الجزائر تواجه نزيف تسريبات أسرار الدولة بعقوبات تصل إلى السجن المؤبد
تضمّن قانون العقوبات الجديد في الجزائر عقوبات مغلظة تصل إلى حد السجن المؤبد وإلى ثلاثين عاما في حق من يثبت ضلوعهم في تسريب المعلومات السرية المتعلقة بالأمن والاقتصاد والمصالح الإستراتيجية لنشرها في مواقع التواصل الاجتماعي، وهي الخطوة التي تحاول من خلالها السلطة وقف نزيف تداول بيانات تندرج في خانة السرية، من قبَل مدونين وناشطين محسوبين على المعارضة في الخارج.
وكشف العدد الأخير من الجريدة الرسمية الجزائرية عن التعديلات الجديدة التي أُجريت على قانون العقوبات، لتكون بذلك قد دخلت حيز التنفيذ، بعد مرورها على الحكومة والبرلمان، وأثارت سجالا سياسيا وحقوقيا من قبَل بعض المحامين والمختصين في الشؤون القانونية.
وجاءت التعديلات متشددة وصارمة جدا تجاه ما يتعلق بمسألة الأمن القومي، حيث أوردت عقوبات مغلظة تطال المتورطين في قضايا تسريب المعلومات والبيانات السرية المتعلقة بالأمن والاقتصاد ومصالح البلد الإستراتيجية عبر منصات التواصل الاجتماعي التي تحولت منذ سنوات إلى فضاء لتداول مختلف الأسرار، بما فيها الوثائق السرية لمؤسسات الدولة.
السلطات الجزائرية تحاول وقف تداول بيانات تندرج في خانة السرية من قِبَل محسوبين على المعارضة في الخارج
وكشفت روابط، تجمع بين مدونين وناشطين سياسيين معارضين يقيمون في الخارج من جهة ومصادر لهم متواجدة في عدد من المؤسسات ومفاصل الدولة من جهة أخرى، عما يصفه هؤلاء بانحراف وفساد السلطة، وهو ما تعتبره الأخيرة خيانة تستهدف الإضرار بالمصالح الوطنية.
وتحولت شبكات التواصل الاجتماعي إلى فضاء لتداول مختلف الملفات والمعلومات، حيث تحظى صفحات وقنوات في الشبكات المذكورة بمتابعة قياسية من طرف الجمهور الذي بات يلجأ إلى هؤلاء الناشطين للاطلاع على الأوضاع المختلفة، بعد غلق أبواب وسائل الإعلام التقليدية أمام النقاش الحر وتبادل الآراء والأفكار.
وتستهدف العقوبات الرادعة وضع حد لنزيف داخلي طال مختلف المؤسسات خلال السنوات الأخيرة، فحتى بيانات الأمن والدفاع والاقتصاد والمؤسسات السيادية صارت متاحة على الوسائط المذكورة، وهو ما صنف البلاد في خانة الدولة بلا أسرار، قياسا بكم ونوعية المعلومات التي تنشر باستمرار، ما يوحي بدور مصادر محلية في تزويد الناشطين بما يقع تحت أيديهم.
وتراوحت العقوبات الجديدة بين السجن المؤبد والسجن ثلاثين عاما، لكل من “يسرب معلومات أو وثائق سرية تتعلق بالأمن الوطني أو الدفاع أو الاقتصاد الوطني، عبر وسائل التواصل الاجتماعي للإضرار بمصالح الدولة أو باستقرار مؤسساتها”.
واعتبرت التعديلات المذكورة “كل فعل يستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية واستقرار المؤسسات وسيرها العادي، فعلا إرهابيا وتخريبيا، وتطبق عقوبة سجن تتراوح بين خمس وعشر سنوات وغرامة مالية تتراوح بين 3 آلاف و10 آلاف دولار لكل من يساهم وقت السلم في مشروع لإضعاف الروح المعنوية للجيش أو الأسلاك الأمنية، بغرض الإضرار بالدفاع والأمن الوطنيين”.
العقوبات تتراوح بين السجن المؤبد والسجن 30 عاما، لكل من “يسرب معلومات أو وثائق سرية تتعلق بالأمن الوطني أو الدفاع أو الاقتصاد الوطني”
وترددت هذه التهم كثيرا في أروقة القضاء الجزائري خلال السنوات الأخيرة، في إطار إعادة الاستقرار إلى ربوع البلاد وإنهاء حالة الفوضى، وهو ما اعتبرته هيئات حقوقية محلية ودولية نوعا من القمع السياسي وملاحقة الناشطين بسبب أفكارهم السياسية ومعارضتهم للسلطة.
وأوصت منظمات حقوقية دولية السلطات الجزائرية بمراجعة آليات التعاطي التشريعي مع ناشطي ووجوه الحراك الشعبي، ودعت في أكثر من مناسبة إلى إطلاق سراح الموقوفين على خلفية الاحتجاجات، وفسح المجال أمام الحريات السياسية والإعلامية.
ودعا ناشطون سياسيون وقادة حزبيون، على غرار زعيمة حزب العمال لويزة حنون ورئيسة حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي المحامية والحقوقية زبيدة عسول، إلى مراجعة ما بات يعرف بالبند 87 مكرر المخصص لمعالجة قضايا الإرهاب، بسبب توسيعها إلى نشاطات ذات صلة بالعمل السياسي، وهي الدعوة التي تماهت مع أصوات حقوقية في الداخل والخارج.
كما تضمنت عقوبة ثلاث سنوات سجنا نافذا “في حق كل من يثبت عليه تمويل وتموين المسجلين في لوائح الأشخاص والكيانات المصنفة كتنظيمات إرهابية”، ويقصد بذلك المساعدات المالية التي يوجهها الأفراد إلى ناشطين أو منظمات مهاجرة، تم تصنيفهم منذ عام 2021 كأشخاص إرهابيين أو كيانات إرهابية.
وأورد قانون العقوبات الجديد إجراءات أخرى تتعلق بتغليظ عقوبة الاعتداء على الموظف العمومي أثناء تأدية مهامه، فضلا عن القضاة والضباط العموميين، حيث تصل إلى خمس سنوات سجنا، بينما تكون أكثر ردعا وتصل إلى عشر سنوات إذا تعلقت بالاعتداء على المعلم أو الأستاذ أو الإمام، خاصة إذا أدت إلى آثار عنف أو جرح أو إعاقة. كما حددت التعديلات إطار عقوبة العمل للصالح العام، والرقابة الإلكترونية بواسطة السوار الإلكتروني.