تتجه فرنسا نحو تجاوز تداعيات الأزمة الصامتة مع المغرب التي استمرت عدة أشهر، بالإضافة إلى تصحيح مسار العلاقات، عبر تعميق التعاون بين البلدين في المجاليْن الأمني والزراعي.
والإثنين في الرباط ناقش وزير الداخلية المغربي عبدالوافي لفتيت مع وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان سبل مواصلة تعزيز التعاون، حيث أورد بلاغ لوزارة الداخلية أن الوزيرين استعرضا شراكة إستراتيجية استثنائية قائمة على الصداقة واحترام المصالح المشتركة، منوهين بالأساس المتين الذي تمثله مكونات الأمن والهجرة في هذه العلاقة الثنائية، العميقة ومتعددة الأبعاد، فضلا عن كون “هذه المكونات تحمل حيوية تمكن من الحفاظ على دينامية من شأنها أن تتجاوز، بشكل بناء، مختلف الظروف”.
وشكر جيرالد دارمانان في تغريدة له على موقع إكس نظيره المغربي عبدالوافي لفتيت “على ما قدمه من خدمات وعلى التعاون بين بلدينا في مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب والأمن المدني وتقديم المساعدة لبلادنا في الألعاب الأولمبية بباريس”.
وأشاد وزير الداخلية الفرنسي بـ”المقاربة المغربية في مواجهة التحديات الأمنية وتلك المرتبطة بالهجرة”، مضيفا أن “هذه الأخيرة تشكل عاملا للسلام والاستقرار الإقليميين، ما يجعل المملكة حصنا منيعا أمام مختلف التهديدات وشريكا موثوقا وذا مصداقية على الساحة الدولية، وخاصة لدى بلدان جنوب المتوسط”، وأعرب عن شكره للمصالح الأمنية المغربية على دعمها الميداني واللوجستي في إطار الاستعدادات للألعاب الأولمبية باريس 2024.
من جانبه تحدث عبدالوافي لفتيت عن “المقاربة الأمنية الملائمة والشاملة التي ينتهجها المغرب لمواجهة الرهانات، وخاصة التهديدات الإرهابية؛ وهي إستراتيجية شاملة تجمع بين العمليات الميدانية وتبادل المعلومات الاستخباراتية والعمليات الوقائية، لاسيما مكافحة التطرف، وجوانب إعادة الإدماج”، مذكرا بـ”المقاربة الشمولية والإنسانية التي تعتمدها المملكة في مجال حوكمة الهجرة، تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية”.
وأكد مراقبون أن حضور المغرب على المستوى الأمني في تنظيم فرنسا للألعاب الأولمبية، يعود إلى كونه من الدول التي لديها خبرة في المجال الأمني، وستكون فرنسا في حاجة إلى التجربة المغربية في هذا الصدد.
واعتبر هشام معتضد، الأكاديمي والخبير في العلاقات الخارجية والإستراتيجية، أن “زيارة المسؤولين الفرنسيين إلى المغرب تعكس سعي فرنسا القوي إلى تصحيح مسار علاقاتها مع المغرب والعودة إلى السوق المغربية في المجالات الزراعية والأمنية والعسكرية ومحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة، مع بناء إستراتيجية جديدة تتماشى مع المتغيرات التي تشهدها الساحة المغربية على عدة مستويات، وتؤشر على المسار الذي قطعته فرنسا في تجاوز النقاط الخلافية مع المملكة وعلى رأسها ملف الصحراء”.
وأضاف أن “التعاون والتنسيق الأمني مع المغرب يعززان مستقبل العلاقات المغربية – الفرنسية، والذي بدوره مرتبط بتغيير باريس مقاربتها السياسية بخصوص ملف الصحراء بشكل خاص، وتجاوز طريقتها التقليدية في تدبير علاقتها السياسية والدبلوماسية والاقتصادية مع المغرب”، مشيرا إلى أن “فرنسا تحتاج إلى المغرب كشريك له دوره ووزنه الأمني الذي يحظى بثقة دولية وأيضا النموذج الديني المتميز في المنطقة، إضافة إلى جالية مغربية مهمة وفاعلة على كافة المستويات”.
وقبل زيارة وزير الداخلية الفرنسي كان عبداللطيف حموشي، المدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني، قد تباحث خلال ديسمبر الماضي مع فيريديريك فو، المدير العام للشرطة الوطنية الفرنسية، في مختلف القضايا الأمنية ذات الاهتمام المشترك، على رأسها قضية التهديدات الإرهابية ومخاطر الجرائم المعلوماتية والجرائم العابرة للحدود.
حضور المغرب على المستوى الأمني في تنظيم فرنسا للألعاب الأولمبية، يعود إلى كونه من الدول التي لديها خبرة في المجال الأمني
ونبهت المصالح الأمنية المغربية المختصة نظيرتها الفرنسية إلى هجمات إرهابية كانت ستستهدف كنيسة بمنطقة بيزيير في أبريل 2021، رغم الأزمة الحادة التي كانت تطغى على العلاقات بين فرنسا والمغرب.
والتعاون الزراعي لا يقل قيمة عن التعاون الأمني حيث يشارك وزير الزراعة الفرنسي، مارك فينسو، في النسخة السادسة عشرة من معرض الزراعة، إلى جانب توقيعه اتفاقيات مع نظيره وزير الزراعة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات محمد صديقي في “مجال الانتقال إلى أنظمة زراعية وغابات متينة ومستدامة ومنتجة في سياق التغير المناخي، وتعزيز التبادلات في التدريب والتبادلات العلمية”.
وقالت وزارة الزراعة الفرنسية في بيان إن هذه الزيارة تندرج “في إطار تجديد التعاون بين باريس والرباط في المجال الزراعي والغابات”، معتبرة الشراكة بين البلدين “شراكة جديدة استثنائية، متوازنة، مبتكرة وطموحة”.
من جهة أخرى تباحث وزير الداخلية الفرنسي مع وزير الأوقاف المغربي أحمد التوفيق بخصوص الأئمة المستقدمين إلى الجمهورية الفرنسية، وذلك على خلفية قرار وقف الاستعانة بهم، وهو ما شرعت باريس في تنفيذه مطلع أبريل الجاري.
وسبق لجيرالد دارمانان أن قال في رسالة وجهها إلى الدول المعنية بالملف، بما فيها المغرب، إنه اعتبارا من الأول من أبريل 2024، لن يتمكن الأئمة الأجانب الذين أوفدتهم دول أخرى من مواصلة الإقامة في فرنسا “بصفتهم تلك”.
وسيتم اعتبارا من أبريل الجاري وضع إطار خاص للسماح للجمعيات التي تدير المساجد بتوظيف الأئمة بنفسها على أن تدفع لهم رواتبهم مباشرة، وسيكون المغرب استثناء في هذا الموضوع نظرا لكون فرنسا محتاجة إلى المملكة كنموذج ديني معتدل ووسطي وأبرز مدارس تكوين الأئمة، الأمر الذي جعل أوروبا، وخاصة فرنسا، تعتمد عليه بشكل كبير.
وكان سفير فرنسا بالمغرب كريستوف لوكورتيي قد تحدث في وقت سابق من الشهر الماضي عن أن العلاقات الفرنسية – المغربية تشهد “ديناميكية جديدة وتتجه بحزم نحو المستقبل”.