الجزائر تعدل موقفها بعد الانتقادات: لقاء تونس ليس موجها ضد أحد
جددت الجزائر رسائل الطمأنة للأطراف الممتعضة من دواعي اللقاء الثلاثي الذي عقد في تونس الاثنين الماضي بالتشديد على أنه لا يراد منه إقصاء أيّ طرف في المنطقة، في إشارة إلى المغرب ولا أن يكون بديلا للاتحاد المغاربي، وذلك في أعقاب تصاعد اللغط والتشكيك في نوايا الجزائر من وراء الدعوة إلى الاجتماع والتخطيط لتشكيل تكتل إقليمي جديد.
وأكد وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف أن الاجتماع التشاوري الأول الذي جمع مؤخرا بتونس قادة الجزائر وتونس وليبيا “كان ناجحا، وهو ليس وليد ظروف خاصة، كما أنه ليس بديلا لاتحاد المغرب العربي”، وذلك في تلميح لما يتردد في بعض الدوائر المغربية، على أن الجزائر تستهدف عزل الرباط من خلال خلق بديل للإطار التاريخي والطبيعي لدول المنطقة الخمس.
وصرح عطاف لوسائل إعلام محلية، بالقول إن “اللقاء التشاوري بين القادة الثلاثة بتونس ليس موجها ضد أيّ طرف، وإن اتحاد المغرب العربي يظل مشروعا وهدفا تاريخيا، وإن باب المشاورات يبقى مفتوحا أمام الجميع إذا توفرت النية والإرادة السياسية”.
◄ الوضع في منطقة الساحل والهجرة السرية والمخاطر الأمنية ملفات كانت حاضرة بقوة في قمة الرؤساء الثلاثة
وإن لم يفصح عن الطرف أو الأطراف المعنية بتصريحه، فإن رسالة أحمد عطاف، كانت وجهتها واضحة، وموجهة للمغرب تحديدا بعد اللغط المثار في الرباط، واعتبار الخطوة الجزائرية هي حلقة جديدة في مسلسل تصفية الحسابات السياسية، من خلال جر دول في المنطقة إلى مغامرة تستهدف إيجاد بديل للإطار التاريخي والتقليدي لدول المنطقة.
ويحتاج المسؤولون الجزائريون إلى الحديث بلغة ثابتة وليس بلغة متذبذبة، فماذا يعني أن تسعى الجزائر بكل ما أوتيت من قوة لعقد قمة وتتحدث عن موت الاتحاد المغاربي ثم تعود لتقول أنا لا أقصد أن هدف القمة هو محاولة استهداف المغرب.
ومن الواضح أن ردة الفعل السياسية والإعلامية الواسعة ليس في المغرب فقط بل في الإقليم وحتى عربيا قد فاجأت النظام في الجزائر، الذي كان ينظر إلى مبادرته على أنها ستكون ناجحة، وأنه سيسجل نقطة على حساب المغرب يرد فيها على النقاط التي سجلتها الرباط من خلال مبادرتها الأطلسية التي قوبلت بتفاعل من دول الساحل والصحراء.
وجاءت المفاجأة الأولى من ليبيا، التي اعتقدت الجزائر أنها ضعيفة ومنقسمة ما يجعل التحكم فيها سهلا وجرها وراء الموقف الجزائري، لكن رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي خرج من لقاء تونس لطمأنة المغرب بأن طرابلس لن تكون في أيّ حلف ضده كما أنها تتمسك بالاتحاد المغاربي.
ويعتقد أن تونس تمتلك نفس الموقف الليبي، وأنها تريثت إلى حين إيضاح الجزائر موقفها من الاجتماع، وأن تصريحات عطاف تحمل في جانب منها تبرئة لتونس من أيّ دور في فكرة “التكتل الجديد” الذي كان النظام الجزائري يخطط له من وراء فكرة اللقاء التشاوري.
وتعتبر الجزائر الطرف المعرقل لاجتماعات الاتحاد المغاربي من خلال رفض دعوات المغرب لفتح الحدود وعرقلة مشاركة العاهل المغربي الملك محمد السادس في القمة العربية التي عقدت العام الماضي في الجزائر، وكذلك إعلانها في صيف 2021 القطيعة الشاملة مع الرباط.
لكن الرئيس الجزائري وبدلا من اتخاذ خطوة لتبريد الخلافات مع المغرب وإحياء الاتحاد المغاربي يقول إن “شمال أفريقيا والمغرب العربي تكاد تكون المنطقة الوحيدة في العالم التي تفتقر إلى آلية للتشاور المنتظم والدوري بين دول هذا الفضاء”، و”يصر في كل مناسبة على استحداث آلية لسد هذا الفراغ وإسماع صوت المنطقة في كافة المحافل الدولية والجهوية”.
وكرر رئيس الدبلوماسية الجزائرية نفس الخطاب الذي أدلى به الرئيس تبون، في آخر ظهور إعلامي له مع وسائل إعلام محلية، بكون “المبادرة تستهدف ملء الفراغ وإيجاد آلية تشاور رفيع في المنطقة، وأنها لن تكون موجهة ضد أيّ طرف من الأطراف، أو محاولة لخلق بديل للاتحاد المغاربي”.
وكانت الخطوة الأولى للتحرك الجزائري قد تجسدت على هامش قمة الغاز التي احتضنتها الجزائر مطلع شهر مارس الماضي، حيث التقى قادة الجزائر وتونس وليبيا، بينما اعتذر الرئيس الموريتاني، الذي يبدو أنه تلافى الدخول في التأويلات التي تلف المسألة، خاصة وأن نواكشوط تحتفظ بعلاقات متوازنة بين الجزائر والمغرب، ولم تشأ الضلوع في قضية خلافية.
وعبّر رئيس الدبلوماسية الجزائرية عن “أسفه لكون منطقة المغرب العربي تتضمن ملفات تصنع الحدث في العالم، على غرار الملف الليبي ومنطقة الساحل الصحراوي، غير أن هذه الملفات تخوض فيها كل الدول إلا دول المنطقة التي تعتبر معنية بهذه الملفات بالدرجة الأولى، وهو واقع مرير”.
ولفت إلى أن بلاده “بصفتها عضوا غير دائم بمجلس الأمن الأممي، في حاجة إلى التعرف على آراء الأشقاء في الكثير من الملفات المطروحة على مستوى مجلس الأمن، لاسيما تلك التي تعني مباشرة دول المغرب العربي، وأن التنسيق مع الدول الشقيقة في المنطقة أولى من غيرها، لكون الجزائر ترى فيهم أبناء العائلة الواحدة”.
◄ على الجزائر الحديث بلغة ثابتة وليس متذبذبة، فماذا يعني أن تتحدث عن موت الاتحاد المغاربي ثم تعود لتقول أنا لا أقصد
وتابع “الاجتماع التشاوري الأول بين قادة الجزائر وتونس وليبيا تمخض عن نتائج إيجابية، لاسيما في الجانب السياسي، حيث كان النقاش بين قادة الدول الشقيقة الثلاث عائليا ومفتوحا واتسم بالصراحة، وهو ما يعكسه مضمون البيان الختامي الذي توج بأربعة ملفات أساسية تمس حياة مواطني هذه البلدان، وهي تنمية المناطق الحدودية، والطاقة، والأمن الغذائي وتذليل مشاكل التبادل التجاري، وهي من أولويات العمل المشترك بين الدول الثلاث قبل القمة القادمة التي ستعقد بطرابلس بعد ثلاثة أشهر”.
وكان الوضع في منطقة الساحل والهجرة السرية والمخاطر الأمنية حاضرة بقوة في قمة الرؤساء الثلاثة، ولذلك تم تخصيصه بإحدى فقرات البيان الختامي الذي أعلن عن اتفاقهم على خطوات سيتم اتخاذها قريبا، وهو ما يوحي بقلق هؤلاء من التحديات التي تواجه بلدانهم.
وأوضح عطاف أن الجزائر “ليست مكتوفة الأيدي أمام ما يجري في هذه المنطقة وهي تقوم بواجبها وتضطلع بكامل مسؤولياتها لضمان أمن المنطقة واستقرارها”.