لجأت قوى سياسية وحزبية جزائرية إلى تأجيل الإفصاح عن موقفها من الانتخابات الرئاسية المقررة بعد أربعة أشهر، على أمل اتضاح الرؤية بشأن مرشح السلطة، من أجل ركوب قارب التأييد، غير أن تعمّد الأخيرة انتهاج أسلوب التشويق جعل تلك القوى والأحزاب في وضع حرج أمام الرأي العام، وهو ما يفاقم حالة ارتباكها السياسي، خاصة وأن الموعد الانتخابي المذكور يعتبر اختبارا جادا لها.
واكتفى الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عبدالكريم بن مبارك، في ظهور له أمام أنصاره ومؤيديه بمدينة تمنراست في أقصى جنوب البلاد، بالتأكيد على استعداد حزبه لخوض غمار الانتخابات الرئاسية، وعزْم القيادة على إبقائه القوة السياسية الأولى في البلاد، لكنه لم يفصح عن موقفه من مسألة المرشح.
وهو الموقف نفسه الذي اتخذته قوى سياسية وحزبية موالية للسلطة، حيث لجأت إلى إرجاء الكشف عن مرشحها أو طريقة خوضها الانتخابات، على غرار حركة البناء الوطني وجبهة الجزائر الجديدة والتجمع الوطني الديمقراطي وغيرها، الأمر الذي يوحي بأن تعمد السلطة تأخير الكشف عن مرشحها أربك مكونات معسكر الموالاة، ولو أن كل المؤشرات تدل على طرح الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون، من أجل التجديد له لولاية رئاسية ثانية.
يُنتظر أن تُجرى تعديلات جديدة على قانون الانتخابات في البلاد، الأمر الذي سيثير فضول المتابعين الذين سيتشوقون إلى معرفة ما ستطرحه السلطة
وأكد بن مبارك أن تأييد الحزب لبرنامج الرئيس تبون نابع من ” قناعة يعبر عنها الحزب بصوت مسموع، وليس تملقا أو مجاملة لأغراض ضيقة”، وهو ما يعتبر خطوة لتصحيح وضعية الحزب تجاه السلطة، بعدما اختار في الاستحقاق الرئاسي السابق دعم المرشح عزالدين ميهوبي، بإيعاز من قوة ضاغطة في السلطة، قبل أن تنقلب الموازين في اللحظات الأخيرة لصالح تبون ويصبح الحزب في موقف حرج.
ومنذ انتخابه على رأس الحزب، في المؤتمر الأخير، عمد بن مبارك إلى التقرب من السلطة ومسح الصورة الرمادية التي رسمت عنه، من أجل البقاء كقاطرة لمعسكر الموالاة، كما جرت العادة خلال العقدين الأخيرين مع الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، وهي المهمة غير السهلة في ظل وجود منافسة قوية عليها، حيث تحاول حركة البناء الوطني (إخوان) الانفراد بالجبهة الموالية.
واكتفى قادة العديد من الأحزاب، بما فيها البعيدة عن السلطة على غرار حزب العمال وجبهة القوى الاشتراكية، فضلا عن التجمع الوطني الديمقراطي وحركة مجتمع السلم وغيرهما، بالتعبير عن الاستعداد لخوض المعترك الانتخابي، دون الكشف عن الطريقة.
وما عدا بعض الوجوه السياسية الموصوفة بـ”أرانب السباق”، التي أعلنت عن ترشحها للموعد الانتخابي، كرئيسة حزب التغيير والرقي المحامية والحقوقية زبيدة عسول وبلقاسم ساحلي المرشح عن تحالف حزبي مجهري ورئيس الحزب الجمهوري طارق زغدود، فإن حالة الترقب لا تزال مستمرة حول هوية المرشحين الوازنين الذين بإمكانهم إضفاء حالة من المنافسة والسجال السياسي في البلاد.
ولئن ارتبطت المواعيد الانتخابية السابقة بتحدي المشاركة الشعبية، ما خلق أزمة شرعية للمؤسسات المستجدة رغم مشروعية الاستحقاقات، فإن التحدي القادم يتجه إلى أزمة مرشحين، في ظل التردد والانتظار الذي يطبع الساحة الجزائرية، فحتى كبرى أحزاب الموالاة لم تستقر بعد على موقف نهائي، في حين لا يريد رموز المعارضة المجازفة في موعد يرونه محسوما مسبقا لصالح السلطة.
وفي مدينة مستغانم غرب البلاد اكتفى كذلك رئيس حركة البناء الوطني عبدالقادر بن قرينة بخطابه المثير، وذلك بوضع شروط معينة لمرشح الحركة سواء كان من داخلها أو في إطار تحالف ما، لكنه لم يفصح عن شكل المشاركة أو هوية المرشح، الأمر الذي يكرس غياب الجدية السياسية في المشهد السياسي المحلي؛ فرغم فاصل الأشهر الأربعة المتبقية إلا أنه يبقى دون سقف النقاش السياسي المفترض في حالة الانتخابات الرئاسية.
ويعد زعيم حزب جيل جديد جيلالي سفيان السياسي الوحيد إلى حد الآن الذي انتقد الوضع القائم، لاسيما ما تعلق منه بوضعية الحريات السياسية والإعلامية والمناخ غير الملائم، ودعا عبدالمجيد تبون إلى عدم الترشح ثانية، معتبرا “الولاية الرئاسية الثانية عديمة الجدوى، بعد تجربة الخمس سنوات التي قضاها في قصر المرادية، على مستوى الحقوق والحريات، ولو أن الجبهة الاقتصادية سجلت مؤشرات إيجابية”.
وينتظر أن تُجرى تعديلات جديدة على قانون الانتخابات في البلاد، الأمر الذي سيثير فضول المتابعين الذين سيتشوقون إلى معرفة ما ستطرحه السلطة، بعد تدابير القانون السابق الذي كان محل انتقاد في ما يتعلق بما وصف بـ”إقصاء” مزدوجي الجنسية -بالنسبة إلى المرشح أو زوجته أو والديه أو أحدهما- من الترشح، وكمية استمارات التزكية المطلوبة التي تقطع الطريق على الأحزاب والشخصيات قليلة الانتشار، ولا تسمح إلا للمدعومين من طرف الإدارة أو الأحزاب القوية بتقديم مرشح عنها.