القدرات العسكرية والموقع الجيوستراتيجي يجعلان المغرب حليفا مهما للولايات المتحدة في أفريقيا

تحرص الولايات المتحدة على تشبيك علاقاتها مع المغرب، مع اتساع نطاق اهتمامها بأفريقيا، وفي ظل إدراكها للثقل الجيوسياسي الذي تحوزه المملكة في القارة السمراء.

وكشف معهد شيلبي كولوم ديفيس للأمن القومي والسياسة الخارجية التابع لمؤسسة “هيرتايدج الأميركية”، في تقرير له أن المغرب يُعتبر “محورا أساسيا للجهود الأمنية الأميركية في شمال وغرب أفريقيا”، بالنظر إلى العديد من القدرات التي تتوفر عليها الرباط، أولاها القدرات العسكرية القوية، والنجاحات الأمنية التي راكمتها لاسيما في مكافحة الإرهاب.

وأشار التقرير، الذي حمل عنوان “إعادة ضبط سياسة الولايات المتحدة في غرب أفريقيا”، إلى تزايد متانة العلاقات بين الطرفين خلال فترة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بعد الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء.

وركز التقرير على الموقع الإستراتيجي الهام للمغرب على طول المحيط الأطلسي، وقوة العلاقات التي تجمع بين البلدين، والتي تترجمها العديد من الأنشطة المشتركة، مثل تدريبات الأسد الأفريقي السنوية التي تُعد “أكبر تدريبات القيادة الأميركية في أفريقيا”، وبالتالي فإن هذه التدريبات تُعتبر “شهادة على الشراكة الأمنية الدائمة بين البلدين”.

ولفت إلى أن الشراكة بين الرباط وواشنطن من الممكن أن تتعزز أكثر، في حالة قررت الولايات المتحدة الاستفادة من المزايا التي يتمتع بها المغرب، “مثل احتمال استضافة أصول أفريكوم التي قدمها مؤخرا السيناتور دان سوليفان”، في إشارة إلى إمكانية نقل الولايات المتحدة البعض من تجهيزات قيادة “أفريكوم” العسكرية إلى المملكة المغربية، مثلما هو الحال في إيطاليا وإسبانيا.

وحث الإدارة الأميركية المقبلة على العمل أكثر من أجل تعزيز التقارب مع المملكة المغربية، وبالأخص البناء على ما وصفه بـ”الثقة التي نشأت خلال رئاسة ترامب للتفاوض على نطاق أوسع من الشراكة مع المغرب بما يتماشى مع الأهداف الإقليمية لكلا البلدين”.

وشدد محمد بودن، الخبير في الشؤون الدولية المعاصرة، على أن المغرب يعتبر حليفا موثوقا أساسيا للولايات المتحدة خارج حلف شمال الأطلسي، والشريك الوحيد في أفريقيا الذي يتمتع باتفاقية التبادل الحر معها، إلى جانب أنه مخاطب رئيسي لديها بشأن قضايا السلم والأمن في أفريقيا والشرق الأوسط، وهذا الرصيد التاريخي والإستراتيجي وركائزه الصلبة تسمح بتجديد مختلف الروابط رفيعة المستوى، لاسيما الشراكة الاقتصادية والحوار الإستراتيجي والتعاون الدفاعي الذي تمثل مناورات الأسد الأفريقي عنوانا بارزا له.

وقال بودن في تصريح لـه إن العلاقات المغربية – الأميركية تستفيد من الزخم التاريخي بحيث تم، منذ سنة 2020، اتخاذ سلسلة من الخطوات والتبادلات لتعزيز الاتجاه المستقبلي للعلاقات، موردا أنه إلى جانب الموقف الأميركي الثابت والصريح بشأن الوحدة الترابية للمملكة المغربية، وزيارة الوفود الأميركية إلى الصحراء المغربية، وهو ما يمثل دافعا كبيرا لاستثمار مختلف فرص العمل بين البلدين فإن الإشادة المستمرة لأميركا بالأجندة التنموية للعاهل المغربي الملك محمد السادس، والدور المغربي الفاعل في جهود مكافحة الإرهاب، يعكسان الأهمية الإستراتيجية الواضحة للمملكة في المنظور الأميركي تجاه أفريقيا الأطلسية والفضاء الأورو – متوسطي.

واحتفت واشنطن بداية مايو الجاري 2024 بالتحالف الإستراتيجي والشراكة متعددة الأبعاد بين المغرب والولايات المتحدة، وسلط السفير الأميركي بالمغرب بونيت تالوار الضوء على الشراكة المتينة ومتعددة الأبعاد بين بلاده والمملكة، مسجلا أن المغرب يعد البلد الأفريقي الوحيد الذي تربطه اتفاقية للتبادل الحر مع الولايات المتحدة.

وبمناسبة الإعلان عن إدراج المفوضية الأميركية بطنجة ضمن القائمة السنوية للصندوق الوطني للحفاظ على التاريخ (ناشونال تراست فور هيستوريك بريزيرفيشن) للمواقع التاريخية الأميركية الـ11 المعرضة للخطر، أبرز ريتشارد فيرما، مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الإدارة والموارد، أن المفوضية بطنجة تعد رمزا قويا للروابط العريقة بين الولايات المتحدة والمغرب.

من جانبه، استعرض سفير المغرب لدى الولايات المتحدة يوسف العمراني التزام المملكة بالحفاظ على هذا الموقع الرمزي، الذي يعكس “العلاقة الفريدة والعميقة والتاريخية” بين البلدين، مؤكدا أنه “إلى حدود اليوم، نواصل تقاسم أطول معاهدة صداقة دون انقطاع مع أميركا، وما فتئ تحالفنا يتوطد بشكل أقوى، بفضل القيادة والالتزام الدائم بالشراكة الإستراتيجية، الذي يعبر عنه، وعلى أعلى مستوى، الملك محمد السادس”.

وسجل العمراني أن المفوضية الأميركية بطنجة تمثل قيم الانفتاح والتعايش والحوار التي يتقاسمها البلدان، مضيفا أن هذا الموقع، وباعتباره المعلمة التاريخية الوطنية الأميركية الوحيدة الموجودة في بلد أجنبي، يعد “مؤسسة لا تعكس فقط عمق تاريخنا الغني، لكنها تواصل كذلك الإسهام بشكل فاعل في المشهد الثقافي النابض بالحياة في المدينة العتيقة لطنجة”.

وفي كلمة خلال حفل بهذه المناسبة احتضنه مقر وزارة الخارجية الأميركية، أبرز ريتشارد فيرما، مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الإدارة والموارد، أن المفوضية الأميركية بطنجة تعد رمزا قويا للروابط العريقة بين الولايات المتحدة والمغرب.

وتطرق المسؤول الأميركي إلى أهمية الحفاظ على هذا الموقع التاريخي، مؤكدا أن إدراج المفوضية الأميركية بطنجة ضمن لائحة المواقع التاريخية الأكثر عرضة للخطر، سيمكن من تعبئة التمويل اللازم للحفاظ عليها، بما يخدم الأجيال القادمة من الأميركيين والمغاربة، والزوار من العالم بأسره.

وسجلت كارول كويلين، الرئيسة والمديرة العامة للصندوق الوطني للحفاظ على التراث التاريخي، وهي مؤسسة أميركية تهتم بحماية التراث، أن الموقع يعكس العلاقات العريقة القائمة بين الولايات المتحدة والمغرب.

وبعد أداء السيناتور كارول موزلي براون القسم كرئيسة لمجلس إدارة هذه المؤسسة الأميركية، أعلنت افتتاح أول مكتب للمؤسسة الأميركية لتنمية أفريقيا في المغرب، وذلك في إطار سياسة القرب من أفريقيا لتتبع المشاريع التنموية وسهولة المتابعة، مؤكدة أن الدافع الرئيسي هو تقديرها للإصلاحات الرائدة التي أطلقها العاهل المغربي الملك محمد السادس، وتحول المغرب إلى نموذج للتنمية في أفريقيا وبوابة إستراتيجية للقارة، إضافة إلى حبها العميق للمملكة باعتبارها أول بلد في التاريخ يعترف باستقلال الولايات المتحدة، وهذا من شأنه تعزيز العلاقات الأميركية – المغربية بمختلف أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والاقتصادية.