تبون يخرج زعيم بوليساريو من سباته مع إحاطة أممية حول الصحراء
يشكل استقبال الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون الثلاثاء زعيم جبهة بوليساريو الانفصالية إبراهيم غالي، وذلك تزامنا مع عقد مجلس الأمن في مقر الأمم المتحدة جلسة مغلقة لتقييم الوضع في الصحراء المغربية، مناورة لمحاولة لفت إليه بعد غيابه عن المشهد منذ أشهر طويلة.
ويرى مراقبون أن إصرار النظام الجزائري على اللعب بنفس الأوراق التي باتت محترقة على أمل تكون رابحة، يكشف عن فشل استراتيجية الجزائر التي تزال تعتقد أن تحريك دميتها بوليساريو ونفض الغبار عنها في هذا التوقيت سيساعدها في لفت الأنظار إلى الميليشيا المسلحة والتأثير على إحاطة المبعوث الأممي في مجلس الأمن الدولي.
فالجبهة الانفصالية وزعيمها غالي، الذين تجاوزتهم الأحداث، كانوا غائبين تماما في الأشهر الأخيرة، ويعود غيابهم إلى عرابهم النظام الجزائري الذي عمل على إخراجهم من سباتهم العميق اعتقادا منه أنه يستطيع استخدامها لإثارة إعجاب محيطه.
ويكشف الاستقبال الذي خصه تبون لزعيم بوليساريو أن الجزائر طرف رئيسي في النزاع حول الصحراء المغربية وأنها هي من تتحكم في إبراهيم غالي، تستقبله متى شاءت وتظهره في الإعلام في الوقت الذي ترغب في ذلك ووفق أجندتها وأهدافها المعلنة والخفية.
ففي بيان مقتضب اقتصرت الوكالة الرسمية الجزائرية على الإعلان أن “رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون، استقبل الثلاثاء بالجزائر العاصمة رئيس الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية والأمين العام لجبهة بوليساريو إبراهيم غالي”.
ولم يذكر البيان أي تفاصيل عن المحادثات التي جرت بين تبون وغالي باستثناء الإشارة إلى أن اللقاء كان بحضور رئيس الأركان سعيد شنقريحة ورئيس ديوان تبون بوعلام بوعلام.
ويعتقد أن تبون جدد خلال لقائه بغالي مواقفه العدائية للمغرب ولوحدته الترابية، ودعم أطروحة البوليساريو بخصوص النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية.
ويندرج هذا الاستقبال ضمن إطار محاولات الجزائر إظهار دعمها لأطروحة البوليساريو ومعاداة الوحدة الترابية للمغرب ولسيادته على أقاليمه الجنوبية، حيث تصر الجزائر على التمسك بهذه المواقف العدائية، رغم المبادرات التي قدمها المغرب لتطبيع العلاقات ومد جسور التعاون بين البلدين الشقيقين.
ويأتي استقبال الرئيس الجزائري لزعيم جبهة البوليساريو الانفصالية، تزامنا مع انعقاد جلسة مشاورات مغلقة تحت رئاسة دولة مالطا، بشأن مستجدات الوضع المتعلق بقضية الصحراء المغربية.
وجرى خلال هذه الجلسة المغلقة، تقديم إحاطة من قبل المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء ستافان دي ميستورا، قدم فيها عرضا شاملا حول اللقاءات التي أجراها مع الأطراف المعنية وأصحاب المصلحة في هذا النزاع الإقليمي.
وأسهب دي ميستورا في ذات الإحاطة في عرض جهوده الرامية إلى استئناف العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، بهدف إيجاد حل سياسي واقعي لقضية الصحراء ضمن آلية المائدة المستديرة، والعقبات التي تواجهها هذه الجهود في ظل تباين مواقف الأطراف المعنية.
كما قدم الممثل الخاص للأمم المتحدة بالصحراء رئيس بعثة المينورسو الروسي ألكسندر إيفانكو إحاطة قدم من خلالها صورة شاملة عن الوضع الميداني على الأرض، والتحديات التي تواجهها البعثة الأممية في أداء مهمتها المتمثلة في مراقبة اتفاق وقف إطلاق النار المبرم سنة 1991 تحت إشراف الأمم المتحدة.
بينما انصبت جل المداخلات التي قدمها أعضاء مجلس الأمن الدولي، على التأكيد على دعمهم لمهمة دي ميستورا، لاستئناف العملية السياسية، ولمهمة بعثة المينورسو، وحث الأطراف على التعاون مع المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، والتشديد على الدور الحاسم الذي تلعبه بعثة الأمم المتحدة في الصحراء في ضمان الاستقرار.
وانعقدت الجلسة التشاورية بمجلس الأمن بحضور الجزائر التي أصبحت عضوا غير دائم في مجلس الأمن منذ يناير 2024، وهو ما دفع تبون إلى إرسال وزير خارجيته أحمد عطاف إلى نيويورك الثلاثاء.
ورسميا، تهدف “زيارة العمل” هاته إلى “المشاركة في سلسلة اجتماعات وزارية حول القضية الفلسطينية”، لكن التوقيت ليس بريئا، حيث اتضح أن عطاف يريد أن يكون هناك لمتابعة الإحاطة.
ويؤيد هذا المعطى استقبال عطاف مساء الثلاثاء، بمقر البعثة الجزائرية بالأمم المتحدة، كلا من دي ميستورا، وجوشوا هاريس مساعد كاتب الدولة الأميركي لشمال أفريقيا وشؤون الشرق الأدنى
وقال بيان لوزارة الخارجية الجزائرية إن عطاف أجرى، في إطار زيارة العمل التي يقوم بها إلى نيويورك، محادثات ثنائية، بمقر البعثة الجزائرية بالأمم المتحدة، مع ستيفان دي ميستورا، المبعوث الشخصي للأمين العام إلى الصحراء.
وأفادت الخارجية الجزائرية، في البيان ذاته، بأن “هذه المحادثات تمحورت حول الجهود والمساعي الأممية الرامية لإعادة بعث المسار السياسي بمشاركة أطراف هذا النزاع”.
وأضافت أن “عطاف استقبل، مرفوقا بالسفير عمار بن جامع، الممثل الدائم للجزائر لدى الأمم المتحدة بنيويورك، جوشوا هاريس، مساعد كاتب الدولة الأميركي لشمال أفريقيا وشؤون الشرق الأدنى، الذي وصفته بأنه “المسؤول الأميركي عن متابعة نزاع الصحراء”، لافتة إلى أن “الطرفين تبادلا وجهات النظر حول آخر المستجدات المرتبطة بهذا الملف، وكذا النتائج المنتظرة من جلسة مجلس الأمن”.
وتندرج هذه اللقاءات في إطار دفع الأطراف الواردة في قرار مجلس الأمن 2703، من أجل إعادة إطلاق العملية السياسية للموائد المستديرة بمشاركة المغرب والجزائر وموريتانيا والبوليساريو، باعتبارها الإطار الوحيد الذي حددته قرارات مجلس الأمن للتوصل إلى حل سياسي وواقعي وعملي ودائم وقائم على التوافق.
وتأتي هذه المستجدات تأكيدا لما أوردته وسائل إعلام مغربية بشأن عقد المبعوث الأممي مشاورات مع عدد من المسؤولين الأمميين من أجل تقديم دعوات رسمية للأطراف المعنية بنزاع الصحراء، وإطلاق مسلسل المفاوضات المتوقف منذ مارس 2019.