التجربة، أن الهدف من هذه المبادرة لم يكن إشراك الجالية في العمل السياسي بقدر ما كان محاولة من ما وصفه بـ”المخزن” لاستمالة المعارضين بالخارج والتفاوض معهم، مضيفا أن من ترشحوا آنذاك كانوا يقودون وداديات بالخارج، وهي تنظيمات كانت لها ارتباطات وثيقة مع وزارة الداخلية في عهد إدريس البصري أو ما يعرف بـ”سنوات الرصاص”.
وحول توقف هذه التجربة سنة 1992، ترى مجموعة العمل حول “المواطنة والمشاركة السياسية” التي أحدثها مجلس الجالية المغربية بالخارج، أن هذه التجربة عكست انعدام تمثيلية حقيقية للمهاجرين المغاربة بسبب صعوبة ضمان الشفافية في الانتخاب، إضافة إلى انعدام التواصل بين المنتخبين والشرائح التي يمثلونها، ومع ذلك تشدد هذه المجموعة على “ضرورة تعميق البحث في مسارها ونتائجها”.
أحزاب تعوزها الجرأة
و يكمن السبب الحقيقي الذي يقف عقبة أمام التمثيلية السياسية لمغاربة العالم في البرلمان، أن مغاربة العالم يدركون بأن الأحزاب لا تملك الشجاعة ولا الجرأة لإشراكهم في تدبير الشأن العام، مضيفا أنه بالرغم من أن العديد من الأحزاب لها فروع في الخارج، إلا أنها كانت للتزيين فقط، ولا فائدة منها، خصوصا وأن برامج هذه الأحزاب تفتقر إلى رؤية واضحة لانتظارات مغاربة العالم.
أكدت دراسة حديثة صادرة عن مجلس الجالية، رصدت ضعف حضور قضايا مغاربة العالم في برامج الأحزاب في الفترة من 2011 إلى 2018، حيث اكتفت بإشارات “محتشمة”، دونما حديث عن المشاركة السياسية، نفس الشيء بالنسبة لممثليها في البرلمان خلال الولاية التشريعية التاسعة، حيث بلغت حصيلة الأسئلة التي تخص الجالية 247 سؤالا فقط، وهو ما يمثل 0.67% من مجموع الأسئلة المطروحة خلال تلك الولاية، مع تسجيل عدم طرح أي سؤال في البرلمان يهم المشاركة السياسية لهذه الفئة.
وبالعودة إلى البرامج الانتخابية للأحزاب بالمغرب في محطتي 2016 و2021، نجد أن هناك تغييبا للبعد المرتبط بالمشاركة السياسية للجالية، فالبرنامج الانتخابي لحزب العدالة والتنمية مثلا والذي قاد تجربتين حكوميتين، اقتصر فقط على ذكر مقترحات لتشجيع الدور الاقتصادي للجالية، في حين اكتفى حزب التجمع الوطني للأحرار بالحديث في برنامجه عن البعد الثقافي، دونما أي إشارة للمشاركة السياسية.
وتميز برنامج حزب الاستقلال بكونه الأكثر تفصيلا ودقة من باقي البرامج الانتخابية، حيث تعهد بتمتيع أفراد الجالية بالمواطنة الكاملة ودعم مشاركتهم السياسية، فيما اعتمد البرنامج الانتخابي لحزب الاتحاد الاشتراكي على رؤية تفصيلية تجاه قضية الجالية، إذ تعهد بإقرار حق المشاركة السياسية، وضمان تمثيلية وازنة لمغاربة العالم في جميع الهيئات ومؤسسات الدولة.
وقبل انتخابات 2016، وبالضبط سنة 2014، اندلعت خلافات حادة بين الفرق البرلمانية بمجلس النواب، حول تمثيلية الجالية في البرلمان، بسبب التباين في عدد الأعضاء المخصصين، والتي اقترحها كل فريق برلماني على حدة، حيث تقدم فريق العدالة والتنمية بمقترح قانون يرمي إلى إحداث 4 دوائر انتخابية بالخارج بما لا يقل عن 4 مقاعد، بينما تقدم الفريق الاستقلالي من جانبه بمقترح قانون بتخصيص 60 مقعدا للجالية، واقترح أن تكون 4 دوائر لمغاربة العالم، أما مقترح الفريق الاشتراكي فكان يرمي آنذاك إلى تمكين الجالية من تمثيلية داخل المجلس بتخصيص 30 مقعدا لهم مع الرفع من أعضاء مجلس النواب إلى 425 برلمانيا عوض 395.
الإجماع على هذه المقترحات، لم يقع، بحسب مصدر برلماني، مضيفا أن ذلك يبقى “مشكل الأحزاب، لأنها لا تريد ربما أن تشارك هذه الفئة في الحياة السياسية، وقد يكون ذلك راجعا لكون حضورها في الخارج ضعيفا”، قبل أن يضيف: “لو تم التوافق لأنهينا هذا المشكل منذ زمان”، بينما اعتبر مسؤول كبير متابع للملف، مقترحات الفرق البرلمانية، “غير جدية” و”عشوائية”، و”مجرد مزايدات سياسية”.
وكانت خيبة أمل الجالية المغربية كبيرة قُبيل انتخابات 2021، حين عقدت تنسيقية ممثلي الأحزاب المغربية في الخارج لقاءات متفرقة مع زعماء الأحزاب، عبّر خلالها هؤلاء عن مساندتهم للحق الدستوري للجالية، غير أن أعضاء التنسيقية فوجئوا خلال جلسة 5 مارس 2021، بالتصويت ضد تعديل القانون التنظيمي لمجلس النواب، الذي يتضمن اقتراحا لضمان تمثيلية الجالية.
هذا فالحكومات المتعاقبة لم تكن لديها الجرأة والشجاعة لإشراك الجالية في العملية الانتخابية، غير أنه لا يجب وضع كل الأحزاب في نفس الخانة، لأنها لم تكن كلها مساهمة في هذه الحكومات، أو مُمثلة في البرلمان، مبرزا أن فريقين برلمانيين سنة 2007 تقدموا بتعديلات على القانون التنظيمي لمجلس النواب، ويتعلق الأمر بالاشتراكي الموحد في الغرفة الأولى، والكونفدرالية الديمقراطية للشغل في الغرفة الثانية، لكن لم يتم تمريرها.
فهناك تناقضا في تعاطي الأحزاب وفرقها البرلمانية مع هذا الملف، أنه خلال اجتماع مناقشة هذا القانون بلجنة الداخلية بمجلس النواب، تم التأكيد على ضرورة تنزيل الفصل 17 من الدستور، كما تم اقتراح إيجاد صيغة تمكن هذه الفئة من ممارسة حقها الدستوري في المشاركة السياسية الفعلية، وتمكينها من حق الترشح انطلاقا من تخصيصها بلائحة خاصة بها على غرار اللائحة الجهوية، فيما اقترح آخرون تضمين اللائحة الجهوية ترتيبا للمقاعد على التوالي؛ امرأة، جالية، شباب.
ويرى مصدر برلماني من المعارضة، أن نقاش ضمان تمثيلية مغاربة العالم في مجلس النواب، عرف تطورا في السنوات الأخيرة، وأن هناك حرص من الأحزاب على تنزيل الفصل 16 من الدستور، مضيفا أن التقدم الذي وقع هو مقترح تضمين لائحة جهوية مقعدا خاصا بامرأة من مغاربة العالم، غير أن القانون التنظيمي لمجلس النواب الذي صودق عليه في مارس 2021، لا ينص صراحة على ذلك.
كما أن المحكمة الدستورية، هي الأخرى تتحمل جزءا من المسؤولية، إذ أنها تجيز القوانين التنظيمية لمجلس النواب، دون أن تأخذ بعين الاعتبار الحق الدستوري لمغاربة العالم في المشاركة السياسية.
ولابد من الإشارة هنا، إلى أن مجموعة العمل حول “المواطنة والمشاركة السياسية”، التي أحدثها مجلس الجالية بعد دستور 2011، كانت قد اقترحت إشراك مغاربة العالم من بوابة مجلس المستشارين، على اعتبار أنه يعبر على مصالح الفئات، والجالية المغربية فئة من فئات المجتمع، عن طريق إجراء تعديل دستوري. كما اقترحت مشاركتهم عن طريق اللائحة الوطنية، أي أن تكون إلزامية بالنسبة للأحزاب بالنسبة للغرفة الأولى، غير أن هذه المقترحات ظلت حبيسة التقارير دون أن تتلقفها الأحزاب وتترجمها لقوانين.
التصويت بالوكالة .. الإجراء الأعرج
بعد دستور 2011، سُمح لمغاربة الخارج بالتصويت في الانتخابات بالوكالة، وهي آلية تعفي أبناء الجالية في ظل عدم إمكانية فتح مكاتب للتصويت خارج المغرب، (تُعفيهم) من التنقل لآلاف الكيلومترات للإدلاء بأصواتهم.
وأثارت هذه الآلية بعد اعتمادها في الانتخابات الموالية للدستور الجديد، الكثير من الجدل، حيث اعتبرها مهاجرون مغاربة “انتهاكا للدستور”، و”إهانة”، في حين قال مجلس الجالية المغربية بالخارج، في تقريره حول “مسألة المشاركة والتمثيلية السياسية لمغاربة العالم، إن “التصويت بالوكالة يطرح مشاكل مراقبة شرعية الاقتراع وإمكانية التزوير”.
ويُجيز القانون لمغاربة الخارج المقيدين في اللوائح الانتخابية العامة أن يصوتوا في الانتخابات عن طريق الوكالة، ويتعين على كل ناخب مقيد أن يملأ مطبوعا خاصا، بالقنصليات والسفارات التابعة لمقر سكناه، ويوقع عليه ويصادق على إمضائه، في عين المكان، ويقوم بتوجيه أو تسليم الوكالة إلى الشخص الذي تم توكيله، ولا يجوز لشخص أن يكون وكيلا لأكثر من ناخب واحد مقيم خارج تراب المملكة.
وفي ظل غياب رقم رسمي حول عدد المصوتين بالوكالة من مغاربة العالم، أكد مصدر مسؤول أن الإقبال على هذه الآلية “ضعيف جدا”، وهو ما أشار إليه أيضا تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول ملاحظته لانتخابات 25 نونبر 2011، حيث سجل أنه “لا يستعمل إلا نادرا”، مشيرا إلى أن ملاحظي المجلس الذين قاموا بمهام الملاحظة بـ 1200 مكتبا للتصويت لم يسجلوا سوى حالتين تم التصويت فيهما بالوكالة.
في تقريره أيضا حول ملاحظة انتخابات 8 شتنبر 2021، عاين مجلس بوعياش في 76 حالة بالمكاتب التي لاحظها، تصويت المغاربة المقيمين بالخارج عن طريق الوكالة، كما سجل أن 14 حالة لم تستوف الشروط القانونية لذلك.
وينشط التصويت بالوكالة، بحسب مصادر جيدة الإطلاع بشكل كبير في القرى، حيث تكون المنافسة بين العائلات الكبيرة والتي يوجد عدد مهم من أبنائها في المهجر، وحتى يضمن مرشح العائلة الفوز في الانتخابات الجماعية مثلا، يلجأ إلى أصوات المغاربة المقيمين بالخارج من أبناء عائلته وقريته.
مخاوف رسمية
ليست الأحزاب السياسية وحدها من تتحمل مسؤولية “تعثر” المشاركة السياسية لمغاربة العالم، فالدولة هي الأخرى لها يد في الأمر، وقد يكون ذلك لعدة أسباب، منها ما أورده مصدر مسؤول فضل عدم كشف هويته، حيث أوضح أن وزراء الداخلية في الفترة ما بين 2007 إلى 2016، كان من بين المبررات التي يرمون بها في وجه الأحزاب سواء في البرلمان أو داخل الاجتماعات المغلقة، ما يتعلق بوضعية 800 ألف من اليهود المغاربة في إسرائيل وكيفية التعامل معهم إذا أرادوا أيضا المشاركة وهذا حقهم، وفق تعبيره.
أما بخصوص ما تروجه بعض الجهات من تخوف الدولة من هيمنة الإسلاميين على تمثيلية الجالية بالخارج، فقد قلّل مصدرنا من صدقية هذه الفرضية، لأن تأثير الإسلاميين، بحسبه، في مغاربة الخارج ضعيف جدا. كذلك قال قيادي بحزب العدالة والتنمية إن “الخوف من الإسلاميين أصبح متجاوزا لأن الحزب اكتسح نتائج تشريعيات 2011 و2016، ولم يعد هذا عذرا مقبولا لعدم إشراك هذه الفئة”.
وهو ذات الاستبعاد الذي عبر عنه مصدرنا الرفيع تجاه فرضية تأثير جماعة العدل والإحسان بالنظر إلى أنها لم تسعها بعد قواعد اللعبة السياسية، مما يعني أنها لن تقدم مرشحين باسمها، كما أنها في خصومة سياسية دائمة مع حزب العدالة والتنمية، وبالتالي لن تدعم مرشحي البيجيدي إذا قدمهم.
كما أن السلطات المغربية تلقت إشارات، من “نيكولا ساركوزي” عندما كان وزيرا للداخلية، بناء على معلومات استخباراتية من عدة دول أوروبية، تفيد بأن إشراك الجالية في الانتخابات سيكون بمثابة “هدية للإسلاميين” لتصدر الانتخابات، خصوصا حزب العدالة والتنمية.
فيما ذهبت مصادر أخرى، إلى القول بأن الحكومات المتعاقبة عجزت عن تسريع الإجراءات والآليات المرتبطة بالعملية الانتخابية من أولها إلى آخرها، إضافة إلى الخوف من عدم مشاركة أفراد الجالية في الانتخابات وتسجيل نسب مشاركة هزيلة، قد تضرب بصورة المغرب في الخارج.
بارونات المخدرات
في السياق ذاته، يرى محللون أن فرضية الهاجس الأمني قد تكون متحكمة في تأجيل مشاركة مغاربة العالم في الحياة السياسية، فالدولة، كما يرون، لا تريد تكرار تجربة البرلماني “سعيد شعو” الملقب بـ”إسكوبار المغرب”، المطلوب لدى السلطات المغربية بتهمتي “تكوين عصابة إجرامية” و”الاتجار الدولي في المخدرات” إضافة إلى دعمه للانفصال في الريف، وهنا يشير مصدر مسؤول للجريدة إلى أن “فرضية المخدرات لا يمكن إنكارها، لكن ليست وحدها المفسرة لعدم مشاركة مغاربة العالم”.
وبالتالي فإن فتح أبواب مجلس النواب، أمام عينة تتاجر في المخدرات، وباستطاعتها دفع المال الغزير من أجل الحصول على التزكيات، يُبقي هذه الفرضية مطروحة بقوة، إضافة إلى أن هؤلاء “البارونات” بإمكانهم شراء الأصوات، والتحكم في الخريطة السياسية في بلاد المهجر، حتى من غير أن تترشح هي للانتخابات.
ويقود “بارونات” من أصول مغربية عددا من شبكات تجارة المخدرات في أوروبا، في هذا السياق، كشفت وكالة مكافحة المخدرات بالاتحاد الأوروبي، في تقريرها لسنة 2018، أن العصابات التي يقودها مغاربة أزاحت المافيا التقليدية وبدأت تسيطر على سوق الكوكايين أقامت شبكات تهريب مباشرة من المنتجين في أمريكا إلى المستهلكين في أوربا.
وهنا نشير إلى أن بلاغ رئاسة الحكومة، الخاص باجتماع اللجنة الوزارية لشؤون المغاربة المقيمين في الخارج وشؤون الهجرة، لتفعيل التوجيهات الملكية، لم يشر بصريح العبارة لإمكانية ضمان المشاركة السياسية للجالية، واكتفى بالتأكيد على أن أولويات المرحلة الراهنة هي تقوية وتعزيز الارتباط الثقافي والروحي للمغاربة المقيمين بالخارج.
غير أن الخطاب الملكي الأخير، أثار بشكل ضمني المشاركة السياسية للجالية، عندما تساءل: ماذا وفرنا لهم فيما يخص الإطار التشريعي؟ فالتشريع هنا يقصد به بالإضافة إلى إعادة النظر في القانون المنظم لمجلس الجالية، القانون التنظيمي لمجلس النواب لضمان مشاركة المغاربة المقيمين بالخارج في الانتخابات.
في السياق ذاته، شدد مهاجرون مغاربة على أن إشراك الجالية في مشاريع التنمية بالمغرب، وجعلهم فاعلين حقيقيين في مسلسل التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالمملكة، لن يتأتى إلا بمشاركتهم السياسية حتى يتمكنوا من إعطاء إضافة جديدة للجهاز التشريعي، مطالبين بقطاع حكومي مستقل تحت وصاية رئيس الحكومة لإحياء البرامج الموجهة لمغاربة العالم.
وحول ما إذا كانت صورة المغرب ستتأثر دوليا بعدم مشاركة مغاربة العالم في الحياة السياسية، ترى رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان أنه “ربما يكون ذلك واردا بالفعل”، قبل أن تضيف: “غير أن الأهم، في نظرنا، ليس صورة المغرب بالخارج فقط بقدر ما يتعلق الأمر بتعزيز المشاركة الفعلية والفعالة لكل المغارية في مسار تنمية بلدهم”.
ولن يتأتى ذلك “دون مشاركة كاملة، قائمة على مقاربة شاملة. فهي مشاركة سياسية وحزبية ومؤسساتية واقتصادية واجتماعية ونقابية وثقافية ونسائية وشبابية… هي مشاركات متعددة تتطلب انخراطا واستحضارا عرضانيا في جميع السياسيات والبرامج الحكومية، سواء التي تهم شؤون الجالية (لا شيء لهم من دونهم) أو التي تهم شؤون الوطن بشكل عام”.
إلا أن المشاركة المكثفة في الاستفتاء تعبر عن وعي سياسي للجالية المغربية وارتباطها بشؤون وطنها الأصلي، بالرغم من حرمان أفرادها من حقها في الترشح والمشاركة السياسية الكاملة”.
علاقة بالموضوع، عاين المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول ملاحظته للانتخابات الأخيرة، ترشيح أزيد من 100 مغربي مقيم بالخارج لانتخابات 8 شتنبر، منهم 29 وكيل لائحة، لافتا إلى أن أنشطة الحملة الانتخابية لم تستحضر حقوق مغاربة العالم سوى في 12.5% منها، بينما لم تستحضر حقوق المهاجرين سوى في 6.5% منها.
“مطبات” قانونية
فرضا أن المشرع المغربي، أبدى رغبته في ضمان تمثيلية مغاربة العالم في البرلمان، فإنه سيصطدم لا محالة بالعديد من الإشكالات التي تلزمها ترسانة قانونية شاملة وواضحة لحلها. ففي الوقت الذي حددت فيه القوانين الانتخابية، طرق الطعن في نتائج الانتخابات، في الحالة المغربية، فإنه في الطرف الآخر، سيطرح إحداث دوائر تشريعية انتخابية بالخارج، إشكالات مرتبطة بالبث في الطعون الانتخابية، وما إذا كان مسموحا للمحكمة الدستورية البث في قضايا وقعت خارج الحدود.
من الإشكالات أيضا، ما يتعلق بمراقبة حسابات الحملات الانتخابية، حيث أناط الفصل 147 من الدستور بالمجلس الأعلى للحسابات فحص النفقات المتعلقة بالعمليات الانتخابية، وهو ما يطرح مشاكل حول كيفية التدقيق في مصاريف الحملات الانتخابية للمرشحين في دوائر الخارج، نفس الشيء بالنسبة لمراقبة وتنظيم مرور المرشحين في الإعلام وما يطرحه من غياب لتكافؤ الفرص.
وثمة إشكالات أخرى مرتبطة بالسلطات المكلفة بمراقبة الاقتراع في الخارج وضمان الأمن العام خلال هذا الاقتراع، وهل تتوفر هذه الأخيرة على ترخيص لمباشرة مهامها فوق تراب أجنبي؟ وكيف سيتم التعامل مع منع بعض البلدان لتنظيم الانتخابات في أوساط المهاجرين؟
إشكالية أخرى مرتبطة باستغلال المساجد وخطب الجمعة للدعاية للمرشحين، ففي الوقت الذي يمنع فيه الظهير الملكي المنظم لمهام القيمين الدينيين بالمغرب، الأئمة من التحدث في السياسة، فإن هذا الظهير يصعب إلزام الخطباء والأئمة به في المساجد الكبيرة في أوروبا، وبالتالي من سيمنع الإمام من أن يخطب في المسجد الكبير في بروكسيل مثلا ويطالبه بالتصويت على المرشح الفلاني.
مصدر رفيع، اكد أن “هذا الملف من الناحية التقنية جد معقد، لأن تنظيم الانتخابات في عدة بلدان، تلزمه مساطر قانونية، واتفاقيات ثنائية، ولوجيستيك، وطواقم بشرية، وأيضا أن تقبل هذه الدول التي يتواجد بها المهاجرين المغاربة بتنظيم انتخابات على أراضيها، فكندا مثلا لا تقبل بأن يكون على أراضيها أي استحقاق بلد آخر”.
تعويضات هزيلة تنال من كرامة الجالية
وجد برلمانيون وبرلمانيات من مغاربة المهجر سواء في الولاية السابقة أو الحالية، صعوبة في التوفيق بين حضورهم في البرلمان بالمغرب، وبين التزاماتهم العائلية وحتى المهنية في الخارج، وما يترتب عن ذلك من سفريات تبتلع الراتب الذي يبدو للكثير منهم هزيلا مقارنة بما يتقاضونه في عملهم ببلدان الإقامة في أوروبا.
وقالت مصادر حزبية إن عددا من البرلمانيات يجدن صعوبة في المزاوجة بين الحضور لجلسات ولجان البرلمان، وبين تربية أبنائهن في المهجر، وأيضا توفير متطلباتهم، إضافة إلى كثرة تنقلاتهم بين المغرب وأوروبا، وهو ما يستنزف ما تبقى من راتبهن الشهري من البرلمان، بعد اقتطاعات الأحزاب.
هذا المعطى يقودنا للتساؤل حول ما إذا كانت التعويضات التي يستفيد منها البرلمانيين، والتي تبلغ 35 ألف درهم شهريا، قد تكفي مثلا مهاجرا مغربيا في أوروبا لتمثيل أفراد الجالية في البرلمان، وهل تكفيه للتنقل بين المغرب وأوروبا، وإيجاد سكن في الرباط ليكون قريبا من البرلمان، وما يتطلبه ذلك من مصاريف أخرى، إضافة إلى مصاريف أبنائه بالمهجر.
وفي هذا الإطار، قالت برلمانية فضلت عدم الكشف عن هويتها، أنها تجد صعوبة كبيرة في توفير مصاريف تنقلاتها بين المغرب وبلد الإقامة، في الوقت الذي يستفيد زملاؤها من الأقاليم الجنوبية من الرحلات الجوية المجانية.
وطرح متابعون لملف المشاركة السياسية لمغاربة العالم، عدة إشكالات تلزمها آليات لحلها، من قبيل أن الدورة البرلمانية فيها 9 أشهر، وهو ما يطرح مشكلا للبرلماني ممثل الجالية، هل يستقر كل هذه المدة في المغرب، أم يسافر لعقد لقاءات مع من صوتوا عليه والاستماع لمشاكلهم، وكيف سيتدبر ذلك ماديا، وهل سيكفيه الراتب المخصص للبرلمانيين؟
من الإشكالات أيضا، برلمانية من مغاربة العالم مثلا إذا كانت موظفة بإحدى الشركات في فرنسا، وقدمت استقالتها من وظيفتها، وبعد مُضي 5 سنوات، ولم يحالفها الحظ للعودة للبرلمان، كيف ستتدبر أمورها؟ هل ستعود للبحث عن عمل آخر؟
عراقيل مقصودة
عكس الشعارات التي ترفعها الحكومات والأحزاب والنقابات بخصوص قضايا مغاربة العالم، ورغم محاولات استقطاب الكفاءات من هذه الفئة، إلا أنه ثمة مؤشرات ومعطيات وقصص تُظهر عراقيل مقصودة تقف في وجه مشاركة الجالية المغربية في شتى المجالات وليس في السياسة فقط.
من هذه القصص، يحكي أستاذ جامعي مغربي في إحدى كليات الطب بفرنسا، يبلغ من العمر 45 سنة، أنه قرر الدخول إلى المغرب من أجل العمل في إحدى كليات الطب، غير أنه فوجئ بأن القوانين المعمول بها، ستهضم 10 سنوات من الأقدمية في مساره المهني والتي قضاها في التدريس بفرنسا، وهو ما حذا به لمراجعة فكرة العودة للعمل في أرض الوطن.
من المؤشرات كذلك، التي تجعل من المرء يطرح سؤال “هل فعلا يريد مسؤولي البلاد إشراك مغاربة العالم في تدبير الشأن العام؟”، أنه في رمضان الماضي، أطلقت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، بشراكة مع وزارة الاقتصاد والمالية، طلب عروض موجه للكفاءات المغربية بالخارج، من مهندسين وأطباء وباحثين.
طلب العروض هذا، يهم تقديم الخبرة في إطار مؤقت من 15 يوما إلى 60 يوما، مقابل تعويض هزيل بل ومضحك لا يتجاوز 750 درهما عن كل يوم، وتذكرة في الدرجة الاقتصادية، وإذا قام المستفيد بتغيير تاريخ الرحلة فعليه تحمل المسؤولية، وهو عرض يثير أكثر من سؤال حول التحفيزات التي تقدم لهذه الكفاءات للدخول للمغرب في ظل تنافس عالمي كبير حول استقطاب الكفاءات.
مؤشر آخر يتعلق بمعادلة الشهادات الجامعية، وهو صداع في رأس كل كفاءة مغربية تريد العودة للمساهمة في جهود تنمية البلاد. وسبق لرئيس الحكومة السابق، سعد الدين العثماني أن أقر بأن عملية المعادلة تعرف تأخرا بسبب تقادم المرسوم وتعقد الإجراءات المعمول بها، مشيرا إلى أن الوزارة المعنية تتلقى سنويا حوالي 4 آلاف طلب للمعادلة.
وتتطلب معادلة بعض الشهادات من سنتين إلى 4 سنوات، وقد لا يتلقى البعض من المتقدمين بطلبات المعادلة أي رد، خصوصا إذا كانت هذه الشهادة من دولة لا تتعامل معها المملكة، وهنا تشير مصادر”، إلى أن شابة مغربية حصلت على دبلوم في الهندسة المعمارية بتركيا، ووضعت طلبا لدى الوزارة المعنية للحصول على المعادلة وظلت لسنتين تنتظر، دون أن تُمنح لها، وبعدها تزوجت من شاب فلسطيني وسافرا إلى أمريكا واشتغلت هناك بنفس الدبلوم الذي رفضه المغرب.
في هذا السياق، سبق للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن كشف في تقرير له، أن “مقابل 23 ألف طبيب مغربي يمارسون (عملهم) بالمغرب، هناك ما بين 10 آلاف و14 ألف يعملون ببلاد المهجر وخصوصا البلدان الأوروبية”، مضيفا أن “واحدا من كل ثلاث أطباء مغاربة تقريبا يمارس (عمله) بالخارج، رغم الحاجة الملحة للمغرب لكل أطبائه بل للمزيد منهم”.
كما بينت دراسة أنجزها المجلس الوطني للأطباء في فرنسا، أن عدد الأطباء المولودين في المغرب والمزاولين للمهنة في فرنسا يصل إلى 6150، جلّهم يعملون بشكل دائم، فيما سبق لوزير التربية الوطنية والتعليم العالي السابق، سعيد أمزازي، أن أشار إلى أن أكثر من 600 مهندس مغربي يغادرون البلاد كل عام.
وفرضا أن المغرب يريد استقطاب هذه الكفاءات، هل بإمكان الدولة أن تدفع ما يتقاضاه مهندس مغربي مثلا في فرنسا؟ وأين سيقيم بعدما يقرر العودة إلى المغرب للاستقرار رفقة عائلته؟ وأين سيدرس أبناءه خصوصا إذا كانوا قد تابعوا دراستهم الابتدائية في بلد الإقامة، قد لا يطرح المشكل بالنسبة للقاطنين بفرنسا وإسبانيا لأن هناك معاهد فرنسية وإسبانية بالمغرب، لكن كيف سيتم التعامل مع العائدين من هولندا وألمانيا مثلا؟
وهناك مؤشرات أخرى مرتبطة بالاستثمار، خصوصا ما يعترض المستثمرين من أفراد الجالية المغربية بالخارج من عراقيل، وهنا يروي “ميمون مقدم”، وهو مستثمر مغربي في قطاع الدواجن وصناعة “الكاشير” بهولندا وبلجيكا، أنه في 2002 دخل إلى المغرب من أجل الاستثمار في هذا القطاع بمدينة وجدة، وقضى 14 سنة “كانت كلها مشاكل”، وفق تعبيره.
ويحكي مستثمر مغربي معاناته مع بعض الإدارات المغربية بعد افتتاح وحدة صناعية بوجدة، حيث قال: “يتصل بي مسؤولي (أونسا) ليحددوا موعدا معي للحضور بإدارتهم في وجدة، أقتني تذكرة الطائرة وأحجز الفندق في المدينة، وفي اليوم المحدد للموعد، أحضر أنا الأول للإدارة وأنتظر ساعات إلى وقت الغذاء فيُطلب مني أن أعود لاحقا، وبعدها يستمعون لي مدة 5 دقائق، ويطلبون مني العودة بعد أسبوعين”.
وأضاف، أنه بعد مضي أسبوعين لم يتصل به أحد من المسؤولين في “أونسا” فيبادر هو بالاتصال بهم، ويتم إخباره بأن المدير قد تقاعد، مضيفا أن هذا الاستهتار عطل مشاريعه بالمغرب وحتى في هولندا، حيث ظلت أطنان من المواد الأولية التي تستخدم في صناعة “الكاشير” عالقة لأسابيع في الميناء، وهو ما تسبب له في خسارة كبيرة، قبل أن يقرر إنهاء استثماراته في المغرب، ويعود لأوروبا، متسائلا: “لماذا مشاريعي في أوروبا ناجحة وهنا في المغرب لا، رغم أن ميمون الذي استثمر في هولندا هو نفسه الذي استثمر في المغرب”.
أرقام مثيرة
لا يمكن إلقاء اللوم في عدم إشراك الجالية في الحياة السياسية، فقط على الدولة والأحزاب، حيث وكما يقول المثل المغربي الدارج “شوية من الحنا وشوية من رطوبة اليدين”، نجد أن أبناء الجالية أنفسهم غير متحمسين لهذه المشاركة، وهو ما يعكسه الإقبال الضعيف على التصويت على دستور 2011، حيث كشفت مصادر مسؤولة للجريدة، أن عدد المصوتين لم يتجاوز 290 ألف، بالرغم من أن السلطات منحتهم عدة تسهيلات، إذ أنهم غير ملزمين بالتسجيل في اللوائح الانتخابية، أو التوفر على بطاقة الناخب، كما أنه تم وضع صناديق الاقتراع في المساجد والبلديات والقنصليات والسفارات والموانئ.
وعزا خبير في الهجرة ضعف إقبال مغاربة العالم على التصويت على دستور 2011، رغم توفر كل الظروف لذلك، بأن حياتهم مرتبطة بالبلدان التي يقيمون بها، خصوصا الجيل الثالث، لأن الصحة والتعليم والشغل، والتي هي عناصر أساسية يبحث عنها أي مواطن، متوفرة لديهم ببلدان الإقامة، ويهمهم أكثر من سيفوز بالانتخابات في هذه البلدان وليس المغرب.
ويُزكي هذا الطرح، ما توصلت إليه دراسة حديثة لمجلس الجالية بالخارج، بشراكة مع معهد “إبسوس” الدولي، من أن 8% فقط من الشباب المغربي بأوروبا ممن أعمارهم بين 18 و35 سنة، راغبون في المشاركة السياسية بالمغرب، في حين أن 50% يفضلون المشاركة الانتخابية في بلدان الإقامة.
وتشير الدراسة إلى أن 11% فقط من المستجوبين البالغ عددهم 1433 شاب مغربي مقيم بأوروبا، راضون فقط عن الأحزاب السياسية المغربية، و16% عن الخدمات القضائية، و30%عن الإعلام، والجمارك، و31%عن الخدمات القنصلية، و37% عن خدمات النقل الدولي.
كما أن 76% من شباب الجالية بأوروبا لا يرغبون في الاستثمار بالمغرب، وفقا لنفس الدراسة، فيما يرغب 19% في ذلك. مؤشر آخر أوردته هذه الدراسة، هو أن 67% من الشباب المغربي غير راضين عن الإصلاحات التي قام بها المغرب مؤخرا، وهو ما عبر عليه بشكل كبير القاطنون بإسبانيا بنسبة 18%، وألمانيا بنسبة 12%.
جيل ثالث ورابع أوروبيون أكثر
لعل من آثار السياسات الحكومية المتعاقبة تجاه المهاجرين المغاربة، أن الجيل الجديد من الجالية لم يعد يربطهم بوطنهم إلا الأصول والجذور، وهو الرأي الذي عبر عنه إلى حدما، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، عبد الله بوصوف، حيث قال إن الشباب من الجيل الثالث والرابع هم أحد السمات الأساسية للتطورات التي عرفتها الجالية على اعتبار أنها الآن أصبحت جالية شابة، مبرزا أن هؤلاء الشباب الذين ولدوا وترعرعوا بالخارج، خصوصا في أوروبا، أصبح غالبتيهم مواطنين أوروبيين من أصول مغربية.
ومن سمات هؤلاء الشباب، يضيف بوصوف، ضمن تصريح للجريدة، أنهم “أصبحوا مزدوجي الانتماء، وفي نفس الوقت يفتخرون باندماجهم في بلدان الإقامة، ومع ذلك يحافظون على انتمائهم إلى بلدهم الأصلي الذي هو المغرب. كما أن لهم ارتباطا وثيقا بالوطن، وهو ما عبرت عنه الدراسة التي أنجزها المجلس، حيث أن أكثر من 90% يزورون المغرب بصفة مستمرة و61% يزورونه مرة في السنة، ولهم ارتباطات عائلية قوية تدل على ذلك التحويلات التي يقومون بها تجاه المغرب”.
وأشار إلى أن هذه الفئة تتابع كل ما يقع في المغرب، وفي بعض الأحيان قد تصلها المعلومات ناقصة، على اعتبار أن اللغة المستعملة للتواصل معها من المغرب تعتمد العربية والفرنسية، في حين أن الشباب المغربي أحد سماته الأساسية، هو أنه شباب مُعولم، وبالتالي يجب مخاطبتهم باللغات العالمية كالهولندية والألمانية والإيطالية والإسبانية ولغات أخرى.
ولفت المتحدث، إلى أن الشباب المغربي بالمهجر، “شباب متعلم أنتج مجموعة من النخب السياسية والفنية والثقافية والرياضية”، مشيرا إلى أنه “في الفريق الوطني يشكل أبناء الجالية 80% من اللاعبين، وهم لاعبون ممارسون في أندية أوروبية كبيرة، وما يدل على ارتباطهم الوثيق بالوطن أنه اختاروا اللعب للوطن على حساب اختيارات أخرى”.
وحوالي 111 دولة في العالم خولت لرعاياها في الخارج، حق التصويت في الانتخابات، و16 دولة فقط تمنح لهم إمكانية التمثيلية في الهيئات التشريعية أو النيابية، من بينها، السنغال، والجزائر، والرأس الأخضر، وكولومبيا، وكرواتيا، والإكواتور، وفرنسا، وإيطاليا، والموزمبيق، والبرتغال.
ويُمثّل الجالية الجزائرية في البرلمان، 8 نواب من أصل 389 مقعدا، وفي إيطاليا 11 مقعدا، نفس الشيء بفرنسا، حيث نجد 11 عضوا في مجلس الشيوخ يمثلون مجموع الفرنسيين بالخارج، وانتقلت التمثيلية سنة 2012 إلى 12 في مجلس الشيوخ و11 نائبا في مجلس النواب.
وتعليقا على هذه المعطيات، قال مصدر رفيع للجريدة ، ليس هناك نموذج في التجارب الدولية يحتذى به”، مبرزا أن «كل دولة تعمل بما تقتضيه مصلحتها ومصلحة جاليتها، إلى درجة أن هناك دولا تلجأ للتعيين بدلا من الانتخاب”، وفق تعبيره.
و كان من الأجدر بالمغرب أن يكون في صدارة هذه الدول، مضيفا أن المملكة في بعض جوانب الهجرة متقدمة وفي الشق السياسي متأخرة، مضيفا بالقول: “الملك رائد الهجرة في إفريقيا، وتحظى هذه القضية باهتمام كبير على الصعيد الإفريقي، بينما نقلص من أهميتها حكوميا وداخليا”.
حلم مؤجل
يبقى طرح سؤال المشاركة السياسية لمغاربة العالم في الاستحقاقات الانتخابية لبلدهم الأصلي ومؤسساته المنتخبة، موضوعا لايهم فقط فئة هامة من المغاربة، والتي وإن كانت لا تسكن الوطن لكن الوطن يسكنها ويضرب جذوره في قلب كل فرد منها عبر جميع أرجاء المعمور، بل هو موضوع هام يمكن اعتباره أساسيا في النقاش العمومي الوطني بالنظر للدور الهام للجالية في بلد مثل المغرب بموقعه الاستراتيجي القريب من القارة العجوز التي تعتبر أول وجهة للهجرة في العالم.
إن الجالية المغربية وبالإضافة إلى دورها الاقتصادي الكبير عبر تحويلاتها الهامة من العملة الصعبة، يبقى أيضا من أدوارها المنتظرة بوطنها الأصلي؛ الاستفادة من مختلف الطاقات التي تزخر بها الكتلة البشرية لمغاربة العالم في مختلف مجالات العلوم والطب والرياضة والفنون والخبرات المتنوعة، وما ذلك بعزيز ولا صعب على كل مغاربة العالم، وهم يُعَدُّون بمئات الآلاف من الكفاءات والأطر الذين يؤدون أدوارا هامة في بلدان الإقامة بما فيها أيضا المشاركة السياسية في بلدان المهجر، والتي تميزت بالظهور الملفت للانتباه لمغاربة العالم في عضوية البرلمانات الأوروبية وعمادة المدن بل والاستوزار في دول كثيرة بالقارة العجوز ذات الديمقراطية العريقة…
فهل سيفتح الوطن الأم أحضانه للكفاءات التدبيرية والسياسية من مغاربة العالم؟ أم أن ذلك الحلم سيبقى مؤجلا إلى مرحلة أخرى من مراحل التطور الديمقراطي التدريجي بالمغرب؟ أم أن الاعتراف الدستوري السامي بالمشاركة السياسية لمغاربة العالم سيظل مكسبا دستوريا في انتظار التجسيد الفعلي على أرض الواقع؟